للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفِيهَا: لَا نَفَقَةَ عَلَى الْحُرِّ لِأَوْلَادِهِ مِنْ الْأَمَةِ وَلَا عَلَى الْعَبْدِ لِأَوْلَادِهِ وَلَوْ مِنْ حُرَّةٍ، وَعَلَى الْكَافِرِ نَفَقَةُ وَلَدِهِ الْمُسْلِمِ وَسَيَجِيءُ بَحْرٌ.

(وَكَذَا) تَجِبُ (لِوَلَدِهِ الْكَبِيرِ الْعَاجِزِ عَنْ الْكَسْبِ) كَأُنْثَى مُطْلَقًا وَزَمِنٍ وَمَنْ يَلْحَقُهُ الْعَارُ بِالتَّكَسُّبِ وَطَالِبِ عِلْمٍ لَا يَتَفَرَّغُ لِذَلِكَ، كَذَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَالْعَيْنِيِّ. وَأَفْتَى أَبُو حَامِدٍ بِعَدَمِهَا لِطَلَبَةِ زَمَانِنَا كَمَا بَسَطَهُ فِي الْقُنْيَةِ، وَلِذَا قَيَّدَهُ فِي الْخُلَاصَةِ بِذِي رُشْدٍ (لَا يُشَارِكُهُ) أَيْ الْأَبُ

ــ

[رد المحتار]

قُلْت: اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا مَاتَ الْأَبُ فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْأُمِّ وَالْجَدِّ عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِمَا أَثْلَاثًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ عَلَى الْجَدِّ وَحْدَهُ كَمَا سَيَأْتِي. وَأَمَّا إذَا كَانَ الْأَبُ مُعْسِرًا فَهِيَ عَلَى الْأَبِ وَتَسْتَدِينُهَا الْأُمُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ مِنْ الْجَدِّ، هَذَا عَلَى ظَاهِرِ الْمُتُونِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَأَمَّا عَلَى مَا يَأْتِي تَصْحِيحُهُ مِنْ أَنَّ الْمُعْسِرَ يُجْعَلُ كَالْمَيِّتِ فَمُقْتَضَاهُ أَنَّهَا تُجْعَلُ عَلَيْهِمَا أَثْلَاثًا تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ لِأَوْلَادِهِ مِنْ الْأَمَةِ) بَلْ نَفَقَتُهُمْ عَلَى سَيِّدِ الْأَمَةِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الزَّوْجُ حُرِّيَّتَهُمْ فَنَفَقَتُهُمْ عَلَيْهِ، وَالْمُرَادُ بِالْأَمَةِ غَيْرُ الْمُكَاتَبَةِ، أَمَّا هِيَ فَنَفَقَتُهُمْ عَلَيْهَا لِتَبَعِيَّتِهِمْ لَهَا فِي الْكِتَابَةِ ط وَتَقَدَّمَتْ الْمَسْأَلَةُ (قَوْلُهُ وَلَوْ مِنْ حُرَّةٍ) بَلْ النَّفَقَةُ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً لِمَوْلَاهُ فَنَفَقَةُ الْجَمِيعِ عَلَيْهِ، أَوْ لِغَيْرِهِ فَنَفَقَتُهُمْ عَلَى مَوْلَى الْأُمِّ كَمَا عَلِمْت. وَنَفَقَةُ الْعَبْدِ عَلَى مَوْلَاهُ (قَوْلُهُ وَعَلَى الْكَافِرِ إلَخْ) فِي الْجَوْهَرَةِ: ذِمِّيٌّ تَزَوَّجَ ذِمِّيَّةً ثُمَّ أَسْلَمَتْ وَلَهَا مِنْهُ وَلَدٌ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِ الْوَلَدِ تَبَعًا لَهَا وَنَفَقَتُهُ عَلَى الْأَبِ الْكَافِرِ، وَكَذَا الصَّبِيُّ إذَا ارْتَدَّ فَارْتِدَادُهُ صَحِيحٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَنَفَقَتُهُ عَلَى الْأَبِ. اهـ (قَوْلُهُ وَسَيَجِيءُ) يَأْتِي ذَلِكَ فِي عُمُومِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَا نَفَقَةَ مَعَ الِاخْتِلَافِ دِينًا إلَّا لِلزَّوْجَةِ وَالْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ الذِّمِّيِّينَ.

(قَوْلُهُ لِوَلَدِهِ الْكَبِيرِ إلَخْ) فَإِذَا طَلَبَ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَفْرِضَ لَهُ النَّفَقَةَ عَلَى أَبِيهِ أَجَابَهُ وَيَدْفَعُهَا إلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقُّهُ وَلَهُ وِلَايَةُ الِاسْتِيفَاءِ ذَخِيرَةٌ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ قَالَ لَهُ الْأَبُ: أَنَا أُطْعِمُك وَلَا أَدْفَعُ إلَيْك لَا يُجَابُ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي نَفَقَةِ كُلِّ مَحْرَمٍ بَحْرٌ (قَوْلُهُ كَأُنْثَى مُطْلَقًا) أَيْ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بِهَا زَمَانَةٌ تَمْنَعُهَا عَنْ الْكَسْبِ فَمُجَرَّدُ الْأُنُوثَةِ عَجْزٌ إلَّا إذَا كَانَ لَهَا زَوْجٌ فَنَفَقَتُهَا عَلَيْهِ مَا دَامَتْ زَوْجَةً وَهَلْ إذَا نَشَزَتْ عَنْ طَاعَتِهِ تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ عَلَى أَبِيهَا مَحَلُّ تَرَدُّدٍ فَتَأَمَّلْ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْأَبِ أَنْ يُؤْجِرَهَا فِي عَمَلٍ أَوْ خِدْمَةٍ، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهَا كَسْبٌ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَزَمِنٍ) أَيْ مَنْ بِهِ مَرَضٌ مُزْمِنٌ، وَالْمُرَادُ هُنَا مِنْ بِهِ مَا يَمْنَعُهُ عَنْ الْكَسْبِ كَعَمًى وَشَلَلٍ، وَلَوْ قَدَرَ عَلَى اكْتِسَابِ مَا لَا يَكْفِيهِ فَعَلَى أَبِيهِ تَكْمِيلُ الْكِفَايَةِ (قَوْلُهُ وَمَنْ يَلْحَقُهُ الْعَارُ بِالتَّكَسُّبِ) كَذَا فِي الْبَحْرِ وَالزَّيْلَعِيِّ. وَاعْتَرَضَهُ الرَّحْمَتِيُّ بِأَنَّ الْكَسْبَ لِمُؤْنَتِهِ وَمُؤْنَةِ عِيَالِهِ فَرْضٌ فَكَيْفَ يَكُونُ عَارًا، الْأَوْلَى مَا فِي الْمِنَحِ عَنْ الْخُلَاصَةِ إذَا كَانَ مِنْ أَبْنَاءِ الْكِرَامِ وَلَا يَسْتَأْجِرُهُ النَّاسُ فَهُوَ عَاجِزٌ. اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ.

(قَوْلُهُ كَمَا بَسَطَهُ فِي الْقُنْيَةِ) حَاصِلُهُ أَنَّ السَّلَفَ قَالُوا بِوُجُوبِ نَفَقَتِهِ عَلَى الْأَبِ، لَكِنْ أَفْتَى أَبُو حَامِدٍ بِعَدَمِهِ لِفَسَادِ أَحْوَالِ أَكْثَرِهِمْ، وَمَنْ كَانَ بِخِلَافِهِمْ نَادِرٌ فِي هَذَا الزَّمَانِ فَلَا يُفْرَدُ بِالْحُكْمِ دَفْعًا لِحَرَجِ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْمُصْلِحِ وَالْمُفْسِدِ. قَالَ صَاحِبُ الْقُنْيَةِ: لَكِنْ بَعْدَ الْفِتْنَةِ الْعَامَّةِ يَعْنِي فِتْنَةَ التَّتَارِ الَّتِي ذَهَبَ بِهَا أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَالْمُتَعَلِّمِينَ نَرَى الْمُشْتَغِلِينَ بِالْفِقْهِ وَالْأَدَبِ اللَّذَيْنِ هُمَا قَوَاعِدُ الدِّينِ وَأُصُولُ كَلَامِ الْعَرَبِ يَمْنَعُهُمْ الِاشْتِغَالُ بِالْكَسْبِ عَنْ التَّحْصِيلِ وَيُؤَدِّي إلَى ضَيَاعِ الْعِلْمِ وَالتَّعْطِيلِ، فَكَانَ الْمُخْتَارُ الْآنَ قَوْلُ السَّلَفِ، وَهَفَوَاتُ الْبَعْضِ لَا تَمْنَعُ الْوُجُوبَ كَالْأَوْلَادِ وَالْأَقَارِبِ. اهـ مُلَخَّصًا، وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ.

وَقَالَ ح: وَأَقُولُ الْحَقُّ الَّذِي تَقْبَلُهُ الطِّبَاعُ الْمُسْتَقِيمَةُ وَلَا تَنْفِرُ مِنْهُ الْأَذْوَاقُ السَّلِيمَةُ الْقَوْلُ بِوُجُوبِهَا لِذِي الرُّشْدِ لَا غَيْرِهِ، وَلَا حَرَجَ فِي التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْمُصْلِحِ وَالْمُفْسِدِ لِظُهُورِ مَسَالِكِ الِاسْتِقَامَةِ وَتَمْيِيزِهِ عَنْ غَيْرِهِ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ (قَوْلُهُ وَلِذَا إلَخْ) أَيْ لِكَوْنِهَا لَا تَجِبُ لِطَلَبَةِ زَمَانِنَا الْغَالِبِ عَلَيْهِمْ الْفَسَادُ (قَوْلُهُ لَا يُشَارِكُهُ) جُمْلَةٌ اسْتِئْنَافِيَّةٌ أَوْ حَالِيَّةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>