. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[رد المحتار]
فِي الْمِيزَابِ وَعَلَى السَّطْحِ عَذِرَاتٌ فَالْمَاءُ طَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَتْ الْعَذِرَةُ عِنْدَ الْمِيزَابِ أَوْ كَانَ الْمَاءُ كُلُّهُ أَوْ نِصْفُهُ أَكْثَرُهُ يُلَاقِي الْعَذِرَةَ فَهُوَ نَجِسٌ وَإِلَّا فَطَاهِرٌ. اهـ. وَعَلَى مَا رَجَّحَهُ الْكَمَالُ قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يُعْتَبَرَ فِي مَسْأَلَةِ السَّطْحِ سِوَى تَغَيُّرِ أَحَدِ الْأَوْصَافِ. اهـ. أَقُولُ: وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ مَا فِي دِيَارِنَا مِنْ أَنْهَارِ الْمَسَاقِطِ الَّتِي تَجْرِي بِالنَّجَاسَاتِ وَتَرْسُبُ فِيهَا لَكِنَّهَا فِي النَّهَارِ يَظْهَرُ أَثَرُ النَّجَاسَةِ وَتَتَغَيَّرُ، وَلَا كَلَامَ فِي نَجَاسَتِهَا حِينَئِذٍ. وَأَمَّا فِي اللَّيْلِ فَإِنَّهُ يَزُولُ تَغَيُّرُهَا فَيَجْرِي فِيهَا الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ لِجَرَيَانِ الْمَاءِ فِيهَا فَوْقَ النَّجَاسَةِ. قَالَ فِي خِزَانَةِ الْفَتَاوَى: وَلَوْ كَانَ جَمِيعُ بَطْنِ النَّهْرِ نَجِسًا، فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا لَا يُرَى مَا تَحْتَهُ فَهُوَ طَاهِرٌ وَإِلَّا فَلَا وَفِي الْمُلْتَقَطِ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: الْمَاءُ طَاهِرٌ وَإِنْ قَلَّ إذَا كَانَ جَارِيًا اهـ. تَنْبِيهٌ مُهِمٌّ فِي طَرْحِ الزِّبْلِ فِي الْقَسَاطِلِ
قَدْ اُعْتِيدَ فِي بِلَادِنَا إلْقَاءُ زِبْلِ الدَّوَابِّ فِي مَجَارِي الْمَاءِ إلَى الْبُيُوتِ لِسَدِّ خَلَلِ تِلْكَ الْمَجَارِي الْمُسَمَّاةِ بِالْقَسَاطِلِ فَيَرْسُبُ فِيهَا الزِّبْلُ وَيَجْرِي الْمَاءُ فَوْقَهَا فَهُوَ مِثْلُ مَسْأَلَةِ الْجِيفَةِ، وَفِي ذَلِكَ حَرَجٌ عَظِيمٌ إذَا قُلْنَا بِالنَّجَاسَةِ، وَالْحَرَجُ مَدْفُوعٌ بِالنَّصِّ. وَقَدْ تَعَرَّضَ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْعِمَادِيُّ مُفْتِي دِمَشْقَ فَبِكِتَابِهِ [هَدِيَّةُ ابْنُ الْعِمَادِ] وَاسْتَأْنَسَ لَهَا بِبَعْضِ فُرُوعٍ، وَبِالْقَاعِدَةِ الْمَشْهُورَةِ مِنْ أَنَّ الْمَشَقَّةَ تَجْلِبُ التَّيْسِيرَ، وَبِمَا فَرَّعُوا عَلَيْهَا كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْأَشْبَاهِ. وَقَدْ أَطَالَ الْكَلَامَ سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ النَّابُلُسِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا رَسَبَ الزِّبْلُ فِي الْقَسَاطِلِ وَلَمْ يَظْهَرْ أَثَرُهُ فَالْمَاءُ طَاهِرٌ، وَإِذَا وَصَلَ إلَى الْحِيَاضِ فِي الْبُيُوتِ مُتَغَيِّرًا وَنَزَلَ فِي حَوْضٍ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ فَهُوَ نَجِسٌ وَإِنْ زَالَ تَغَيُّرُهُ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ النَّجِسَ لَا يَطْهُرُ بِتَغَيُّرِهِ إلَّا إذَا جَرَى بَعْدَ ذَلِكَ بِمَاءٍ صَافٍ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَطْهُرُ، فَإِذَا انْقَطَعَ الْجَرَيَانُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الْحَوْضُ صَغِيرًا وَالزِّبْلُ رَاسِبٌ فِي أَسْفَلِهِ تَنَجَّسَ، مَا لَمْ يَصِرْ الزِّبْلُ حَمْأَةً وَهِيَ الطِّينُ الْأَسْوَدُ فَإِنَّهُ إذَا جَرَى بَعْدَ ذَلِكَ بِمَاءٍ صَافٍ ثُمَّ انْقَطَعَ لَا يَتَنَجَّسُ.
وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى نَجَاسَةِ الزِّبْلِ عِنْدَنَا. عَنْ زُفَرَ: رَوْثُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَاهِرٌ. وَفِي الْمُبْتَغَى بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ: الْأَرْوَاثُ كُلُّهَا نَجِسَةٌ إلَّا رِوَايَةً عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا طَاهِرَةٌ لِلْبَلْوَى، وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ تَوْسِعَةٌ لِأَرْبَابِ الدَّوَابِّ فَقَلَّمَا يَسْلَمُونَ عَنْ التَّلَطُّخِ بِالْأَرْوَاثِ وَالْأَخْثَاءِ فَتُحْفَظُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ اهـ كَلَامُ الْمُبْتَغَى. وَإِذَا قُلْنَا بِذَلِكَ هُنَا لَا يَبْعُدُ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ دَاعِيَةٌ إلَى ذَلِكَ، كَمَا أَفْتَوْا بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ بِطَهَارَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ لِلضَّرُورَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَفِي شَرْحِ الْعُبَابِ لِابْنِ حَجَرٍ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ: إذَا ضَاقَ الْأَمْرُ اتَّسَعَ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ تَغَيُّرُ أَنْهُرِ الشَّامِ بِمَا فِيهَا مِنْ الزِّبْلِ وَلَوْ قَلِيلَةً؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ جَرْيُهَا الْمُضْطَرُّ إلَيْهِ النَّاسُ إلَّا بِهِ. اهـ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَعْفُوَّ عَنْهُ عِنْدَهُ أَثَرُ الزِّبْلِ لَا عَيْنُهُ اهـ مَا فِي شَرْحِ الْهَدِيَّةِ مُلَخَّصًا مُوَضَّحًا. أَقُولُ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ الضَّرُورَةَ دَاعِيَةٌ إلَى الْعَفْوِ عَنْ الْعَيْنِ أَيْضًا، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْمَحَلَّاتِ الْبَعِيدَةِ عَنْ الْمَاءِ فِي بِلَادِنَا يَكُونُ مَاؤُهَا قَلِيلًا، وَفِي أَغْلَبِ الْأَوْقَاتِ يَسْتَصْحِبُ الْمَاءُ عَيْنَ الزِّبْلِ وَيَرْسُبُ فِي أَسْفَلِ الْحِيَاضِ، وَكَثِيرًا مَا يَنْقُصُ الْحَوْضُ بِالِاسْتِعْمَالِ مِنْهُ أَوْ يَنْقَطِعُ الْمَاءُ عَنْهُ فَلَا يَبْقَى جَارِيًا وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ كَرْيِ الْأَنْهُرِ وَانْقِطَاعِ الْمَاءِ بِالْكُلِّيَّةِ أَيَّامًا فَإِذَا مُنِعُوا مِنْ الِانْتِفَاعِ بِتِلْكَ الْحِيَاضِ لِمَا فِيهَا مِنْ الزِّبْلِ يَلْزَمُهُمْ الْحَرَجُ الشَّدِيدُ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ، فَاحْتِيَاجُهُمْ إلَى التَّوْسِعَةِ أَشَدُّ مِنْ احْتِيَاجِ أَرْبَابِ الدَّوَابِّ.
وَقَدْ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: الْمَعْلُومُ مِنْ قَوَاعِدِ أَئِمَّتِنَا التَّسْهِيلُ فِي مَوَاضِعِ الضَّرُورَةِ وَالْبَلْوَى الْعَامَّةِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ آبَارِ الْفَلَوَاتِ وَنَحْوِهَا اهـ أَيْ كَالْعَفْوِ مِنْ نَجَاسَةِ الْمَعْذُورِ عَنْ طِينِ الشَّارِعِ الْغَالِبِ عَلَيْهِ النَّجَاسَةُ وَغَيْرُ ذَلِكَ، نَعَمْ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ يَزْدَادُ التَّغْيِيرُ فَيَنْزِلُ الْمَاءُ إلَى الْحَوْضِ أَخْضَرَ وَفِيهِ عَيْنُ الزِّبْلِ فَيَنْجُسُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute