لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَكُونُ مِنْ النِّسَاءِ
(وَإِبَاءُ الْمُمَيِّزِ وَأَحَدُ أَبَوَيْ الْمَجْنُونِ طَلَاقٌ) فِي الْأَصَحِّ، وَهُوَ مِنْ أَغْرَبِ الْمَسَائِلِ حَيْثُ يَقَعُ الطَّلَاقُ مِنْ صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ زَيْلَعِيٌّ، وَفِيهِ نَظَرٌ، إذْ الطَّلَاقُ مِنْ الْقَاضِي وَهُوَ عَلَيْهِمَا لَا مِنْهُمَا فَلَيْسَا بِأَهْلٍ لِلْإِيقَاعِ بَلْ لِلْوُقُوعِ،
ــ
[رد المحتار]
كَافِرَةً وَأَسْلَمَ الزَّوْجُ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ جِهَتِهَا. وَلِذَا لَا مَهْرَ لَهَا إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ اهـ.
أَمَّا لَوْ أَسْلَمَتْ وَأَبَى الزَّوْجُ فَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَكُلُّهُ بَعْدَهُ كَمَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ. ثُمَّ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَأَشَارَ أَيْضًا إلَى وُقُوعِ طَلَاقِهِ عَلَيْهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ، كَمَا لَوْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِالْخُلْعِ أَوْ بِالْجَبِّ أَوْ الْعُنَّةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْآتِي أَوْ هِيَ. وَظَاهِرُهُ مَا فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ خَاصٌّ بِمَا إذَا أَسْلَمَتْ وَأَبَى هُوَ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ. اهـ.
أَقُولُ: مَا فِي الْفَتْحِ صَرِيحٌ فِي الْأَوَّلِ، حَيْثُ قَالَ: إذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ الذِّمِّيَّيْنِ وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِإِبَاءِ الْآخَرِ فَإِنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهَا طَلَاقُهُ وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْآبِيَةُ مَعَ أَنَّ الْفُرْقَةَ فَسْخٌ وَبِهِ يُنْتَقَضُ مَا قِيلَ إذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا طَلَاقُهُ اهـ نَعَمْ ظَاهِرُ مَا فِي الْمُحِيطِ يُفِيدُ أَنَّهُ خَاصٌّ بِمَا إذَا كَانَ هُوَ الْآبِي وَهُوَ قَوْلُهُ كَمَا لَوْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِالْخُلْعِ إلَخْ لِأَنَّهَا فُرْقَةٌ مِنْ جَانِبِهِ فَتَكُونُ طَلَاقًا، وَمُعْتَدَّةُ الطَّلَاقِ يَقَعُ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ، أَمَّا لَوْ كَانَتْ هِيَ الْآبِيَةُ تَكُونُ الْفُرْقَةُ فَسْخًا وَالْفَسْخُ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي عِدَّتِهِ نَعَمْ فِي الْبَحْرِ أَوَّلَ كِتَابِ الطَّلَاقِ أَنَّهُ لَا يَقَعُ فِي عِدَّةِ الْفَسْخِ إلَّا فِي ارْتِدَادِ أَحَدِهِمَا وَتَفْرِيقِ الْقَاضِي بِإِبَاءِ أَحَدِهِمَا عَنْ الْإِسْلَامِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَإِذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لَا يَقَعُ عَلَى الْآخَرِ طَلَاقُهُ، لَكِنْ قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: إنَّ هَذَا فِي طَلَاقِ أَهْلِ الْحَرْبِ: أَيْ فِيمَا لَوْ هَاجَرَ أَحَدُهُمَا إلَيْنَا مُسْلِمًا لِأَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا.
قُلْت: إنَّ هَذَا الْحَمْلَ مُمْكِنٌ فِي عِبَارَةِ الْبَزَّازِيَّةِ دُونَ عِبَارَةِ طَلَاقِ الْبَحْرِ فَلْيُتَأَمَّلْ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ آخِرَ بَابِ الْكِنَايَاتِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَكُونُ مِنْ النِّسَاءِ) بَلْ الَّذِي يَكُونُ مِنْ الْمَرْأَةِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْفُرْقَةِ شَرْعًا هُوَ الْفَسْخُ، فَيَنُوبُ الْقَاضِي مَنَابَهَا فِيمَا تَمْلِكُهُ
(قَوْلُهُ وَإِبَاءُ الْمُمَيِّزِ) أَيْ تَفْرِيقُ الْقَاضِي بِسَبَبِ الْإِبَاءِ، وَإِلَّا فَالْإِبَاءُ لَيْسَ بِطَلَاقٍ ح (قَوْلُهُ وَأَحَدِ أَبَوَيْ الْمَجْنُونِ) أَيْ إذَا لَمْ يُوجَدْ إلَّا أَحَدُهُمَا أَبًا أَوْ أُمًّا، أَمَّا لَوْ وُجِدَا فَلَا بُدَّ مِنْ إبَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا تَبِعَهُ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ طَلَاقٌ فِي الْأَصَحِّ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ فِي غَيْرِ الْأَصَحِّ يَكُونُ فَسْخًا أَبُو السُّعُودِ
مَطْلَبٌ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ لَيْسَا بِأَهْلٍ لِإِيقَاعِ طَلَاقٍ بَلْ لِلْوُقُوعِ
(قَوْلُهُ فَلَيْسَا بِأَهْلٍ لِلْإِيقَاعِ) أَيْ إيقَاعِ الطَّلَاقِ مِنْهُمَا، بَلْ هُمَا أَهْلٌ لِلْوُقُوعِ: أَيْ حَكَمَ الشَّرْعُ بِوُقُوعِهِ عَلَيْهِمَا عِنْدَ وُجُودِ مُوجِبِهِ. وَفِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ قَالَ صَاحِبُ الْكَشْفِ وَغَيْرُهُ الْمُرَادُ مِنْ عَدَمِ شَرْعِيَّةِ الطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ فِي حَقِّ الصَّغِيرِ عَدَمُهَا عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ. فَأَمَّا عِنْدَ تَحَقُّقِهَا فَمَشْرُوعٌ.
قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: زَعَمَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ أَصْلًا فِي حَقِّ الصَّبِيِّ. حَتَّى أَنَّ امْرَأَتَهُ لَا تَكُونُ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ، وَهَذَا وَهْمٌ عِنْدِي، فَإِنَّ الطَّلَاقَ يُمْلَكُ بِمِلْكِ النِّكَاحِ إذْ لَا ضَرَرَ فِي إثْبَاتِ أَصْلِ الْمِلْكِ بَلْ الضَّرَرُ فِي الْإِيقَاعِ، حَتَّى إذَا تَحَقَّقَتْ الْحَاجَةُ إلَى صِحَّةِ إيقَاعِ الطَّلَاقِ مِنْ جِهَتِهِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ كَانَ صَحِيحًا، فَإِذَا أَسْلَمَتْ زَوْجَتُهُ وَأَبَى فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَكَانَ طَلَاقًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَإِذَا ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَقَعَتْ الْبَيْنُونَةُ وَكَانَ طَلَاقًا فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ. وَإِذَا وَجَدَتْهُ مَجْبُوبًا فَخَاصَمَتْهُ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَكَانَ طَلَاقًا عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ. اهـ.