(وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ) لِغَلَبَةِ الْعُرْفِ، وَلِذَا لَا يَحْلِفُ بِهِ إلَّا الرِّجَالُ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ
ــ
[رد المحتار]
وَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثِّنْتَيْنِ لِأَنَّهُمَا عَدَدٌ مَحْضٌ كَمَا مَرَّ إلَّا إذَا كَانَتْ أَمَةً (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ) هَذَا فِي الْقَضَاءِ، وَأَمَّا فِي الدِّيَانَةِ فَلَا يَقَعُ مَا لَمْ يَنْوِ، وَعَدَمُ نِيَّةِ الطَّلَاقِ صَادِقٌ بِعَدَمِ نِيَّةِ شَيْءٍ أَصْلًا وَبِنِيَّةِ الظِّهَارِ، أَوْ الْإِيلَاءِ، فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً كَمَا صَرَّحَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ، حَيْثُ قَالَ: وَعَنْ هَذَا لَوْ نَوَى غَيْرَهُ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً ح.
قُلْت: الظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا أَصْلًا يَقَعُ دِيَانَةً أَيْضًا. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَذَكَرَ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ لَا نَقُولُ لَا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ لَكِنْ يُجْعَلُ نَاوِيًا عُرْفًا اهـ وَفِي الْفَتْحِ: فَصَارَ كَمَا إذَا تَلَفَّظَ بِطَلَاقِهَا لَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ بَلْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى اهـ فَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا قُلْنَا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: لِغَلَبَةِ الْعُرْفِ) إشَارَةٌ إلَى مَا فِي الْبَحْرِ، حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ قُلْت إذَا وَقَعَ الطَّلَاقُ بِلَا نِيَّةٍ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالصَّرِيحِ فَيَكُونَ الْوَاقِعُ بِهِ رَجْعِيًّا قُلْت: الْمُتَعَارَفُ بِهِ إيقَاعُ الْبَائِنِ، كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ اهـ أَقُولُ: وَفِي هَذَا الْجَوَابِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُتَعَارَفْ بِهِ إيقَاعُ الْبَائِنِ يَقَعُ الرَّجْعِيُّ كَمَا فِي زَمَانِنَا، فَإِنَّ الْمُتَعَارَفَ الْآنَ اسْتِعْمَالُ الْحَرَامِ فِي الطَّلَاقِ، وَلَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ الرَّجْعِيِّ وَالْبَائِنِ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ عُرْفُهُمْ فِيهِ الْبَائِنَ، وَعَلَى هَذَا فَالتَّعْلِيلُ بِغَلَبَةِ الْعُرْفِ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ بِهِ بِلَا نِيَّةٍ، وَأَمَّا كَوْنُهُ بَائِنًا فَلِأَنَّهُ مُقْتَضَى لَفْظِ الْحَرَامِ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّ لَا يُحَرِّمُ الزَّوْجَةَ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ وَصْفُهَا بِالْحَرَامِ بِالْبَائِنِ، وَهَذَا حَاصِلُ مَا بَسَطْنَاهُ فِي الْكِنَايَاتِ فَافْهَمْ.
[تَنْبِيهٌ] : قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمِنَحِ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ: أَقُولُ: أَكْثَرُ عَوَامِّ بِلَادِنَا لَا يَقْصِدُونَ بِقَوْلِهِمْ أَنْتِ مُحَرَّمَةٌ عَلَيَّ، أَوْ حَرَامٌ عَلَيَّ أَوْ حَرَّمْتُكِ عَلَيَّ إلَّا حُرْمَةَ الْوَطْءِ الْمُقَابِلِ لِحِلِّهِ، وَلِذَلِكَ أَكْثَرُهُمْ يَضْرِبُ مُدَّةً لِتَحْرِيمِهَا، وَلَا يُرِيدُ قَطْعًا إلَّا تَحْرِيمَ الْجِمَاعِ إلَى هَذِهِ الْمُدَّةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَمِينٌ مُوجِبٌ لِلْإِيلَاءِ تَأَمَّلْ، فَقَلَّ مَنْ حَقَّقَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى وَجْهِهَا، وَانْظُرْ إلَى قَوْلِهِمْ وَلَا نَقُولُ لَا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ، لَكِنْ يُجْعَلُ نَاوِيًا عُرْفًا، فَهُوَ صَرِيحٌ فِي اعْتِبَارِ الْعُرْفِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْعُرْفُ كَذَلِكَ بَلْ كَانَ مُشْتَرَكًا تَعَيَّنَ اعْتِبَارُ النِّيَّةِ وَتَصْدِيقُ الْحَالِفِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُتَقَدِّمِينَ اهـ. وَفِي أَيْمَانِ الْفَتْحِ: وَقَالَ الْبَزْدَوِيُّ فِي مَبْسُوطِهِ: لَمْ يَتَّضِحْ لِي عُرْفُ النَّاسِ فِي هَذَا: أَيْ فِي " كُلُّ حِلٍّ عَلَيَّ حَرَامٌ " لِأَنَّ مَنْ لَا امْرَأَةَ لَهُ يَحْلِفُ بِهِ كَمَا يَحْلِفُ ذُو الْحَلِيلَةِ، وَلَوْ كَانَ الْعُرْفُ مُسْتَفِيضًا فِي ذَلِكَ لَمَا اسْتَعْمَلَهُ إلَّا ذُو الْحَلِيلَةِ فَالصَّحِيحُ أَنْ نَقُولَ إنْ نَوَى الطَّلَاقَ يَكُونُ طَلَاقًا مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ فَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَقِفَ الْإِنْسَانُ فِيهِ وَلَا يُخَالِفَ الْمُتَقَدِّمِينَ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مِثْلَ هَذَا اللَّفْظِ لَمْ يُتَعَارَفْ فِي دِيَارِنَا بَلْ الْمُتَعَارَفُ فِيهِ " حَرَامٌ عَلَيَّ كَلَامُك " وَنَحْوُهُ كَأَكْلِ كَذَا وَلُبْسِهِ دُونَ الصِّيغَةِ الْعَامَّةِ، وَتَعَارَفُوا أَيْضًا: الْحَرَامُ يَلْزَمُنِي، وَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ الطَّلَاقَ مُعَلَّقًا فَإِنَّهُمْ يَزِيدُونَ بَعْدَهُ لَا أَفْعَلُ كَذَا فَهِيَ طَلَاقٌ، وَيَجِبُ إمْضَاؤُهُ عَلَيْهِمْ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي انْصِرَافِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ - عَرَبِيَّةً، أَوْ فَارِسِيَّةً - إلَى مَعْنًى بِلَا نِيَّةٍ التَّعَارُفُ فِيهِ، فَإِنْ لَمْ يُتَعَارَفْ سُئِلَ عَنْ نِيَّتِهِ وَفِيمَا يَنْصَرِفُ بِلَا نِيَّةٍ لَوْ قَالَ أَرَدْت غَيْرَهُ يُصَدَّقُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً اهـ مَا فِي الْفَتْحِ، وَتَبِعَهُ فِي الْبَحْرِ. قُلْت: وَالْمُتَعَارَفُ فِي دِيَارِنَا إرَادَةُ الطَّلَاقِ بِقَوْلِهِمْ: عَلَيَّ الْحَرَامُ لَا أَفْعَلُ كَذَا دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمَذْكُورَةِ (قَوْلُهُ: وَلِذَا لَا يَحْلِفُ بِهِ إلَّا الرِّجَالُ) أَيْ حَيْثُ يُقَال إنْ فَعَلْت كَذَا فَكُلُّ حَلَالٍ عَلَيْهِ حَرَامٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ) قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَفِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَقَعُ الطَّلَاقُ بِلَفْظِ الْحَرَامِ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ إنْ حَنِثَ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ وَالنَّسَفِيُّ عَلَى أَنَّهُ لَا تَلْزَمُهُ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute