(وَ) يَجُوزُ (بِجَارٍ وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ وَ) الْجَارِي (هُوَ مَا يُعَدُّ جَارِيًا) عُرْفًا، وَقِيلَ مَا يَذْهَبُ بِتِبْنَةٍ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، وَالثَّانِي (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (لَمْ يَكُنْ جَرَيَانُهُ بِمَدَدٍ) فِي الْأَصَحِّ،
ــ
[رد المحتار]
عَلَى أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّ الْخِلَافَ فِي مَسْأَلَةِ الْجُزْءِ الَّذِي لَا يَتَجَزَّأُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَحُكَمَاءِ الْفَلَاسِفَةِ، فَنَفَاهُ الْفَلَاسِفَةُ وَبَنَوْا عَلَيْهِ قِدَمَ الْعَالَمِ وَعَدَمَ حَشْرِ الْأَجْسَادِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْإِلْحَادِ، وَأَثْبَتَهُ الْمُسْلِمُونَ لِرَدِّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَادَّةَ الْعَالَمِ إذَا تَنَاهَتْ بِالِانْقِسَامِ إلَيْهِ يَكُونُ ذَلِكَ الْجُزْءُ حَادِثًا مُحْتَاجًا إلَى مُوجِدٍ وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ فِي مَحَلِّهِ وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ فَلَمْ يُخَالِفُوا أَهْلَ السُّنَّةِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَإِلَّا لَكَفَرُوا قَطْعًا مَعَ أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ قِبْلَتِنَا وَمُقَلِّدُونَ فِي الْفُرُوعِ لِمَذْهَبِنَا، فَالْأَوْلَى مَا قِيلَ مِنْ بِنَاءِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ يَتَنَجَّسُ عِنْدَهُمْ بِالْمُجَاوَرَةِ.
وَعِنْدَنَا لَا بَلْ بِالسَّرَيَانِ، وَذَلِكَ يُعْلَمُ بِظُهُورِ أَثَرِهَا فِيهِ، فَمَا لَمْ يَظْهَرْ لَا يُحْكَمُ بِالنَّجَاسَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُسْتَعْمَلَ نَجِسٌ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي تَقْرِيرِ هَذَا الْمَحَلِّ، فَاغْتَنِمْهُ فَإِنَّك لَا تَكَادُ تَجِدُهُ مُوَضَّحًا كَذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(قَوْلُهُ: بِمَاءٍ) بِالْمَدِّ وَالتَّنْوِينِ. (قَوْلُهُ: خَالَطَهُ طَاهِرُهُ جَامِدٌ) أَيْ بِدُونِ طَبْخٍ كَمَا مَرَّ وَيَأْتِي.
(قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْمُخَالِطُ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ كَالتُّرَابِ أَوْ يُقْصَدُ بِخَلْطِهِ التَّنْظِيفُ كَالْأُشْنَانِ وَالصَّابُونِ أَوْ يَكُونُ شَيْئًا آخَرَ كَالزَّعْفَرَانِ عِنْدَ الْإِمَامِ مِنَحٌ.
(قَوْلُهُ: كَأُشْنَانٍ) بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ قَامُوسٌ.
(قَوْلُهُ: لَمْ يَجُزْ) لِأَنَّ اسْمَ الْمَاءِ زَالَ عَنْهُ نَظِيرُ النَّبِيذِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ غَيَّرَ كُلَّ أَوْصَافِهِ) لِأَنَّ الْمَنْقُولَ عَنْ الْأَسَاتِذَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَوَضَّئُونَ مِنْ الْحِيَاضِ الَّتِي تَقَعُ فِيهَا الْأَوْرَاقُ مَعَ تَغْيِيرِ كُلِّ الْأَوْصَافِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ نَهْرٌ عَنْ النِّهَايَةِ.
(قَوْلُهُ: فِي الْأَصَحِّ) مُقَابِلُهُ مَا قِيلَ إنَّهُ إنْ ظَهَرَ لَوْنُ الْأَوْرَاقِ فِي الْكَفِّ لَا يَتَوَضَّأُ بِهِ لَكِنْ يَشْرَبُ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْكَفِّ إشَارَةً إلَى كَثْرَةِ التَّغَيُّرِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ قَدْ يُرَى فِي مَحَلِّهِ مُتَغَيِّرًا لَوْنُهُ، لَكِنْ لَوْ رَفَعَ مِنْهُ شَخْصٌ فِي كَفِّهِ لَا يَرَاهُ مُتَغَيِّرًا تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: لِمَا مَرَّ) أَيْ فِي قَوْلِهِ، فَلَوْ جَامِدًا فَبِثَخَانَةِ مَا لَمْ يَزُلْ الِاسْمُ
(قَوْلُهُ: وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ) يَشْمَلُ الْمَرْئِيَّةَ كَالْجِيفَةِ وَيَأْتِي قَرِيبًا تَمَامُهُ.
(قَوْلُهُ: عُرْفًا) تَمْيِيزٌ أَوْ مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ: أَيْ يُعَدُّ مِنْ جِهَةِ الْعُرْفِ أَوْ فِي الْعُرْفِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ) أَيْ وَأَصَحُّ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، لِتَعْوِيلِهِ عَلَى الْعُرْفِ وَلِجَرَيَانِهِ عَلَى قَاعِدَةِ الْإِمَامِ مِنْ النَّظَرِ إلَى الْمُبْتَلِينَ ط، لَكِنْ اُسْتُشْكِلَ بِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ أَصْلًا لِتَعَدُّدِهِ وَاخْتِلَافِهِ بِتَعَدُّدِ الْعَادِّينَ وَاخْتِلَافِهِمْ.
(قَوْلُهُ: وَالثَّانِي أَشْهَرُ) لِوُقُوعِهِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ حَتَّى الْمُتُونِ. وَقَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَتَبِعَهُ ابْنُ الْكَمَالِ: إنَّهُ الْحَدُّ الَّذِي لَيْسَ فِي دَرْكِهِ حَرَجٌ، لَكِنْ قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ وَالْعُرْفُ الْآنَ أَنَّهُ مَتَى كَانَ الْمَاءُ دَاخِلًا مِنْ جَانِبٍ وَخَارِجًا مِنْ جَانِبٍ آخَرَ يُسَمَّى جَارِيًا وَإِنْ قَلَّ الدَّاخِلُ، وَبِهِ يَظْهَرُ الْحُكْمُ فِي بِرَكِ الْمَسَاجِدِ وَمَغْطِسِ الْحَمَّامِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَذْهَبُ بِتِبْنَةٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. مَطْلَبُ الْأَصَحِّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْجَرَيَانِ الْمَدَدُ.
(قَوْلُهُ: فِي الْأَصَحِّ) نَقَلَ تَصْحِيحَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَعَنْ شَرْحِ الْهِدَايَةِ لِلسِّرَاجِ الْهِنْدِيِّ، وَقَوَّاهُ بَعْدَمَا نَقَلَ عَنْ الْفَتْحِ اخْتِيَارَ خِلَافِهِ. أَقُولُ: وَيَزِيدُهُ قُوَّةً أَيْضًا مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ سَالَ دَمُ رِجْلِهِ مَعَ الْعَصِيرِ لَا يَنْجُسُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ. وَفِي الْخِزَانَةِ إنَاءَانِ مَاءُ أَحَدِهِمَا طَاهِرٌ وَالْآخَرُ نَجِسٌ فَصُبَّا مِنْ مَكَان عَالٍ فَاخْتَلَطَا فِي الْهَوَاءِ ثُمَّ نَزَلَا طَهُرَ كُلُّهُ، وَلَوْ أَجْرَى مَاءَ الْإِنَاءَيْنِ فِي الْأَرْضِ صَارَ بِمَنْزِلَةِ مَاءٍ جَارٍ اهـ وَنَحْوُهُ فِي الْخُلَاصَةِ. وَنَظَمَ الْمَسْأَلَةَ الْمُصَنِّفُ فِي مَنْظُومَتِهِ تُحْفَةِ الْأَقْرَانِ. وَفِي الذَّخِيرَةِ: