للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَ) يَكُونُ (سُنَّةً) مُؤَكَّدَةً فِي الْأَصَحِّ فَيَأْثَمُ بِتَرْكِهِ وَيُثَابُ إنْ نَوَى تَحْصِينًا وَوَلَدًا (حَالَ الِاعْتِدَالِ) أَيْ الْقُدْرَةِ عَلَى وَطْءٍ وَمَهْرٍ وَنَفَقَةٍ وَرَجَّحَ فِي النَّهْرِ وُجُوبَهُ لِلْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهِ وَالْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ رَغِبَ عَنْهُ (، وَمَكْرُوهًا لِخَوْفِ الْجَوْرِ) فَإِنْ تَيَقَّنَهُ حَرُمَ ذَلِكَ

ــ

[رد المحتار]

يُقَالُ الشَّرْطُ مِلْكُ كُلٍّ مِنْ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَلَوْ بِالِاسْتِدَانَةِ أَوْ يُقَالُ هَذَا فِي الْعَاجِزِ عَنْ الْكَسْبِ، وَمَنْ لَيْسَ لَهُ جِهَةُ وَفَاءٍ وَقَدَّمَ الشَّارِحُ فِي أَوَّلِ الْحَجِّ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَحُجَّ حَتَّى أَتْلَفَ مَالَهُ وَسِعَهُ أَنْ يَسْتَقْرِضَ وَيَحُجَّ وَلَوْ غَيْرَ قَادِرٍ عَلَى وَفَائِهِ، وَيُرْجَى أَنْ لَا يُؤَاخِذَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ أَيْ لَوْ نَاوِيًا وَفَاءَهُ لَوْ قَدَرَ كَمَا قَيَّدَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ. اهـ.

وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ عَدَمُ قُدْرَتِهِ عَلَى الْوَفَاءِ فِي الْحَالِ مَعَ غَلَبَةِ ظَنِّهِ أَنَّهُ لَوْ اجْتَهَدَ قَدَرَ، وَإِلَّا فَالْأَفْضَلُ عَدَمُهُ، وَيَنْبَغِي حَمْلُ مَا ذَكَرَ مِنْ نَدْبِ الِاسْتِدَانَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ ظَنِّهِ الْقُدْرَةَ عَلَى الْوَفَاءِ وَحِينَئِذٍ فَإِذَا كَانَتْ مَنْدُوبَةً عِنْدَ أَمْنِهِ مِنْ الْوُقُوعِ فِي الزِّنَا يَنْبَغِي وُجُوبُهَا عِنْدَ تَيَقُّنِ الزِّنَا بَلْ يَنْبَغِي وُجُوبُهَا حِينَئِذٍ، وَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ قُدْرَةُ الْوَفَاءِ تَأَمَّلْ. مَطْلَبٌ: كَثِيرًا مَا يَتَسَاهَلُ فِي إطْلَاقِ الْمُسْتَحَبِّ عَلَى السُّنَّةِ. (قَوْلُهُ: سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ فِي الْأَصَحِّ) وَهُوَ مَحْمَلُ الْقَوْلِ بِالِاسْتِحْبَابِ وَكَثِيرًا مَا يَتَسَاهَلُ فِي إطْلَاقِ الْمُسْتَحَبِّ عَلَى السُّنَّةِ وَقِيلَ: فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَقِيلَ وَاجِبُ كِفَايَةٍ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ، وَقِيلَ وَاجِبٌ عَيْنًا وَرَجَّحَهُ فِي النَّهْرِ كَمَا يَأْتِي قَالَ فِي الْبَحْرِ وَدَلِيلُ السُّنِّيَّةِ حَالَةُ الِاعْتِدَالِ الِاقْتِدَاءُ بِحَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نَفْسِهِ وَرَدُّهُ عَلَى مَنْ أَرَادَ مِنْ أُمَّتِهِ التَّخَلِّيَ لِلْعِبَادَةِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ رَدًّا بَلِيغًا بِقَوْلِهِ «فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» كَمَا أَوْضَحَهُ فِي الْفَتْحِ. اهـ.

وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِتَعَلُّمٍ وَتَعْلِيمٍ كَمَا فِي دُرَرِ الْبِحَارِ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ التَّخَلِّي لِلنَّوَافِلِ (قَوْلُهُ: فَيَأْثَمُ بِتَرْكِهِ) لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ تَرْكَ الْمُؤَكَّدَةِ مُؤَثِّمٌ كَمَا عُلِمَ فِي الصَّلَاةِ بَحْرٌ، وَقَدَّمْنَا فِي سُنَنِ الصَّلَاةِ أَنَّ اللَّاحِقَ بِتَرْكِهَا إثْمٌ يَسِيرٌ وَأَنَّ الْمُرَادَ التَّرْكُ مَعَ الْإِصْرَارِ وَبِهَذَا فَارَقَتْ الْمُؤَكَّدَةُ الْوَاجِبَ، وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْبَدَائِعِ فِي الْإِمَامَةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا إلَّا فِي الْعِبَارَةِ.

(قَوْلُهُ: وَيُثَابُ إنْ نَوَى تَحْصِينَهَا) أَيْ مَنْعَ نَفْسِهِ وَنَفْسِهَا عَنْ الْحَرَامِ، وَكَذَا لَوْ نَوَى مُجَرَّدَ الِاتِّبَاعِ وَامْتِثَالِ الْأَمْرِ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى مُجَرَّدَ قَضَاءِ الشَّهْوَةِ وَاللَّذَّةِ (قَوْلُهُ: أَيْ الْقُدْرَةِ عَلَى وَطْءٍ) أَيْ الِاعْتِدَالُ فِي التَّوَقَانِ أَنْ لَا يَكُونَ بِالْمَعْنَى الْمَارِّ فِي الْوَاجِبِ وَالْفَرْضِ وَهُوَ شِدَّةُ الِاشْتِيَاقِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ فِي غَايَةِ الْفُتُورِ كَالْعِنِّينِ وَلِذَا فَسَّرَهُ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى بِأَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْفُتُورِ وَالشَّوْقِ وَزَادَ الْمَهْرَ وَالنَّفَقَةَ؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ عَنْهُمَا يُسْقِطُ الْفَرْضَ فَيُسْقِطُ السُّنِّيَّةَ بِالْأَوْلَى، وَفِي الْبَحْرِ وَالْمُرَادُ حَالَةُ الْقُدْرَةِ عَلَى الْوَطْءِ، وَالْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ مَعَ عَدَمِ الْخَوْفِ مِنْ الزِّنَا وَالْجَوْرِ وَتَرْكِ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ، فَلَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ أَوْ خَافَ وَاحِدًا مِنْ الثَّلَاثَةِ أَيْ الْأَخِيرَةِ فَلَيْسَ مُعْتَدِلًا فَلَا يَكُونُ سُنَّةً فِي حَقِّهِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْبَدَائِعِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: لِلْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهِ وَالْإِنْكَارِ إلَخْ) فَإِنَّ الْمُوَاظَبَةَ الْمُقْتَرِنَةَ بِالْإِنْكَارِ عَلَى التَّرْكِ دَلِيلُ الْوُجُوبِ؛ وَأَجَابَ الرَّحْمَتِيُّ بِأَنَّ الْحَدِيثَ لَيْسَ فِيهِ الْإِنْكَارُ عَلَى التَّارِكِ بَلْ عَلَى الرَّاغِبِ عَنْهُ وَلَا شَكَّ أَنَّ الرَّاغِبَ عَنْ السُّنَّةِ مَحَلُّ الْإِنْكَارِ (قَوْلُهُ: وَمَكْرُوهًا) أَيْ تَحْرِيمًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ: فَإِنْ تَيَقَّنَهُ) أَيْ تَيَقَّنَ الْجَوْرَ حَرُمَ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ إنَّمَا شُرِعَ لِمَصْلَحَةِ تَحْصِينِ النَّفْسِ، وَتَحْصِيلِ الثَّوَابِ، وَبِالْجَوْرِ يَأْثَمُ وَيَرْتَكِبُ الْمُحَرَّمَاتِ فَتَنْعَدِمُ الْمَصَالِحُ لِرُجْحَانِ هَذِهِ الْمَفَاسِدِ بَحْرٌ وَتَرَكَ الشَّارِحُ قِسْمًا سَادِسًا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُجْتَبَى وَهُوَ الْإِبَاحَةُ إنْ خَافَ الْعَجْزَ عَنْ الْإِيفَاءِ بِمُوجَبِهِ. اهـ. أَيْ خَوْفًا غَيْرَ رَاجِحٍ، وَإِلَّا كَانَ مَكْرُوهًا تَحْرِيمًا؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْجَوْرِ مِنْ مَوَاجِبِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْصِدْ إقَامَةَ السُّنَّةِ بَلْ قَصَدَ مُجَرَّدَ التَّوَصُّلِ إلَى قَضَاءِ الشَّهْوَةِ وَلَمْ يَخَفْ شَيْئًا لَمْ يُثَبْ عَلَيْهِ إذْ لَا ثَوَابَ إلَّا بِالنِّيَّةِ فَيَكُونُ مُبَاحًا أَيْضًا كَالْوَطْءِ لِقَضَاءِ الشَّهْوَةِ لَكِنْ «لَمَّا قِيلَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ أَحَدَنَا يَقْضِي شَهْوَتَهُ فَكَيْفَ يُثَابُ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا مَعْنَاهُ أَرَأَيْت لَوْ وَضَعَهَا فِي مُحَرَّمٍ أَمَا كَانَ يُعَاقَبُ» فَيُفِيدُ الثَّوَابَ

<<  <  ج: ص:  >  >>