فَلَوْ سُدَّ النَّهْرُ مِنْ فَوْقٍ فَتَوَضَّأَ رَجُلٌ بِمَا يَجْرِي بِلَا مَدَدٍ جَازَ؛ لِأَنَّهُ جَارٍ، وَكَذَا لَوْ حَفَرَ نَهْرًا مِنْ حَوْضٍ صَغِيرٍ أَوْ صَبَّ رَفِيقُهُ الْمَاءَ فِي طَرَفِ مِيزَابٍ وَتَوَضَّأَ فِيهِ وَعِنْدَ طَرَفِهِ الْآخَرِ إنَاءٌ يَجْتَمِعُ فِيهِ الْمَاءَ جَازَ تَوَضُّؤُهُ بِهِ ثَانِيًا وَثُمَّ وَثُمَّ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (إنْ لَمْ يُرَ) أَيْ يُعْلَمْ (أَثَرُهُ) فَلَوْ فِيهِ جِيفَةٌ أَوْ بَالَ فِيهِ رِجَالٌ فَتَوَضَّأَ آخَرُ مِنْ أَسْفَلِهِ جَازَ مَا لَمْ يُرَ فِي الْجَرْيَةِ أَثَرُهُ (وَهُوَ) إمَّا (طَعْمٌ أَوْ لَوْنٌ أَوْ رِيحٌ) ظَاهِرُهُ يَعُمُّ الْجِيفَةَ وَغَيْرَهَا، وَهُوَ مَا رَجَّحَهُ الْكَمَالُ. وَقَالَ تِلْمِيذُهُ قَاسِمٌ إنَّهُ الْمُخْتَارُ، وَقَوَّاهُ فِي النَّهْرِ، وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمُضْمِرَاتِ عَنْ النِّصَابِ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَقِيلَ إنْ جَرَى عَلَيْهَا نِصْفُهُ فَأَكْثَرُ لَمْ يَجُزْ وَهُوَ أَحْوَطُ.
ــ
[رد المحتار]
لَوْ أَصَابَتْ الْأَرْضَ نَجَاسَةٌ فَصُبَّ عَلَيْهَا الْمَاءُ فَجَرَى قَدْرُ ذِرَاعٍ طَهُرَتْ الْأَرْضُ وَالْمَاءُ بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ الْجَارِي، وَلَوْ أَصَابَهَا الْمَطَرُ وَجَرَى عَلَيْهَا طَهُرَتْ، وَلَوْ كَانَ قَلِيلًا لَمْ يَجْرِ فَلَا.
(قَوْلُهُ: فَلَوْ سُدَّ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى الْأَصَحِّ وَتَأْيِيدٌ لَهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسَائِلَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ، وَكَذَا نَظَائِرُهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ وَالْحِلْيَةِ وَغَيْرِهَا، فَالتَّفْرِيغُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مِنْ جِنْسِ وُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِي الْمَاءِ الْجَارِي فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ حَفَرَ نَهْرًا إلَخْ) أَيْ وَأَجْرَى الْمَاءَ فِي ذَلِكَ النَّهْرِ وَتَوَضَّأَ بِهِ حَالَ جَرَيَانِهِ فَاجْتَمَعَ الْمَاءُ فِي مَكَان، فَحَفَرَ رَجُلٌ آخَرُ نَهْرًا مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ وَأَجْرَى الْمَاءَ فِيهِ وَتَوَضَّأَ بِهِ حَالَ جَرَيَانِهِ فَاجْتَمَعَ فِي مَكَان آخَرَ فَفَعَلَ ثَالِثٌ كَذَلِكَ جَازَ وُضُوءُ الْكُلِّ إذَا كَانَ بَيْنَ الْمَكَانَيْنِ مَسَافَةٌ وَإِنْ قَلَّتْ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ. وَحَدُّ ذَلِكَ أَنْ لَا يَسْقُطَ الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ إلَّا فِي مَوْضِعِ جَرَيَانِ الْمَاءِ فَيَكُونُ تَابِعًا لِلْجَارِي خَارِجًا مِنْ حُكْمِ الِاسْتِعْمَالِ، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ.
(قَوْلُهُ: وَثُمَّ) الْوَاوُ دَاخِلَةٌ عَلَى مَحْذُوفٍ مَعْطُوفٍ عَلَيْهِ بِثُمَّ، فَلَمْ يَدْخُلْ حَرْفُ الْعَطْفِ عَلَى مِثْلِهِ، أَيْ وَجَازَ تَوَضُّؤُهُ ثَالِثًا ثُمَّ رَابِعًا وَخَامِسًا ثُمَّ سَادِسًا وَالْقَصْدُ التَّكْثِيرُ ط.
(قَوْلُهُ: أَيْ يُعْلَمُ) فَسَّرَهُ بِهِ لِيَشْمَلَ الطَّعْمَ وَاللَّوْنَ أَيْضًا. اهـ. ح.
(قَوْلُهُ: أَثَرُهُ) الْأَوْلَى أَثَرُهَا أَيْ النَّجَاسَةِ، لَكِنَّهُ ذَكَّرَ ضَمِيرَهَا لِتَأَوُّلِهَا بِالْوَاقِعِ. وَفِي شَرْحِ هَدِيَّةِ ابْنِ الْعِمَادِ لِسَيِّدِي عَبْدِ الْغَنِيِّ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذِهِ الْأَوْصَافِ أَوْصَافُ النَّجَاسَةِ لَا الشَّيْءُ الْمُتَنَجِّسُ كَمَاءِ الْوَرْدِ وَالْخَلِّ مَثَلًا، فَلَوْ صُبَّ فِي مَاءٍ جَارٍ يُعْتَبَرُ أَثَرُ النَّجَاسَةِ الَّتِي فِيهِ لَا أَثَرُهُ نَفْسُهُ لِطَهَارَةِ الْمَائِعِ بِالْغُسْلِ، إلَى أَنْ قَالَ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُهِمٌّ فَاحْفَظْهُ.
(قَوْلُهُ: فَلَوْ فِيهِ جِيفَةٌ إلَخْ) أَشَارَ إلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ شُمُولِ النَّجَاسَةِ الْمَرْئِيَّةِ وَغَيْرِهَا فَيُعْتَبَرُ ظُهُورُ الْأَثَرِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا.
(قَوْلُهُ: مِنْ أَسْفَلِهِ) أَيْ أَسْفَلِ الْمَكَانِ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ الْجِيفَةُ أَوْ الْبَوْلُ ط.
(قَوْلُهُ: فِي الْجَرْيَةِ) بِالْفَتْحِ اسْمٌ لِلْمَرَّةِ مِنْ الْجَرْيِ: أَيْ الدَّفْعَةِ الْوَاحِدَةِ، وَأَمَّا بِالْكَسْرِ فَذَكَرَ فِي الْقَامُوسِ أَنَّهَا مَصْدَرٌ، وَهُوَ غَيْرُ مُنَاسِبٍ هُنَا؛ لِأَنَّ الْأَثَرَ يَظْهَرُ فِي الْعَيْنِ لَا فِي الْحَدَثِ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ: ظَاهِرُهُ يَعُمُّ الْجِيفَةَ وَغَيْرَهَا) أَيْ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ النَّجَاسَةَ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُتُونِ، وَهَذَا يُغْنِي عَنْهُ مَا قَبْلَهُ، فَالْأَوْلَى حَذْفُهُ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى مَا بَعْدَهُ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا رَجَّحَهُ الْكَمَالُ إلَخْ) وَأَيَّدَهُ تِلْمِيذُهُ الْعَلَّامَةِ ابْنُ أَمِيرٍ الْحَاجِّ فِي الْحِلْيَةِ، وَكَذَا أَيَّدَهُ سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ بِمَا فِي عُمْدَةِ الْمُفْتِي مِنْ أَنَّ الْمَاءَ الْجَارِيَ يُطَهِّرُ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَبِمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ الْمَاءَ النَّجِسَ إذَا دَخَلَ عَلَى مَاءِ الْحَوْضِ الْكَبِيرِ لَا يُنَجِّسُهُ لَوْ كَانَ غَالِبًا عَلَى مَاءِ الْحَوْضِ. قَالَ: فَالْجَارِي بِالْأَوْلَى، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِهِ.
(قَوْلُهُ: وَقِيلَ إلَخْ) الْأَوَّلُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَهَذَا قَوْلُهُمَا كَمَا فِي السِّرَاجِ، وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْمُنْيَةِ وَقَوَّاهُ شَارِحُهَا الْحَلَبِيُّ. وَأَجَابَ عَمَّا فِي الْفَتْحِ وَفِي الْبَحْرِ أَنَّهُ الْأَوْجَهُ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي التَّجْنِيسِ لِلتَّيَقُّنِ بِوُجُودِ النَّجَاسَةِ فِيهِ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَرْئِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَطْهُرْ أَثَرُهَا عُلِمَ أَنَّ الْمَاءَ ذَهَبَ بِعَيْنِهَا، وَأَيَّدَهُ الْعَلَّامَةُ نُوحٌ أَفَنْدِي. وَاعْتَرَضَ عَلَى مَا فِي النَّهْرِ، وَأَطَالَ الْكَلَامَ وَأَوْضَحَ الْمَرَامَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ مُصَحَّحَانِ ثَانِيهِمَا أَحْوَطُ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ. قَالَ فِي الْمُنْيَةِ: وَعَلَى هَذَا مَاءُ الْمَطَرِ إذَا جَرَى