للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَيُنْدَبُ إعْلَانُهُ وَتَقْدِيمُ خُطْبَةٍ وَكَوْنُهُ فِي مَسْجِدِ يَوْمِ جُمُعَةٍ بِعَاقِدٍ رَشِيدٍ وَشُهُودٍ عُدُولٍ، وَالِاسْتِدَانَةُ لَهُ وَالنَّظَرُ إلَيْهَا قَبْلَهُ، وَكَوْنُهَا دُونَهُ سِنًّا وَحَسَبًا وَعِزًّا، وَمَالًا وَفَوْقَهُ خُلُقًا وَأَدَبًا

ــ

[رد المحتار]

مُطْلَقًا إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ فِي الْحَدِيثِ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ لِأَجْلِ تَحْصِينِ النَّفْسِ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْأَشْبَاهِ بِأَنَّ النِّكَاحَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، فَيَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ وَأَشَارَ بِالْفَاءِ إلَى تَوَقُّفِ كَوْنِهِ سُنَّةً عَلَى النِّيَّةِ ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا الْمُبَاحَاتُ فَتَخْتَلِفُ صِفَتُهَا بِاعْتِبَارِ مَا قُصِدَتْ لِأَجْلِهِ فَإِذَا قَصَدَ بِهَا التَّقَوِّي عَلَى الطَّاعَاتِ أَوْ التَّوَصُّلَ إلَيْهَا كَانَتْ عِبَادَةً كَالْأَكْلِ وَالنَّوْمِ وَاكْتِسَابِ الْمَالِ وَالْوَطْءِ. اهـ.

ثُمَّ رَأَيْت فِي الْفَتْحِ قَالَ: وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْتَرِنْ بِنِيَّةٍ كَانَ مُبَاحًا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ حِينَئِذٍ مُجَرَّدُ قَضَاءِ الشَّهْوَةِ، وَمَبْنَى الْعِبَادَةِ عَلَى خِلَافِهِ.

وَأَقُولُ: بَلْ فِيهِ فَضْلٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ قَضَائِهَا بِغَيْرِ الطَّرِيقِ الْمَشْرُوعِ فَالْعُدُولُ إلَيْهِ مَعَ مَا يَعْلَمُهُ مِنْ أَنَّهُ قَدْ يَسْتَلْزِمُ أَثْقَالًا فِيهِ قَصْدُ تَرْكِ الْمَعْصِيَةِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَيُنْدَبُ إعْلَانُهُ) أَيْ إظْهَارُهُ وَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى النِّكَاحِ بِمَعْنَى الْعَقْدِ لِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ «أَعْلِنُوا هَذَا النِّكَاحَ وَاجْعَلُوهُ فِي الْمَسَاجِدِ وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالدُّفُوفِ» فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَتَقْدِيمُ خُطْبَةٍ) بِضَمِّ الْخَاءِ مَا يُذْكَرُ قَبْلَ إجْرَاءِ الْعَقْدِ مِنْ الْحَمْدِ وَالتَّشَهُّدِ، وَأَمَّا بِكَسْرِهَا فَهِيَ طَلَبُ التَّزَوُّجِ وَأَطْلَقَ الْخُطْبَةَ فَأَفَادَ أَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ بِأَلْفَاظٍ مَخْصُوصَةٍ، وَإِنْ خَطَبَ بِمَا وَرَدَ فَهُوَ أَحْسَنُ، وَمِنْهُ مَا ذَكَرَهُ ط عَنْ صَاحِبِ الْحِصْنِ الْحَصِينِ مِنْ لَفْظِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَهُوَ «الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُ بِهِ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [النساء: ١] إلَى {رَقِيبًا} [النساء: ١] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: ١٠٢] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا} [الأحزاب: ٧٠] إلَى قَوْلِهِ {عَظِيمًا} [الأحزاب: ٧١] » . اهـ.

(قَوْلُهُ: فِي مَسْجِدٍ) لِلْأَمْرِ بِهِ فِي الْحَدِيثِ ط (قَوْلُهُ: يَوْمَ جُمُعَةٍ) أَيْ وَكَوْنُهُ يَوْمَ جُمُعَةٍ فَتْحٌ.

[تَنْبِيهٌ]

قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَالْبِنَاءُ وَالنِّكَاحُ بَيْنَ الْعِيدَيْنِ جَائِزٌ وَكُرِهَ الزِّفَافُ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَزَوَّجَ بِالصِّدِّيقَةِ فِي شَوَّالٍ وَبَنَى بِهَا فِيهِ» وَتَأْوِيلُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا نِكَاحَ بَيْنَ الْعِيدَيْنِ» إنْ صَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ رَجَعَ عَنْ صَلَاةِ الْعِيدِ فِي أَقْصَرِ أَيَّامِ الشِّتَاءِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَهُ حَتَّى لَا يَفُوتُهُ الرَّوَاحُ فِي الْوَقْتِ الْأَفْضَلِ إلَى الْجُمُعَةِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: بِعَاقِدٍ رَشِيدٍ وَشُهُودٍ عُدُولٍ) فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَعْقِدَ مَعَ الْمَرْأَةِ بِلَا أَحَدٍ مِنْ عَصَبَتِهَا، وَلَا مَعَ عَصَبَةٍ فَاسِقٍ، وَلَا عِنْدَ شُهُودٍ غَيْرِ عُدُولٍ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ (قَوْلُهُ: وَالِاسْتِدَانَةُ لَهُ) لِأَنَّ ضَمَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ «ثَلَاثٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى عَوْنُهُمْ: الْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الْأَدَاءَ، وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ الْعَفَافَ، وَالْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى» ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ وَتَقَدَّمَ تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ.

(قَوْلُهُ: وَالنَّظَرُ إلَيْهَا قَبْلَهُ) أَيْ، وَإِنْ خَافَ الشَّهْوَةَ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ وَهَذَا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ يُجَابُ فِي نِكَاحِهَا. (قَوْلُهُ: دُونَهُ سِنًّا) لِئَلَّا يُسْرِعَ عُقْمُهَا فَلَا تَلِدَ. (قَوْلُهُ: وَحَسَبًا) هُوَ مَا تَعُدُّهُ مِنْ مَفَاخِرِ آبَائِك ح عَنْ الْقَامُوسِ أَيْ بِأَنْ يَكُونَ الْأُصُولُ أَصْحَابَ شَرَفٍ وَكَرْمٍ وَدِيَانَةٍ؛ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ دُونَهُ فِي ذَلِكَ، وَكَذَا فِي الْعِزِّ أَيْ الْجَاهِ وَالرِّفْعَةِ وَفِي الْمَالِ تَنْقَادُ لَهُ، وَلَا تَحْتَقِرُهُ، وَإِلَّا تَرَفَّعَتْ عَلَيْهِ وَفِي الْفَتْحِ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَنَسٍ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً لِعِزِّهَا لَمْ يَزِدْهُ اللَّهُ إلَّا ذُلًّا، وَمَنْ تَزَوَّجَهَا لِمَالِهَا لَمْ يَزِدْهُ اللَّهُ إلَّا فَقْرًا، وَمَنْ تَزَوَّجَهَا لِحَسَبِهَا لَمْ يَزِدْهُ اللَّهُ إلَّا دَنَاءَةً، وَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً لَمْ يُرِدْ بِهَا إلَّا أَنْ يَغُضَّ بَصَرَهُ وَيُحْصِنَ فَرْجَهُ أَوْ يَصِلَ رَحِمَهُ بَارَكَ اللَّهُ لَهُ فِيهَا وَبَارَكَ لَهَا فِيهِ» .

[تَتِمَّةٌ]

زَادَ فِي الْبَحْرِ: وَيَخْتَارُ أَيْسَرَ النِّسَاءِ خِطْبَةً، وَمُؤْنَةً وَنِكَاحُ الْبِكْرِ أَحْسَنُ لِلْحَدِيثِ «عَلَيْكُمْ بِالْأَبْكَارِ

<<  <  ج: ص:  >  >>