(وَيَثْبُتُ لِلْأَبْعَدِ) عَلَى أَوْلِيَاءِ النَّسَبِ شَرْحُ وَهْبَانِيَّةٍ لَكِنَّ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْغِيَاثِيِّ: لَوْ لَمْ يُزَوِّجْ الْأَقْرَبُ زَوَّجَ الْقَاضِي عِنْدَ فَوْتِ الْكُفْءِ (التَّزْوِيجُ بِعَضْلِ الْأَقْرَبِ) أَيْ بِامْتِنَاعِهِ عَنْ التَّزْوِيجِ
ــ
[رد المحتار]
وَذَكَرَ أَنَّ الْأَصَحَّ الْقَوْلُ بِزَوَالِهَا وَانْتِقَالِهَا لِلْأَبْعَدِ قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ وَفِي الْمُحِيطِ لَا رِوَايَةَ فِيهِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ لِانْقِطَاعِ وِلَايَتِهِ، وَفِي الْمَبْسُوطِ لَا يَجُوزُ وَلَئِنْ سَلَّمَ، فَلِأَنَّهَا انْتَفَعَتْ بِرَأْيِهِ، وَلَكِنْ هَذِهِ مَنْفَعَةٌ حَصَلَتْ لَهَا اتِّفَاقًا فَلَا يُبْنَى الْحُكْمُ عَلَيْهَا اهـ. وَكَذَا ذُكِرَ فِي الْهِدَايَةِ الْمَنْعُ ثُمَّ التَّسْلِيمُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ سَلَّمَ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهَذَا تَنَزُّلٌ وَأَيَّدَ الزَّيْلَعِيُّ الْمَنْعَ مِنْ حَيْثُ الرِّوَايَةُ وَالْمَنْقُولُ، وَكَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ عَلَى الظَّاهِرِ، لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ لَا رِوَايَةَ فِيهِ، وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِظْهَارٌ لِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ؛ وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ مِنْ تَصْحِيحِ خِلَافِهِ وَمَنَعَهُ فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ.
أَقُولُ: وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا بِالْأَوْلَى أَنَّ الْوَلِيَّيْنِ لَوْ كَانَا فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ كَأَخَوَيْنِ غَابَ أَحَدُهُمَا فَزَوَّجَ فِي مَكَانِهِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَصِحَّ تَزْوِيجُ الْأَقْرَبِ الْغَائِبِ مَعَ حُضُورِ الْأَبْعَدِ، فَعَدَمُ صِحَّةِ الْعَقْدِ مِنْ الْغَائِبِ مَعَ حُضُورِ الْمُسَاوِي لَهُ فِي الدَّرَجَةِ بِالْأَوْلَى فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ مِنْ أَوْلِيَاءِ النَّسَبِ) احْتِرَازٌ عَنْ الْقَاضِي (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْتَنِدْ فِيهِ إلَى نَقْلٍ صَرِيحٍ، وَهَذَا مَنْقُولٌ وَقَدْ أَيَّدَهُ أَيْضًا الْعَلَّامَةُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَةٍ سَمَّاهَا كَشْفُ الْمُعْضَلِ فِيمَنْ عَضَلَ بِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ عَنْ الْمُنْتَقَى إذَا كَانَ لِلصَّغِيرَةِ أَبٌ امْتَنَعَ عَنْ تَزْوِيجِهَا لَا تَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ إلَى الْجَدِّ بَلْ يُزَوِّجُهَا الْقَاضِي، وَنَقَلَ مِثْلَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ عَنْ الْغَايَةِ عَنْ رَوْضَةِ النَّاطِفِيِّ، وَكَذَا الْمَقْدِسِيَّ عَنْ الْغَايَةِ وَالنَّهْرِ عَنْ الْمُحِيطِ وَالْفَيْضِ عَنْ الْمُنْتَقَى، وَأَشَارَ إلَيْهِ الزَّيْلَعِيُّ حَيْثُ قَالَ فِي مَسْأَلَةِ تَزْوِيجِ الْأَبْعَدِ بِغَيْبَةِ الْأَقْرَبِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: بَلْ يُزَوِّجُهَا الْحَاكِمُ اعْتِبَارًا بِعَضْلِهِ، وَكَذَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ إنَّ نَقَلَ الْوِلَايَةِ إلَى السُّلْطَانِ أَيْ حَالَ غَيْبَةِ الْأَقْرَبِ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ وَهَاهُنَا لَهَا وَلِيٌّ أَوْ وَلِيَّانِ، فَلَا تَثْبُتُ الْوِلَايَةُ لِلسُّلْطَانِ إلَّا عِنْدَ الْعَضْلِ مِنْ الْوَلِيِّ وَلَمْ يُوجَدْ وَكَذَا فَرَّقَ فِي التَّسْهِيلِ بَيْنَ الْغَيْبَةِ وَالْعَضْلِ بِأَنَّ الْعَاضِلَ ظَالِمٌ بِالِامْتِنَاعِ فَقَامَ السُّلْطَانُ مَقَامَهُ فِي دَفْعِ الظُّلْمِ، بِخِلَافِ الْغَائِبِ خُصُوصًا لِلْحَجِّ وَنَحْوِهِ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ الْمَلَكِيِّ وَبِهِ أَفْتَى الْعَلَّامَةُ ابْنُ الشَّلَبِيِّ، فَهَذِهِ النُّقُولُ تُفِيدُ الِاتِّفَاقَ عِنْدَنَا عَلَى ثُبُوتِهَا بِعَضْلِ الْأَقْرَبِ لِلْقَاضِي فَقَطْ. وَأَمَّا مَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ مِنْ أَنَّهَا تَنْتَقِلُ إلَى الْأَبْعَدِ بِعَضْلِ الْأَقْرَبِ إجْمَاعًا فَالْمُرَادُ بِالْأَبْعَدِ الْقَاضِي لِأَنَّهُ آخِرُ الْأَوْلِيَاءِ فَالتَّفْضِيلُ عَلَى بَابِهِ وَحَمْلُهُ فِي الْبَحْرِ عَلَى الْأَبْعَدِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ ثُمَّ نَاقَضَ نَفْسَهُ بَعْدَ سَطْرَيْنِ بِقَوْلِهِ قَالُوا وَإِذَا خَطَبَهَا كُفْءٌ وَعَضَلَهَا الْوَلِيُّ تَثْبُتُ الْوِلَايَةُ لِلْقَاضِي نِيَابَةً عَنْ الْعَاضِلِ فَلَهُ التَّزْوِيجُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَنْشُورِهِ. اهـ. هَذَا خُلَاصَةُ مَا فِي الرِّسَالَةِ ثُمَّ ذَكَرَ فِيهَا عَنْ شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ الْوَهْبَانِيَّةِ عَنْ الْمُنْتَقَى ثُبُوتُ الْخِيَارِ لَهَا بِالْبُلُوغِ إذَا زَوَّجَهَا الْقَاضِي بِعَضْلِ الْأَقْرَبِ، وَعَنْ الْمُجَرَّدِ عَدَمُ ثُبُوتِهِ وَالْأَوَّلُ عَلَى أَنَّ تَزْوِيجَهُ بِطَرِيقِ الْوِلَايَةِ وَالثَّانِي عَلَى أَنَّهُ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ عَنْ الْعَاضِلِ رَجَّحَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ دَفْعًا لِلتَّعَارُضِ فِي كَلَامِهِمْ.
قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ عَنْ التَّسْهِيلِ، وَكَذَا قَوْلُهُمْ فَلَهُ التَّزْوِيجُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَنْشُورِهِ وَيَجِبُ حَمْلُ مَا فِي الْمُجَرَّدِ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْعَاضِلُ الْأَبَ أَوْ الْجَدَّ لِثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهَا عِنْدَ تَزْوِيجِ غَيْرِهِمَا فَكَذَا عِنْدَ تَزْوِيجِ الْقَاضِي نِيَابَةً عَنْهُ (قَوْلُهُ عِنْدَ فَوْتِ الْكُفْءِ) أَيْ خَوْفَ فَوْتِهِ (قَوْلُهُ أَيْ بِامْتِنَاعِهِ عَنْ التَّزْوِيجِ) أَيْ مِنْ كُفْءٍ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، أَمَّا لَوْ امْتَنَعَ عَنْ غَيْرِ الْكُفْءِ، أَوْ لِكَوْنِ الْمَهْرِ أَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ، فَلَيْسَ بِعَاضِلٍ ط وَإِذَا امْتَنَعَ عَنْ تَزْوِيجِهَا مِنْ هَذَا الْخَاطِبِ الْكُفْءِ لِيُزَوِّجَهَا مِنْ كُفْءٍ غَيْرِهِ اسْتَظْهَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ يَكُونُ عَاضِلًا قَالَ وَلَمْ أَرَهُ وَتَبِعَهُ الْمَقْدِسِيَّ وَالشُّرُنْبُلالي، وَاعْتَرَضَهُ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّ الْوِلَايَةَ بِالْعَضْلِ تَنْتَقِلُ إلَى الْقَاضِي نِيَابَةً لِدَفْعِ الْأَضْرَارِ بِهَا وَلَا يُوجَدُ مَعَ إرَادَةِ التَّزْوِيجِ بِكُفْءٍ وَغَيْرِهِ اهـ.
قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ مَتَى حَضَرَ الْكُفْءُ الْخَاطِبُ لَا يَنْتَظِرُ غَيْرَهُ خَوْفًا مِنْ فَوْتِهِ وَلِذَا تَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ إلَى الْأَبْعَدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute