وَهُوَ نَجَسٌ مُغَلَّظٌ، وَلَوْ مِنْ صَبِيٍّ سَاعَةَ ارْتِضَاعِهِ، هُوَ الصَّحِيحُ لِمُخَالَطَةِ النَّجَاسَةِ، ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ.
وَلَوْ هُوَ فِي الْمَرِيءِ فَلَا نَقْضَ اتِّفَاقًا كَقَيْءِ حَيَّةٍ أَوْ دُودٍ كَثِيرٍ لِطَهَارَتِهِ فِي نَفْسِهِ كَمَاءِ فَمِ النَّائِمِ، فَإِنَّهُ طَاهِرٌ مُطْلَقًا بِهِ يُفْتَى، بِخِلَافِ مَاءِ فَمِ الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ نَجَسٌ، كَقَيْءِ عَيْنِ خَمْرٍ أَوْ بَوْلٍ، وَإِنْ لَمْ يَنْقُضْ لِقِلَّتِهِ لِنَجَاسَتِهِ بِالْأَصَالَةِ لَا بِالْمُجَاوَرَةِ (لَا) يَنْقُضُهُ قَيْءٌ مِنْ (بَلْغَمٍ) عَلَى الْمُعْتَمَدِ (أَصْلًا) إلَّا الْمَخْلُوطُ بِطَعَامٍ فَيُعْتَبَرُ الْغَالِبُ، وَلَوْ اسْتَوَيَا فَكُلٌّ عَلَى حِدَةٍ (وَ) يَنْقُضُهُ (دَمٌ) مَائِعٌ مِنْ جَوْفٍ أَوْ فَمٍ
ــ
[رد المحتار]
وَاعْلَمْ أَنَّهُ وَقَعَ فِي عِبَارَةِ كُلٍّ مِنْ الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَالزَّيْلَعِيِّ إيهَامٌ، وَبِمَا نَقَلْنَاهُ مِنْ الْحَاصِلِ يَتَّضِحُ الْمَرَامُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ نَجَسٌ مُغَلَّظٌ) هَذَا مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي بَابِ الْأَنْجَاسِ، وَصَحَّحَ فِي الْمُجْتَبَى أَنَّهُ مُخَفَّفٌ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَا يَعْرَى عَنْ إشْكَالٍ، وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ: هُوَ الصَّحِيحُ) مُقَابِلُهُ مَا فِي الْمُجْتَبَى عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ حَيْثُ لَمْ يَسْتَحِلَّ، وَإِنَّمَا اتَّصَلَ بِهِ قَلِيلُ الْقَيْءِ فَلَا يَكُونُ حَدَثًا. قَالَ فِي الْفَتْحِ: قِيلَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ. وَنُقِلَ فِي الْبَحْرِ تَصْحِيحُهُ عَنْ الْمِعْرَاجِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ) أَيْ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الْكَبِيرِ، حَيْثُ قَالَ: وَالصَّحِيحُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ نَجَسٌ لِمُخَالَطَتِهِ النَّجَاسَةَ وَتَدَاخُلِهَا فِيهِ بِخِلَافِ الْبَلْغَمِ. اهـ.
أَقُولُ: وَحَيْثُ صُحِّحَ الْقَوْلَانِ فَلَا يُعْدَلُ عَنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَلِذَا جَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ هُوَ فِي الْمَرِيءِ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: إذَا وَصَلَ إلَى مَعِدَتِهِ قَالَ ح: الْمَرِيءُ بِفَتْحِ الْمِيمِ مَهْمُوزُ الْآخِرِ، مَجْرَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِطَهَارَتِهِ فِي نَفْسِهِ) أَفْرَدَ الضَّمِيرَ لِأَنَّ الْعَطْفَ بِأَوْ، ط. وَيَنْبَغِي النَّقْضُ إذَا مَلَأَ الْفَمَ عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَتِهِ بَحْرٌ وَنَهْرٌ، وَلَكِنْ سَيَأْتِي فِي بَابِ الْمِيَاهِ أَنَّ الْحَيَّةَ الْبَرِّيَّةَ تُفْسِدُ الْمَاءَ إذَا مَاتَتْ فِيهِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهَا نَجِسَةٌ فَلَعَلَّ مَا هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً جِدًّا بِحَيْثُ لَا يَكُونُ لَهَا دَمٌ سَائِلٌ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ لَا تُفْسِدُ الْمَاءَ فَتَكُونُ طَاهِرَةً كَالدُّودِ (قَوْلُهُ: فِي نَفْسِهِ) أَيْ وَمَا عَلَيْهِ قَلِيلٌ لَا يَمْلَأُ الْفَمَ فَلَا يُعْتَبَرُ نَاقِضًا ط (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الرَّأْسِ أَوْ مِنْ الْجَوْفِ، أَصْفَرَ مُنْتِنًا أَوْ لَا (قَوْلُهُ: بِهِ يُفْتَى) كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ التَّجْنِيسِ: أَيْ خِلَافًا لِمَا اخْتَارَهُ أَبُو نَصْرٍ، مِنْ أَنَّهُ لَوْ صَعِدَ مِنْ الْجَوْفِ أَصْفَرُ مُنْتِنًا كَانَ كَالْقَيْءِ وَلِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إنَّهُ نَجَسٌ (قَوْلُهُ: كَقَيْءِ عَيْنِ خَمْرٍ أَوْ بَوْلٍ) أَيْ بِأَنْ شَرِبَ خَمْرًا أَوْ بَوْلًا ثُمَّ قَاءَ نَفْسَ الْخَمْرِ أَوْ الْبَوْلِ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَنْقُضْ لِقِلَّتِهِ إلَخْ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَاقِضًا لِأَجْلِ قِلَّتِهِ لَوْ فُرِضَ قَلِيلًا فَهُوَ أَيْضًا نَجَسٌ لِنَجَاسَتِهِ بِالْأَصَالَةِ، بِخِلَافِ قَيْءِ نَحْوِ طَعَامٍ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَنْجُسُ بِالْمُجَاوَرَةِ إذَا كَانَ كَثِيرًا مِلْءَ الْفَمِ، فَلَا يَنْقُضُ الْقَلِيلُ مِنْهُ وَلَا يُنَجِّسُ (قَوْلُهُ: لِقِلَّتِهِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ لَمْ يَنْقُضْ، وَقَوْلُهُ: لِنَجَاسَتِهِ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ بِخِلَافِ ح. وَالْأَوْلَى جَعْلُهُ عِلَّةً لِتَشْبِيهِهِ بِمَاءِ فَمِ الْمَيِّتِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: أَصْلًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ صَاعِدًا مِنْ الْجَوْفِ أَوْ نَازِلًا مِنْ الرَّأْسِ ح خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فِي الصَّاعِدِ مِنْ الْجَوْفِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَلَوْ أَخَّرَهُ لَكَانَ أَوْلَى (قَوْلُهُ: فَيُعْتَبَرُ الْغَالِبُ) فَإِنْ كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلطَّعَامِ وَكَانَ بِحَالٍ لَوْ انْفَرَدَ مَلَأَ الْفَمَ نَقَضَ، وَإِنْ كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلْبَلْغَمِ وَكَانَ بِحَالٍ لَوْ انْفَرَدَ مَلَأَ الْفَمَ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى الِاخْتِلَافِ. اهـ. تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ: فَكُلٌّ عَلَى حِدَةٍ) فَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَلَأَ الْفَمَ انْتَقَضَ الْوُضُوءُ بِالطَّعَامِ اتِّفَاقًا وَإِلَّا فَلَا اتِّفَاقًا، وَلَا يُضَمُّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخِرِ فَلَا يُعْتَبَرُ مِلْءُ الْفَمِ مِنْهُمَا جَمِيعًا.
(قَوْلُهُ: مَائِعٌ) احْتِرَازٌ عَنْ الْعَلَقِ، وَقَدْ مَرَّ (قَوْلُهُ: مِنْ جَوْفٍ أَوْ فَمٍ) هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِينَ، وَكَذَا صَرَّحَ ابْنُ مَالِكٍ بِأَنَّ الْخَارِجَ مِنْ الْجَوْفِ إذَا غَلَبَهُ الْبُزَاقُ لَا يَنْقُضُ اتِّفَاقًا، وَظَاهِرُ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ أَنَّهُ يَنْقُضُ وَإِنْ قَلَّ، وَلَا يَخْفَى عَدَمُ صِحَّتِهِ لِمُخَالَفَتِهِ الْمَنْقُولَ مَعَ عَدَمِ تَعَقُّلِ فَرْقٍ بَيْنَ الْخَارِجِ مِنْ الْفَمِ وَالْخَارِجِ مِنْ الْجَوْفِ الْمُخْتَلِطَيْنِ بِالْبُزَاقِ بَحْرٌ، وَعِبَارَةُ النَّهْرِ هُنَا مَقْلُوبَةٌ، فَتَنَبَّهْ.
وَرَدَّ الرَّحْمَتِيُّ مَا فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ كَلَامَ ابْنِ مَالِكٍ لَا يُعَارِضُ كَلَامَ الزَّيْلَعِيِّ لِعُلُوِّ مَرْتَبَةِ الزَّيْلَعِيِّ، وَبِأَنَّ قَوْلَهُ مَعَ عَدَمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute