أَوْ لِلِاخْتِصَارِ (بِمِيَاهٍ) ثَلَاثَةٌ (وَالْأَنْفِ) بِبُلُوغِ الْمَاءِ الْمَارِنِ (بِمِيَاهٍ) وَهُمَا سُنَّتَانِ مُؤَكَّدَتَانِ مُشْتَمِلَتَانِ عَلَى سُنَنٍ خَمْسٍ: التَّرْتِيبُ، وَالتَّثْلِيثُ، وَتَجْدِيدُ الْمَاءِ، وَفِعْلُهُمَا بِالْيُمْنَى (وَالْمُبَالَغَةُ فِيهِمَا) بِالْغَرْغَرَةِ، وَمُجَاوَزَةِ الْمَارِنِ (لِغَيْرِ الصَّائِمِ) لِاحْتِمَالِ الْفَسَادِ؛ وَسِرُّ تَقْدِيمِهِمَا اعْتِبَارُ أَوْصَافِ الْمَاءِ؛. لِأَنَّ لَوْنَهُ يُدْرَكُ بِالْبَصَرِ، وَطَعْمَهُ بِالْفَمِ، وَرِيحَهُ بِالْأَنْفِ. وَلَوْ عِنْدَهُ مَاءٌ يَكْفِي لِلْغَسْلِ مَرَّةً مَعَهُمَا وَثَلَاثًا بِدُونِهِمَا غَسَلَ مَرَّةً.
وَلَوْ أَخَذَ مَاءً فَمَضْمَضَ بِبَعْضِهِ وَاسْتَنْشَقَ بِبَاقِيهِ أَجْزَأَهُ، وَعَكْسُهُ لَا. وَهَلْ يُدْخِلُ أُصْبُعَهُ فِي فَمِهِ وَأَنْفِهِ؟
ــ
[رد المحتار]
بِعِبَارَةٍ وَاحِدَةٍ يُوهِمُ أَنَّهُمَا سُنَّةٌ وَاحِدَةٌ وَلَيْسَ هُنَاكَ نَهْرٌ. وَأَيْضًا لَا يُنَاسِبُ ذَلِكَ مَنْ صَرَّحَ بِسُنِّيَّةِ الْمُبَالَغَةِ كَالْمُصَنِّفِ. قُلْت: فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ التَّعْبِيرَ بِغَسْلِ الْفَمِ وَالْأَنْفِ أَدَلُّ عَلَى الِاسْتِيعَابِ مِنْ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ بِالنَّظَرِ إلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: أَوْ لِلِاخْتِصَارِ) أَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الِاخْتِصَارَ مَطْلُوبٌ مَا لَمْ يُفَوِّتْ فَائِدَةً مُهِمَّةً، فَإِنَّ الْمَضْمَضَةَ إدَارَةُ الْمَاءِ فِي الْفَمِ ثُمَّ مَجُّهُ، وَالْغَسْلُ لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ: وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ كَوْنَ الْمَجِّ شَرْطًا فِيهَا هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الثَّانِي.
وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ؛ لِمَا فِي الْفَتْحِ: لَوْ شَرِبَ الْمَاءَ عَبًّا أَجْزَأَهُ عَنْ الْمَضْمَضَةِ، وَقِيلَ: لَا، وَمَصًّا لَا يَجْزِيه. هَذَا، وَأَبْدَى الْعَيْنِيُّ وَجْهًا ثَالِثًا هُوَ التَّنْبِيهُ عَلَى حَدَّيْهِمَا (قَوْلُهُ: بِمِيَاهٍ) إنَّمَا قَالَ: بِمِيَاهٍ وَلَمْ يَقُلْ: ثَلَاثًا؛ لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ الْمَسْنُونَ التَّثْلِيثُ بِمِيَاهٍ جَدِيدَةٍ، أَفَادَهُ فِي الْمِنَحِ ط (قَوْلُهُ: الْمَارِنَ) هُوَ مَا لَانَ مِنْ الْأَنْفِ قَامُوسُ (قَوْلُهُ: وَهُمَا سُنَّتَانِ مُؤَكَّدَتَانِ) فَلَوْ تَرَكَهُمَا أَثِمَ عَلَى الصَّحِيحِ سِرَاجٌ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: لَعَلَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا جَعَلَ التَّرْكَ عَادَةً لَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كَمَا قَالُوا مِثْلَهُ فِي تَرْكِ التَّثْلِيثِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: مُشْتَمِلَتَانِ) أَيْ مُشْتَمِلٌ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى سُنَنٍ خَمْسٍ، وَبِاعْتِبَارِهِمَا تَكُونُ السُّنَنُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سُنَّةً، فَافْهَمْ؟ نَعَمْ قَدْ يُقَالُ: التَّرْتِيبُ سُنَّةٌ وَاحِدَةٌ فِيهِمَا، تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَالتَّثْلِيثُ) فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمِعْرَاجِ أَنَّ تَرْكَ التَّكْرَارِ مَعَ الْإِمْكَانِ لَا يُكْرَهُ، وَأَيَّدَهُ فِي الْحِلْيَةِ «بِأَنَّهُ ثَبَتَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مَرَّةً» كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، ثُمَّ قَالَ: وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَجْعَلْ التَّرْكَ عَادَةً لَهُ (قَوْلُهُ: وَتَجْدِيدُ الْمَاءِ) أَيْ أَخْذُهُ مَاءً جَدِيدًا فِي كُلِّ مَرَّةٍ فِيهِمَا (قَوْلُهُ: وَفِعْلُهُمَا بِالْيُمْنَى) أَيْ وَيُمَخِّطُ وَيَسْتَنْثِرُ بِالْيُسْرَى، كَمَا فِي الْمُنْيَةِ وَالْمِعْرَاجِ (قَوْلُهُ: وَالْمُبَالَغَةُ فِيهِمَا) هِيَ السُّنَّةُ الْخَامِسَةُ. وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ.
(قَوْلُهُ: بِالْغَرْغَرَةِ) أَيْ فِي الْمَضْمَضَةِ، وَمُجَاوَزَةِ الْمَارِنِ فِي الِاسْتِنْشَاقِ، وَقِيلَ: الْمُبَالَغَةُ فِي الْمَضْمَضَةِ تَكْثِيرُ الْمَاءِ حَتَّى يَمْلَأَ الْفَمَ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ (قَوْلُهُ: وَسِرُّ تَقْدِيمِهِمَا) أَيْ حِكْمَةُ تَقْدِيمِهِمَا عَلَى فَرَائِضِ الْوُضُوءِ (قَوْلُهُ: اعْتِبَارُ أَوْصَافِ الْمَاءِ) عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ: أَيْ الْوُقُوفُ عَلَى تَمَامِ أَوْصَافِ الْمَاءِ، فَإِنَّ أَوْصَافَهُ اللَّوْنُ وَالطَّعْمُ وَالرِّيحُ، فَاللَّوْنُ يُرَى بِالْبَصَرِ، وَبِهِمَا يَحْصُلُ تَمَامُ الْأَوْصَافِ الَّتِي قَدْ تَعْرِضُ لَهُ، فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ عِنْدَهُ مَاءٌ إلَخْ) فِي شَرْحِ الزَّاهِدِيِّ عَنْ الشِّفَاءِ: الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ سُنَّتَانِ مُؤَكَّدَتَانِ، مَنْ تَرَكَهُمَا يَأْثَمُ. قَالَ الزَّاهِدِيُّ: وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ مَنْ عِنْدَهُ مَاءُ الْوُضُوءِ مَرَّةً مَعَهُمَا وَثَلَاثًا بِدُونِهِمَا؛ فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ مَرَّةً مَعَهُمَا اهـ كَذَا فِي الْحِلْيَةِ أَيْ لِأَنَّهُمَا آكَدُ فِي التَّثْلِيثِ بِدَلِيلِ الْإِثْمِ بِتَرْكِهِمَا، لَكِنْ قَدَّمْنَا حَمْلَ الْإِثْمِ عَلَى اعْتِيَادِ التَّرْكِ بِلَا عُذْرٍ، عَلَى أَنَّ التَّثْلِيثَ كَذَلِكَ كَمَا يَأْتِي. وَالْأَحْسَنُ قَوْلُ ح " لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَدَ عَنْهُ تَرْكُ التَّثْلِيثِ حَيْثُ «غَسَلَ مَرَّةً مَرَّةً، وَقَالَ: هَذَا وُضُوءٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إلَّا بِهِ» وَلَمْ يَرِدْ عَنْهُ تَرْكُ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ.
(قَوْلُهُ: أَخَذَ مَاءً فَمَضْمَضَ بِبَعْضِهِ وَاسْتَنْشَقَ بِبَاقِيهِ أَجْزَأَهُ) أَيْ عَنْ أَصْلِ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ، وَفَاته سُنِّيَّةُ التَّجْدِيدِ (قَوْلُهُ: وَعَكْسُهُ) أَيْ بِأَنْ قَدَّمَ الِاسْتِنْشَاقَ لَا يُجْزِيه لِصَيْرُورَةِ الْمَاءِ مُسْتَعْمَلًا بَحْرٌ أَيْ لِأَنَّ مَا فِي الْأَنْفِ لَا يُمْكِنُ إمْسَاكُهُ، بِخِلَافِ مَا فِي الْفَمِ، وَالْمُرَادُ لَا يُجْزِيه عَنْ الْمَضْمَضَةِ، وَإِلَّا فَالِاسْتِنْشَاقُ صَحَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute