للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَرَجَّحَهُ فِي الْبَحْرِ وَالثَّانِي الْمُضَارِعُ الْمَبْدُوءُ بِهَمْزَةٍ أَوْ نُونٍ أَوْ تَاءٍ كَتُزَوِّجِينِي نَفْسَك إذَا لَمْ يَنْوِ الِاسْتِقْبَالَ،

ــ

[رد المحتار]

لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ مَا لَمْ يَقُلْ الْوَكِيلُ بَعْدَهُ قَبِلْت؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَمْلِكُ التَّوْكِيلَ، وَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ: هَبْ ابْنَتَك لِابْنِي فَقَالَ: وَهَبْت لَمْ يَصِحَّ مَا لَمْ يَقُلْ أَبُو الصَّبِيُّ قَبِلْت، ثُمَّ أَجَابَ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ بِأَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ لَا إيجَابٌ وَحِينَئِذٍ تَظْهَرُ ثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ لَكِنَّهُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى النَّقْلِ، وَصَرَّحَ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْأَمْرَ تَوْكِيلٌ يَكُونُ تَمَامُ الْعَقْدِ بِالْمُجِيبِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ إيجَابٌ يَكُونُ تَمَامُ الْعَقْدِ قَائِمًا بِهِمَا. اهـ.

أَيْ فَلَا يَلْزَمُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ قَوْلُ الْآمِرِ قَبِلْت، فَهَذَا مُخَالِفٌ لِلْجَوَابِ الْمَذْكُورِ، وَكَذَا يُخَالِفُهُ تَعْلِيلُ الْخُلَاصَةِ بِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ نَعَمْ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ مُؤَيِّدٌ لِلْجَوَابِ لَكِنْ قَالَ فِي النَّهْرِ إنَّ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ مُشْكِلٌ إذْ لَا يَصِحُّ تَفْرِيعُهُ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ إيجَابٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَلَا عَلَى أَنَّهُ تَوْكِيلٌ لِمَا أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْأَبِ أَنْ يُوَكِّلَ بِنِكَاحِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ إذْ بِتَقْدِيرِهِ يَكُونُ تَمَامُ الْعَقْدِ بِالْمُجِيبِ غَيْرَ مُتَوَقِّفٍ عَلَى قَبُولِ الْأَبِ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى أَنَّهُ تَوْكِيلٌ. اهـ. .

لَكِنْ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ إنَّمَا تَوَقَّفَ الِانْعِقَادُ عَلَى الْقَبُولِ فِي قَوْلِ الْأَبِ أَوْ الْوَكِيلِ: هَبْ ابْنَتَك لِفُلَانٍ أَوْ لِابْنِي أَوْ أَعْطِهَا مَثَلًا؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الطَّلَبِ وَأَنَّهُ مُسْتَقْبَلٌ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْحَاكِمُ وَالتَّحْقِيقُ، فَلَمْ يَتِمَّ بِهِ الْعَقْدُ بِخِلَافِ زَوِّجْنِي ابْنَتَك بِكَذَا بَعْدَ الْخُطْبَةِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي التَّحَقُّقِ وَالْإِثْبَاتِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الْإِيجَابِ. اهـ فَتَأَمَّلْ هَذَا.

وَفِي الْبَحْرِ أَنَّهُ يُبْتَنَى عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ سَمَاعُ الشَّاهِدَيْنِ لِلْأَمْرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْإِشْهَادُ عَلَى التَّوْكِيلِ، وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ يُشْتَرَطُ ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ الْمِعْرَاجِ مَا يُفِيدُ الِاشْتِرَاطَ مُطْلَقًا وَهُوَ إنْ زَوَّجَنِي، وَإِنْ كَانَ تَوْكِيلًا لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَعْمَلْ زَوَّجْت بِدُونِهِ نَزَلَ مَنْزِلَةَ شَرْطِ الْعَقْدِ ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ مَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ، وَهُوَ مَا يَذْكُرُهُ الشَّارِحُ قَرِيبًا مِنْ مَسْأَلَةِ الْعَقْدِ بِالْكِتَابَةِ وَيَأْتِي بَيَانُهُ. (قَوْلُهُ: وَالثَّانِي) أَيْ مَا وُضِعَ لِلْحَالِ الْمُضَارِعِ وَهُوَ الْأَصْلُ عِنْدَنَا، فَفِي قَوْلِهِ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ يَعْتِقُ مَا فِي مِلْكِهِ فِي الْحَالِ لَا مَا يَمْلِكُهُ بَعْدُ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الِاسْتِقْبَالِ فَقَوْلُهُ: أَتَزَوَّجُك يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْحَالَ كَمَا فِي كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ، وَقَدْ أَرَادَ بِهِ التَّحْقِيقَ لَا الْمُسَاوَمَةَ بِدَلَالَةِ الْخُطْبَةِ وَالْمُقَدِّمَاتِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا كَانَ حَقِيقَةً فِي الْحَالِ فَلَا كَلَامَ فِي صِحَّةِ الِانْعِقَادِ بِهِ، وَكَذَا إذَا كَانَ حَقِيقَةً فِي الِاسْتِقْبَالِ؛ لِقِيَامِ الْقَرِينَةِ عَلَى إرَادَةِ الْحَالِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى إرَادَةَ الِاسْتِقْبَالِ وَالْوَعْدِ لَا يَصْدُقُ بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ بِالْقَبُولِ وَيَأْتِي قَرِيبًا مَا يُؤَيِّدُهُ. (قَوْلُهُ: الْمَبْدُوءُ بِهَمْزَةٍ) كَأَتَزَوَّجُك بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِهَا ح (قَوْلُهُ: أَوْ نُونٍ) ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ بَحْثًا حَيْثُ قَالَ وَلَمْ يَذْكُرُوا الْمُضَارِعَ الْمَبْدُوءَ بِالنُّونِ كَتَزَوُّجِك أَوْ نُزَوِّجُك مِنْ ابْنِي وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْمَبْدُوءِ بِالْهَمْزَةِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: كَتُزَوِّجِينِي) بِضَمِّ التَّاءِ وَنَفْسَك بِكَسْرِ الْكَافِ، وَمِثْلُهُ تُزَوِّجُنِي نَفْسَك بِضَمِّ التَّاءِ خِطَابًا لِلْمُذَكَّرِ فَالْكَافُ مَفْتُوحَةٌ. (قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يَنْوِ الِاسْتِقْبَالَ) أَيْ الِاسْتِيعَادَ أَيْ طَلَبَ الْوَعْدِ وَهَذَا قَيْدٌ فِي الْأَخِيرِ فَقَطْ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ. وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ لِمَا عَلِمْنَا أَنَّ الْمُلَاحَظَةَ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ فِي ثُبُوتِ الِانْعِقَادِ وَلُزُومِ حُكْمِهِ جَانِبَ الرِّضَا عَدَّيْنَا حُكْمَهُ إلَى كُلِّ لَفْظٍ يُفِيدُ ذَلِكَ بِلَا احْتِمَالٍ مُسَاوٍ لِلطَّرَفِ الْآخَرِ فَقُلْنَا لَوْ قَالَ بِالْمُضَارِعِ ذِي الْهَمْزَةِ أَتَزَوَّجُك فَقَالَتْ زَوَّجْت نَفْسِي انْعَقَدَ وَفِي الْمَبْدُوءِ بِالتَّاءِ تُزَوِّجُنِي بِنْتَك فَقَالَ فَعَلْت عِنْدَ عَدَمِ قَصْدِ الِاسْتِيعَادِ؛ لِأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ فِيهِ هَذَا الِاحْتِمَالُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَخْبِرُ نَفْسَهُ عَنْ الْوَعْدِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَالنِّكَاحُ مِمَّا لَا يَجْرِي فِيهِ الْمُسَاوَمَةُ كَانَ لِلتَّحْقِيقِ فِي الْحَالِ فَانْعَقَدَ بِهِ لَا بِاعْتِبَارِ وَضْعِهِ لِلْإِنْشَاءِ، بَلْ بِاعْتِبَارِ اسْتِعْمَالِهِ فِي غَرَضِ تَحْقِيقِهِ، وَاسْتِفَادَةِ الرِّضَا مِنْهُ حَتَّى قُلْنَا: لَوْ صَرَّحَ بِالِاسْتِفْهَامِ اُعْتُبِرَ فَهْمُ الْحَالِ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: لَوْ قَالَ هَلْ أَعْطَيْتنِيهَا فَقَالَ أَعْطَيْت إنْ كَانَ الْمَجْلِسُ لِلْوَعْدِ فَوَعْدٌ، وَإِنْ كَانَ لِلْعَقْدِ فَنِكَاحٌ. اهـ.

قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: فَعَلِمْنَا أَنَّ الْعِبْرَةَ لِمَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمَا لَا لِنِيَّتِهِمَا، أَلَا

<<  <  ج: ص:  >  >>