(وَدَعَا جَهْرًا) بِجَهْدٍ (وَعَلَّمَ الْمَنَاسِكَ وَوَقَفَ النَّاسُ خَلْفَهُ بِقُرْبِهِ مُسْتَقْبِلِينَ الْقِبْلَةَ سَامِعِينَ لِقَوْلِهِ) خَاشِعِينَ بَاكِينَ وَهُوَ مِنْ مَوَاضِعِ الْإِجَابَةِ وَهِيَ بِمَكَّةَ خَمْسَةَ عَشَرَ نَظَمَهَا صَاحِبُ النَّهْرِ فَقَالَ:
دُعَاءُ الْبَرَايَا يُسْتَجَابُ بِكَعْبَةٍ ... وَمُلْتَزَمٍ وَالْمَوْقِفَيْنِ كَذَا الْحِجْر
طَوَافٍ وَسَعْيٍ مَرْوَتَيْنِ وَزَمْزَمٍ ... مَقَامٍ وَمِيزَابٍ جِمَارَك تُعْتَبَرْ
زَادَ فِي اللُّبَابِ: وَعِنْدَ رُؤْيَةِ الْكَعْبَةِ
ــ
[رد المحتار]
قَوْلُهُ وَدَعَا جَهْرًا) وَلَا يُفْرِطُ فِي الْجَهْرِ بِصَوْتِهِ لُبَابٌ: أَيْ بِحَيْثُ يُتْعِبُ نَفْسَهُ لَكِنْ قَيَّدَ شَارِحُهُ الْجَهْرَ بِكَوْنِهِ فِي التَّلْبِيَةِ وَقَالَ وَأَمَّا الْأَدْعِيَةُ وَالْأَذْكَارُ فَبِالْخُفْيَةِ أَوْلَى. اهـ.
قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي السِّرَاجِ وَيَجْتَهِدُ فِي الدُّعَاءِ. وَالسُّنَّةُ أَنْ يُخْفِيَ صَوْتَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: ٥٥] . اهـ. (قَوْلُهُ بِجَهْدٍ) مُتَعَلِّقٌ بِدَعَا أَيْ بِاجْتِهَادٍ وَإِلْحَاحٍ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَقَدْ وَرَدَ «خَيْرُ الدُّعَاءِ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْت أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» رَوَاهُ مَالِكٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمْ شَرْحُ النُّقَايَةِ لِلْقَارِي.
مَطْلَبٌ الثَّنَاءُ عَلَى الْكَرِيمِ دُعَاءٌ
وَقِيلَ لِابْنِ عُيَيْنَةَ هَذَا ثَنَاءٌ فَلِمَ سَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُعَاءً فَقَالَ: الثَّنَاءُ عَلَى الْكَرِيمِ دُعَاءٌ لِأَنَّهُ يَعْرِفُ حَاجَتَهُ فَتْحٌ.
قُلْت: يُشِيرُ بِهَذَا إلَى خَبَرِ «مَنْ شَغَلَهُ ذِكْرِي عَنْ مَسْأَلَتِي أَعْطَيْته أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ» وَمِنْهُ قَوْلُ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ فِي مَدْحِ بَعْضِ الْمُلُوكِ:
أَأَذْكُرُ حَاجَتِي أَمْ قَدْ كَفَانِي ... ثَنَاؤُك إنَّ شِيمَتَك الْحَيَاءُ
إذَا أَثْنَى عَلَيْك الْمَرْءُ يَوْمًا ... كَفَاهُ مِنْ تَعَرُّضِهِ الثَّنَاءُ
مَطْلَبٌ فِي إجَابَةِ الدُّعَاءِ
(قَوْلُهُ وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْمَوْقِفُ مِنْ مَوَاضِعِ الْإِجَابَةِ أَيْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي تَكُونُ الْإِجَابَةُ أَرْجَى فِيهَا مِنْ غَيْرِهَا كَمَا أَفَادَهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ وَهِيَ بِمَكَّةَ) أَيْ وَمَا قَرُبَ لِأَنَّ الْمَوْقِفَيْنِ وَمِنًى وَالْجِمَارَ لَيْسَتْ فِي مَكَّةَ (قَوْلُهُ وَهِيَ خَمْسَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا إلَخْ) كَذَا ذَكَرَهَا فِي الْفَتْحِ عَنْ رِسَالَةِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ الْمَكِّيُّ: وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ تَابِعِيٌّ جَلِيلٌ اجْتَمَعَ بِجَمْعٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فَلَا يَقُولُ ذَلِكَ إلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ. اهـ. وَنَقَلَهَا بَعْضُهُمْ عَنْ النَّقَّاشِ الْمُفَسِّرِ فِي مَنْسَكِهِ مُقَيَّدَةً بِأَوْقَاتٍ خَاصَّةٍ وَالْحَسَنُ أَطْلَقَهَا، وَذَكَرَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ نَظْمًا نَقَلَهُ ح عَنْ الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ فَرَاجِعْهُمَا (قَوْلُهُ بِكَعْبَةٍ) أَيْ فِيهَا (قَوْلُهُ الْمَوْقِفَيْنِ) أَيْ عَرَفَةَ وَالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ فِي الْمُزْدَلِفَةِ (قَوْلُهُ طَوَافً) أَيْ مَكَانُهُ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ الْمَطَافُ وَهُوَ مَا كَانَ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسْجِدًا وَإِلَّا فَالْمَسْجِدُ الْحَرَامُ مَطَافٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَجُوزُ فِيهِ الطَّوَافُ شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَسَعْيٌ) أَيْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لَا سِيَّمَا فِيمَا بَيْنَ الْمِيلَيْنِ شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ مَرْوَتَيْنِ) أَيْ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَفِيهِ تَغْلِيبٌ وَلَعَلَّهُ غَلَّبَ الْمُؤَنَّثَ عَلَى الْمُذَكَّرِ بِنَاءً عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لِلْعُلَمَاءِ وَهُوَ أَنَّ الْمَرْوَةَ أَفْضَلُ مِنْ الصَّفَا (قَوْلُهُ مَقَامٍ) أَيْ خَلْفَهُ كَمَا فِي اللُّبَابِ (قَوْلُهُ جِمَارُك) أَيْ الثَّلَاثُ فَبِذَلِكَ بَلَغَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ، لَكِنْ اُعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لَا دُعَاءَ فِي جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ بَلْ فِي الْأُولَى وَالْوُسْطَى (قَوْلُهُ زَادَ فِي اللُّبَابِ إلَخْ) أَيْ لُبَابِ الْمَنَاسِكِ لِلشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - السِّنْدِيِّ تِلْمِيذِ الْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ اخْتَصَرَهُ