لِأَنَّ الْوُضُوءَ قَبْلَ الْوَقْتِ مَنْدُوبٌ، وَبَعْدَهُ فَرْضٌ. الثَّانِيَةُ: إبْرَاءُ الْمُعْسِرِ مَنْدُوبٌ أَفْضَلُ مِنْ إنْظَارِهِ الْوَاجِبَ. الثَّالِثَةُ: الِابْتِدَاءُ بِالسَّلَامِ سُنَّةٌ أَفْضَلُ مِنْ رَدِّهِ، وَهُوَ فَرْضٌ، وَنَظَمَهُ مَنْ قَالَ:
الْفَرْضُ أَفْضَلُ مِنْ تَطَوُّعِ عَابِدٍ ... حَتَّى وَلَوْ قَدْ جَاءَ مِنْهُ بِأَكْثَرِ
إلَّا التَّطَهُّرَ قَبْلَ وَقْتٍ وَابْتِدَاءٍ ... لِلسَّلَامِ كَذَاك إبْرَا مُعْسِرِ
(وَتَحْرِيكُ خَاتَمِهِ الْوَاسِعِ) وَمِثْلُهُ الْقُرْطُ، وَكَذَا الضَّيِّقِ إنْ عَلِمَ وُصُولَ الْمَاءِ، وَإِلَّا فُرِضَ
(وَعَدَمُ الِاسْتِعَانَةِ بِغَيْرِهِ) إلَّا لِعُذْرٍ. وَأَمَّا اسْتِعَانَتُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالْمُغِيرَةِ فَلِتَعْلِيمِ الْجَوَازِ (وَ) عَدَمُ (التَّكَلُّمِ بِكَلَامِ النَّاسِ) إلَّا لِحَاجَةٍ
ــ
[رد المحتار]
صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الذَّهَابِ بَعْدَ النِّدَاءِ مَعَ أَنَّهُ سُنَّةٌ، وَالثَّانِي فَرْضٌ.
وَكَمَنْ اُضْطُرَّ إلَى شَرْبَةِ مَاءٍ أَوْ أَكْلِ لُقْمَةٍ فَدَفَعْت لَهُ أَكْثَرَ مِمَّا اُضْطُرَّ إلَيْهِ، فَدَفْعُ مَا اُضْطُرَّ إلَيْهِ وَاجِبٌ، وَالزَّائِدُ نَفْلٌ ثَوَابُهُ أَكْثَرُ مِنْ حَيْثُ إنَّ نَفْعَهُ أَكْثَرُ، وَإِنْ كَانَ دَفْعُ قَدْرِ الضَّرُورَةِ أَفْضَلَ مِنْ حَيْثُ امْتِثَالُ الْأَمْرِ، وَكَذَا مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ فَدَفَعَ دِرْهَمَيْنِ أَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ أُضْحِيَّةٌ فَضَحَّى بِشَاتَيْنِ، وَعَلَى هَذَا فَقَدْ يُزَادُ عَلَى الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ مِنْ كُلِّ مَا هُوَ نَفْلٌ اشْتَمَلَ عَلَى الْوَاجِبِ وَزَادَ، لَكِنَّ تَسْمِيَتَهُ نَفْلًا مِنْ حَيْثُ تِلْكَ الزِّيَادَةُ، أَمَّا مِنْ حَيْثُ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ الْوَاجِبِ فَهُوَ وَاجِبٌ، وَثَوَابُهُ أَكْثَرُ مِنْ حَيْثُ تِلْكَ الزِّيَادَةُ، فَلَا تَنْخَرِمُ حِينَئِذٍ الْقَاعِدَةُ الْمَأْخُوذَةُ مِمَّا صَحَّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ حِكَايَةً عَنْ اللَّهِ تَعَالَى «وَمَا تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ» وَمِمَّا وَرَدَ فِي صَحِيحِ ابْنِ خُزَيْمَةَ أَنَّ «الْوَاجِبَ يَفْضُلُ الْمَنْدُوبَ بِسَبْعِينَ دَرَجَةً» وَإِنْ اسْتَشْكَلَهُ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ، فَاغْتَنِمْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مِنْ فَيْضِ الْفَتَّاحِ الْعَلِيمِ.
ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ نَبَّهَ عَلَى مَا قُلْته، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْوُضُوءَ إلَخْ) وَمِثْلَهُ التَّيَمُّمُ لِغَيْرِ رَاجِي الْمَاءِ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَحَلِّهِ عَنْ الرَّمْلِيِّ (قَوْلُهُ: أَفْضَلُ مِنْ رَدِّهِ) وَقِيلَ: أَجْرُ الرَّدِّ أَكْثَرُ لِأَنَّهُ فَرْضٌ حَمَوِيٌّ، عَنْ كَرَاهِيَةِ الْعَلَّامِيِّ (قَوْلُهُ: وَلَوْ) الْوَاوُ زَائِدَةٌ أَوْ عَاطِفَةٌ عَلَى مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ حَتَّى إنْ جَاءَ بِمِثْلِهِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى ط (قَوْلُهُ: مِنْهُ) مُتَعَلِّقٌ بِأَكْثَرَ وَالضَّمِيرُ لِلْفَرْضِ، أَوْ مُتَعَلِّقٌ بِجَاءَ وَالضَّمِيرُ لِلتَّطَوُّعِ ط (قَوْلُهُ: بِأَكْثَرِ) جَرَّهُ بِالْكِسْرَةِ لِأَجْلِ يَنْجُسُ (قَوْلُهُ: وَابْتِدَاءً) أَلِفُ ابْتِدَاءً مِنْ الْمِصْرَاعِ الْأَوَّلِ وَهَمْزَتُهُ الْمُنَوَّنَةُ مِنْ الْمِصْرَاعِ الثَّانِي (قَوْلُهُ: إبْرَا) بِالْقَصْرِ لِلضَّرُورَةِ (قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ الْقُرْطُ) أَيْ فِي الْغَسْلِ، وَإِلَّا فَلَا مَدْخَلَ لَهُ هُنَا لِأَنَّهُ مَا يُعَلَّقُ فِي الْأُذُنِ قَامُوسٌ.
مَطْلَبٌ فِي مَبَاحِثِ الِاسْتِعَانَةِ فِي الْوُضُوءِ بِالْغَيْرِ
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا اسْتِعَانَتُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَخْ) كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَمُفَادُهُ أَنَّ الِاسْتِعَانَةَ مَكْرُوهَةٌ حَتَّى اُحْتِيجَ إلَى هَذَا الْجَوَابِ. وَظَاهِرُ مَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ أَصْلًا إذَا كَانَتْ بِطِيبِ قَلْبٍ وَمَحَبَّةٍ مِنْ الْمُعِينِ مِنْ غَيْرِ تَكْلِيفٍ مِنْ الْمُتَوَضِّئِ، وَعَلَيْهِ مَشَى فِي هَدِيَّةِ ابْنِ الْعِمَادِ، لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْحِلْيَةِ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً مِنْ الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا فِيهَا التَّصْرِيحُ بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ وَبِدُونِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَفِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مِثْلِ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الْجَوَازِ الَّذِي لَا تُجَامِعْهُ الْكَرَاهَةُ لِأَنَّ الْجَزْمَ بِعَدَمِ ارْتِكَابِهِ الْمَكْرُوهَ مِنْ غَيْرِ مُعَارِضٍ وَاقِعٍ فِي حَقِّهِ، نَعَمْ قَدْ يَكُونُ الْفِعْلُ مِنْهُ بَيَانًا لِلْجَوَازِ لَكِنْ بَعْدَ قِيَامِ الدَّلِيلِ الْمُقْتَضِي لِلْكَرَاهَةِ، فَإِذَا لَمْ يَقُمْ لَمْ يَصِحَّ أَنْ يُقَالَ بِالْكَرَاهَةِ، ثُمَّ يُعَلِّلُ مَا وَرَدَ مِنْ الْفِعْلِ بِأَنَّهُ بَيَانٌ لِلْجَوَازِ، وَلَمْ يُوجَدْ دَلِيلٌ مُعْتَبَرٌ يُفِيدُ الْكَرَاهَةَ هُنَا، وَإِنَّمَا وَرَدَ فِي حَدِيثٍ ضَعِيفٍ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: إنِّي لَا أُحِبُّ أَنْ يُعِينَنِي عَلَى وُضُوئِي أَحَدٌ. وَوَرَدَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يَكِلُ طُهُورَهُ إلَى أَحَدٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ أَيْضًا، وَلَوْ ثَبَتَ لَا يَقْوَى عَلَى مُعَارِضَةِ الْأَحَادِيثِ الْمَارَّةِ مَعَ احْتِمَالِ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُبَاشِرُ غَسْلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute