للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(بَعْدَ رَمْيِ يَوْمِ النَّحْرِ) لِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ (وَإِنْ عَجَزَ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) وَلَوْ مُتَفَرِّقَةً (آخِرُهَا يَوْمَ عَرَفَةَ) نَدْبًا رَجَاءَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ، فَبَعْدَهُ لَا يُجْزِيهِ؛ فَقَوْلُ الْمِنَحِ كَالْبَحْرِ بَيَانٌ لِلْأَفْضَلِ فِيهِ كَلَامٌ (وَسَبْعَةً بَعْدَ) تَمَامِ أَيَّامِ (حَجِّهِ) فَرْضًا أَوْ وَاجِبًا، وَهُوَ بِمَعْنَى أَيَّامِ التَّشْرِيقِ (أَيْنَ شَاءَ) لَكِنَّ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ لَا تُجْزِيهِ - {وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: ١٩٦]- أَيْ فَرَغْتُمْ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ، فَعَمَّ مَنْ وَطَنُهُ مِنًى أَوْ اتَّخَذَهَا مَوْطِنًا

ــ

[رد المحتار]

وَيُهْدِيَ الثُّلُثَ لُبَابٌ. قَالَ شَارِحُهُ: وَالْأَخِيرُ بَدَلُ الثَّانِي وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ الْبَدَائِعِ أَنَّهُ بَدَلُ الثَّالِثِ (قَوْلُهُ بَعْدَ رَمْيِ يَوْمِ النَّحْرِ) أَيْ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَقَبْلَ الْحَلْقِ لِمَا مَرَّ. وَعِبَارَةُ اللُّبَابِ: وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ (قَوْلُهُ لِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ) أَيْ تَرْتِيبِ الثَّلَاثَةِ: الرَّمْيِ، ثُمَّ الذَّبْحِ، ثُمَّ الْحَلْقِ عَلَى تَرْتِيبِ حُرُوفِ قَوْلِك رذح، أَمَّا الطَّوَافُ فَلَا يَجِبُ تَرْتِيبُهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا، وَالْمُفْرِدُ لَا دَمَ عَلَيْهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ التَّرْتِيبُ بَيْنَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ كَمَا قَدَّمْنَا ذَلِكَ فِي وَاجِبَاتِ الْحَجِّ (قَوْلُهُ وَإِنْ عَجَزَ) أَيْ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ فَضْلٌ عَنْ كَفَافٍ قَدْرَ مَا يَشْتَرِي بِهِ الدَّمَ، وَلَا هُوَ: أَيْ الدَّمُ فِي مِلْكِهِ لُبَابٌ، وَمِنْهُ يُعْلَمُ حَدُّ الْغَنِيِّ الْمُعْتَبَرِ هُنَا، وَفِيهِ أَقْوَالٌ أُخَرُ، وَيُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ مَكَّةُ لِأَنَّهَا مَكَانُ الدَّمِ كَمَا نَقَلَهُ بَعْضُهُمْ عَنْ الْمَنْسَكِ الْكَبِيرِ لِلسِّنْدِيِّ (قَوْلُهُ وَلَوْ مُتَفَرِّقَةً) أَشَارَ إلَى عَدَمِ لُزُومِ التَّتَابُعِ وَمِثْلُهُ فِي السَّبْعَةِ، وَإِلَى أَنَّ التَّتَابُعَ أَفْضَلُ فِيهِمَا كَمَا فِي اللُّبَابِ (قَوْلُهُ آخِرُهَا يَوْمَ عَرَفَةَ) بِأَنْ يَصُومَ السَّابِعَ وَالثَّامِنَ وَالتَّاسِعَ.

قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ: لَكِنْ إنْ كَانَ يُضْعِفُهُ ذَلِكَ عَنْ الْخُرُوجِ إلَى عَرَفَاتٍ وَالْوُقُوفِ وَالدَّعَوَاتِ فَالْمُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُهُ عَلَى هَذِهِ الْأَيَّامِ، حَتَّى قِيلَ يُكْرَهُ الصَّوْمُ فِيهَا إنْ أَضْعَفَهُ عَنْ الْقِيَامِ بِحَقِّهَا. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ إلَّا أَنْ يُسِيءَ خُلُقَهُ فَيُوقِعَهُ فِي مَحْظُورٍ (قَوْلُهُ نَدْبًا رَجَاءَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ) لِأَنَّهُ لَوْ صَامَ الثَّلَاثَةَ قَبْلَ السَّابِعِ وَتَالِيَيْهِ اُحْتُمِلَ قُدْرَتُهُ عَلَى الْأَصْلِ فَيَجِبُ ذَبْحُهُ وَيَلْغُو صَوْمُهُ، فَلِذَا نُدِبَ تَأْخِيرُ الصَّوْمِ إلَيْهَا، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ سَقَطَتْ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ (قَوْلُهُ فَبَعْدَهُ لَا يَجْزِيهِ) أَيْ لَا يَجْزِيهِ الصَّوْمُ لَوْ أَخَّرَهُ عَنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَيَتَعَيَّنُ الْأَصْلُ، وَالْأَوْلَى إسْقَاطُ هَذَا لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ فَإِنْ فَاتَتْ الثَّلَاثَةُ تَعَيَّنَ الدَّمُ (قَوْلُهُ فِيهِ كَلَامٌ) تَبِعَ فِي ذَلِكَ صَاحِبَ النَّهْرِ وَفِيهِ كَلَامٌ لِأَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ آخِرُهَا يَوْمَ عَرَفَةَ دَلَّ عَلَى شَيْئَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنَّهُ لَا يَصُومُهَا قَبْلَ السَّابِعِ وَتَالِيَيْهِ. وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يُؤَخِّرُ الصَّوْمَ عَنْ يَوْمِ النَّحْرِ، الْأَوَّلُ مَنْدُوبٌ، وَالثَّانِي وَاجِبٌ.

وَلَمَّا صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِالثَّانِي حَيْثُ قَالَ فَإِنْ فَاتَتْ الثَّلَاثَةُ إلَخْ اقْتَصَرَ فِي الْمِنَحِ تَبَعًا لِلْبَحْرِ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ آخِرُهَا يَوْمَ عَرَفَةَ لِبَيَانِ الْمَنْدُوبِ دُونَ الْوَاجِبِ، لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: إنَّ قَوْلَهُ فَإِنْ فَاتَتْ إلَخْ بِفَاءِ التَّفْرِيعِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ قَوْلِهِ آخِرُهَا يَوْمَ النَّحْرِ بَيَانُ الْوَاجِبِ وَهُوَ عَدَمُ التَّأْخِيرِ مَعَ أَنَّهُ الْأَهَمُّ، وَزَادَ الشَّارِحُ التَّنْبِيهَ عَلَى الْمَنْدُوبِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بَعْدَ تَمَامِ أَيَّامِ حَجِّهِ) الْأَوْلَى إبْدَالُ الْأَيَّامِ بِالْأَعْمَالِ كَمَا فَعَلَ فِي الْبَحْرِ لِيُحَسِّنَ قَوْلَهُ فَرْضًا أَوْ وَاجِبًا فَإِنَّهُ تَعْمِيمٌ لِلْأَعْمَالِ مِنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَالرَّمْيِ وَالذَّبْحِ وَالْحَلْقِ، وَلِيُنَاسِبَ مَا حَمَلَ عَلَيْهِ الْآيَةَ مِنْ الْفَرَاغِ مِنْ الْأَعْمَالِ (قَوْلُهُ وَهُوَ) أَيْ التَّمَامُ الْمَذْكُورُ بِمَعْنَى أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِأَنَّ الْيَوْمَ الثَّالِثَ مِنْهَا وَقْتٌ لِلرَّمْيِ لِمَنْ أَقَامَ فِيهِ بِمِنًى (قَوْلُهُ أَيْنَ شَاءَ) مُتَعَلِّقٌ بِصَامَ: أَيْ وَصَامَ سَبْعَةً فِي أَيِّ مَكَان شَاءَ مِنْ مَكَّةَ أَوْ غَيْرِهَا (قَوْلُهُ لَكِنَّ إلَخْ) لَا يَحْسُنُ هَذَا الِاسْتِدْرَاكُ بَعْدَ قَوْلِهِ وَهُوَ بِمُضِيِّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ح وَلَعَلَّ وَجْهَهُ دَفْعُ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ وَهُوَ إلَخْ لَيْسَ شَرْطًا لِلصِّحَّةِ بَلْ شَرْطٌ لِنَفْيِ الْكَرَاهَةِ كَمَا فِي الْمَنْذُورِ وَنَحْوِهِ: فَإِنَّهُ لَوْ صَامَهُ فِيهَا صَحَّ مَعَ الْكَرَاهَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ أَيْنَ شَاءَ بِقَرِينَةِ التَّفْرِيعِ، وَيَجُوزُ جَعْلُهُ عِلَّةً لِلِاسْتِدْرَاكِ لِأَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ وَقْتَ الصَّوْمِ بَعْدَ الْفَرَاغِ وَلَا فَرَاغَ إلَّا بِمُضِيِّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى تَفْسِيرِ عُلَمَائِنَا الرُّجُوعَ بِالْفَرَاغِ عَنْ الْأَفْعَالِ لِأَنَّهُ سَبَبُ الرُّجُوعِ فَذُكِرَ الْمُسَبَّبُ وَأُرِيدَ السَّبَبُ مَجَازًا، فَلَيْسَ الْمُرَادُ حَقِيقَةَ الرُّجُوعِ إلَى وَطَنِهِ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، فَلَمْ يَجُزْ صَوْمُهَا بِمَكَّةَ، وَإِنَّمَا حَمَلْنَاهُ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>