خِلَافًا لِلثَّانِي وَبِقَوْلِهِ يُفْتِي حَاوِي الْقُدْسِيِّ وَأَمَّا الْحَرْبِيُّ وَلَوْ مُسْتَأْمَنًا فَجَمِيعُ الصَّدَقَاتِ لَا تَجُوزُ لَهُ اتِّفَاقًا بَحْرٌ عَنْ الْغَايَةِ وَغَيْرِهَا، لَكِنْ جَزَمَ الزَّيْلَعِيُّ بِجَوَازِ التَّطَوُّعِ لَهُ.
(دَفَعَ بِتَحَرٍّ) لِمَنْ يَظُنُّهُ مَصْرِفًا (فَبَانَ أَنَّهُ عَبْدُهُ أَوْ مُكَاتَبُهُ أَوْ حَرْبِيٌّ وَلَوْ مُسْتَأْمَنًا أَعَادَهَا)
ــ
[رد المحتار]
فِيهَا وَمَصْرِفُهُ مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ كَمَا مَرَّ وَلِذَا لَمْ يَسْتَثْنِ فِي الْكَنْزِ وَالْهِدَايَةِ إلَّا الزَّكَاةَ (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِلثَّانِي) حَيْثُ قَالَ إنْ دَفَعَ سَائِرَ الصَّدَقَاتِ الْوَاجِبَةِ إلَيْهِ لَا يَجُوزُ اعْتِبَارًا بِالزَّكَاةِ، وَصَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا بِأَنَّ هَذِهِ رِوَايَةٌ عَنْ الثَّانِي، وَظَاهِرُهُ أَنَّ قَوْلَهُ الْمَشْهُورَ كَقَوْلِهِمَا (قَوْلُهُ: وَبِقَوْلِهِ يُفْتِي) الَّذِي فِي حَاشِيَةِ الْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ عَنْ الْحَاوِي وَبِقَوْلِهِ نَأْخُذُ.
قُلْت: لَكِنَّ كَلَامَ الْهِدَايَةِ وَغَيْرَهَا يُفِيدُ تَرْجِيحَ قَوْلِهِمَا وَعَلَيْهِ الْمُتُونُ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْحَرْبِيُّ) مُحْتَرَزُ الذِّمِّيِّ (قَوْلُهُ: عَنْ الْغَايَةِ) أَيْ غَايَةِ الْبَيَانِ، وَقَوْلُهُ وَغَيْرُهُمَا أَيْ النِّهَايَةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: لَكِنْ جَزَمَ الزَّيْلَعِيُّ بِجَوَازِ التَّطَوُّعِ لَهُ) أَيْ لِلْمُسْتَأْمَنِ كَمَا تُفِيدُهُ عِبَارَةُ النَّهْرِ؛ ثُمَّ إنَّ هَذَا لَمْ أَرَهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ وَكَذَا قَالَ أَبُو السُّعُودِ وَغَيْرُهُ مَعَ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِدَعْوَى الِاتِّفَاقِ، لَكِنْ رَأَيْت فِي الْمُحِيطِ مِنْ كِتَابِ الْكَسْبِ: ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ: لَا بَأْسَ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُعْطِيَ كَافِرًا حَرْبِيًّا أَوْ ذِمِّيًّا، وَأَنْ يَقْبَلَ الْهَدِيَّةَ مِنْهُ، لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ خَمْسَمِائَةِ دِينَارٍ إلَى مَكَّةَ حِينَ قَحَطُوا وَأَمَرَ بِدَفْعِهَا إلَى أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ لِيُفَرِّقَا عَلَى فُقَرَاءِ أَهْلِ مَكَّةَ» وَلِأَنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ مَحْمُودَةٌ فِي كُلِّ دِينٍ وَالْإِهْدَاءُ إلَى الْغَيْرِ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ إلَخْ وَسَنَذْكُرُ تَمَامَ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْوَصَايَا.
(قَوْلُهُ: دَفَعَ بِتَحَرٍّ) أَيْ اجْتِهَادٍ وَهُوَ لُغَةً الطَّلَبُ وَالِابْتِغَاءُ، وَيُرَادِفُهُ التَّوَخِّي إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ يُسْتَعْمَلُ فِي الْمُعَامَلَاتِ، وَالثَّانِي فِي الْعِبَادَاتِ. وَعُرْفًا طَلَبُ الشَّيْءِ بِغَالِبِ الظَّنِّ عِنْدَ عَدَمِ الْوُقُوفِ عَلَى حَقِيقَتِهِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: لِمَنْ يَظُنُّهُ مَصْرِفًا) أَمَّا لَوْ تَحَرَّى فَدَفَعَ لِمَنْ ظَنَّهُ غَيْرَ مَصْرِفٍ أَوْ شَكَّ وَلَمْ يَتَحَرَّ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَظْهَرَ أَنَّهُ مَصْرِفٌ فَيُجْزِيهِ فِي الصَّحِيحِ خِلَافًا لِمَنْ ظَنَّ عَدَمَهُ، وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ.
وَفِيهِ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ لَوْ كَانَ جَالِسًا فِي صَفِّ الْفُقَرَاءِ يَصْنَعُ صُنْعَهُمْ أَوْ كَانَ عَلَيْهِ زِيُّهُمْ أَوْ سَأَلَهُ فَأَعْطَاهُ كَانَتْ هَذِهِ الْأَسْبَابُ بِمَنْزِلَةِ التَّحَرِّي كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ حَتَّى لَوْ ظَهَرَ غِنَاهُ لَمْ يُعَدَّ (قَوْلُهُ فَبَانَ أَنَّهُ عَبْدُهُ) أَيْ وَلَوْ مُدَبَّرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ نَهْرٌ وَجَوْهَرَةٌ وَهُوَ مُفَادٌ مِنْ مُقَابَلَتِهِ بِالْمُكَاتَبِ وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ الْمَدْفُوعُ عَنْ مِلْكِهِ وَالتَّمْلِيكُ رُكْنٌ (قَوْلُهُ: أَوْ مُكَاتَبُهُ) ؛ لِأَنَّ لَهُ فِي كَسْبِهِ حَقًّا فَلَمْ يَتِمَّ التَّمْلِيكُ زَيْلَعِيٌّ. وَالْمُسْتَسْعِي كَالْمُكَاتَبِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا حُرٌّ مَدْيُونٌ بَحْرٌ عَنْ الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ: أَوْ حَرْبِيٌّ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَأَطْلَقَ أَيْ فِي الْكَنْزِ الْكَافِرَ فَشَمِلَ الذِّمِّيَّ وَالْحَرْبِيَّ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِمَا فِي الْمُبْتَغَى. وَفِي الْمُحِيطِ فِي الْحَرْبِيِّ رِوَايَتَانِ، وَالْفَرْقُ عَلَى إحْدَاهُمَا أَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ صِفَةُ الْقُرْبَةِ أَصْلًا وَالْحَقُّ الْمَنْعُ. فَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ التُّحْفَةِ أَجْمَعُوا أَنَّهُ إذَا ظَهَرَ أَنَّهُ حَرْبِيٌّ وَلَوْ مُسْتَأْمَنًا لَا يَجُوزُ وَكَذَا فِي الْمِعْرَاجِ مُعَلَّلًا بِأَنَّ صِلَتَهُ لَا تَكُونُ بِرًّا شَرْعًا وَلِذَا لَمْ يَجُزْ التَّطَوُّعُ إلَيْهِ فَلَمْ يَقَعْ قُرْبَةً. اهـ.
أَقُولُ: يُنَافِيهِ مَا قَدَّمْنَاهُ قَرِيبًا عَنْ الْمُحِيطِ عَنْ السِّيَرِ الْكَبِيرِ مِنْ أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يُعْطِيَ حَرْبِيًّا إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ مَعْنَاهُ لَا يَحْرُمُ بَلْ تَرْكُهُ أَوْلَى فَلَا يَكُونُ قُرْبَةً فَتَأَمَّلْ.
وَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِابْنِ الشَّلَبِيِّ قَالَ فِي كِفَايَةِ الْبَيْهَقِيّ: دَفَعَ إلَى حَرْبِيٍّ خَطَأً ثُمَّ تَبَيَّنَ جَازَ عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ. وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُهُ اهـ قَالَ الْأَقْطَعُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَجُوزُ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَقَوْلُهُ الْآخَرُ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ فِي مُشْكِلَاتِ خُوَاهَرْ زَادَهْ الْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُسْتَأْمَنًا أَوْ حَرْبِيًّا تَجِبُ الْإِعَادَةُ اهـ وَنَصَّ فِي الْمُخْتَارِ عَلَى الْجَوَازِ وَإِطْلَاقُ الْكَنْزِ يَدُلُّ عَلَيْهِ اهـ كَلَامُ ابْنِ الشَّلَبِيِّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute