كَعَمًى وَعَتَهٍ وَفَلْجٍ، زَادَ فِي الْمُلْتَقَى وَالْمُخْتَارِ: أَوْ لَا يَحْسُنُ الْكَسْبُ لِحِرْفَةٍ أَوْ لِكَوْنِهِ مِنْ ذَوِي الْبُيُوتَاتِ أَوْ طَالِبَ عِلْمٍ (فَقِيرًا) حَالٌ مِنْ الْمَجْمُوعِ بِحَيْثُ تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ وَلَوْ لَهُ مَنْزِلٌ وَخَادِمٌ
ــ
[رد المحتار]
قَوْله كَعَمًى إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالزَّمَانَةِ الْعَاهَةُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ. وَفِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى أَنَّ الزَّمَانَةَ تَكُونُ فِي سِتَّةٍ: الْعَمَى وَفَقْدِ الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ أَوْ الْيَدِ وَالرِّجْلِ مِنْ جَانِبٍ وَالْخَرَسِ وَالْفَلْجِ. اهـ.
فَإِنْ قُلْت: إنَّ مَنْ ذُكِرَ قَدْ يَكْتَسِبُ، فَالْأَعْمَى يَقْدِرُ عَلَى الْعَمَلِ بِالدُّولَابِ، وَمَقْطُوعُ الْيَدَيْنِ عَلَى دَوْسِ الْعِنَبِ بِرِجْلَيْهِ أَوْ الْحِرَاسَةِ، وَكَذَا الْأَخْرَسُ. قُلْنَا: إنْ اكْتَسَبَ بِذَلِكَ وَاسْتَغْنَى عَنْ الْإِنْفَاقِ فَلَا وُجُوبَ وَإِلَّا فَلَا يُكَلَّفُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَعْذَارَ تَمْنَعُ عَنْ الْكَسْبِ عَادَةً فَلَا يُكَلَّفُ بِهِ (قَوْلُهُ وَعَتَهٍ) بِالتَّحْرِيكِ: نُقْصَانُ الْعَقْلِ (قَوْلُهُ لِحِرْفَةٍ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالْحَاءِ وَالْفَاءِ. وَفِي الْمُغْرِبِ: الْحِرْفَةُ بِالْكَسْرِ اسْمٌ مِنْ الِاحْتِرَافِ، الِاكْتِسَابُ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يُنَاسِبُ هُنَا فَالصَّوَابُ مَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ لِخَرْقِهِ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْقَافِ وَآخِرُهُ ضَمِيرُ الْغَيْبَةِ وَهُوَ عَدَمُ مَعْرِفَةِ عَمَلِ الْيَدِ. خَرُقَ خَرْقًا مِنْ بَابِ قَرُبَ فَهُوَ أَخْرَقُ مِصْبَاحٌ. وَفِي الِاخْتِيَارِ:؛ لِأَنَّ شَرْطَ وُجُوبِ نَفَقَةِ الْكَبِيرَةِ الْعَجْزُ عَنْ الْكَسْبِ حَقِيقَةً كَالزَّمِنِ وَالْأَعْمَى وَنَحْوِهِمَا، أَوْ مَعْنًى كَمَنْ بِهِ خَرَقٌ وَنَحْوُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ لِكَوْنِهِ مِنْ ذَوِي الْبُيُوتَاتِ) أَيْ مِنْ أَهْلِ الشَّرَفِ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: الْبُيُوتَاتُ جَمْعُ بَيْتٍ، وَيَخْتَصُّ بِالْأَشْرَافِ.
وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ: وَكَذَا إذَا كَانَ مِنْ أَبْنَاءِ الْكِرَامِ لَا يَجِدُ مَنْ يَسْتَأْجِرُهُ وَعِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ: أَوْ يَكُونُ مِنْ أَعْيَانِ النَّاسِ يَلْحَقُهُ الْعَارُ بِالتَّكَسُّبِ. وَاعْتَرَضَهُ الرَّحْمَتِيُّ بِأَنَّ كَسْبَ الْحَلَالِ فَرِيضَةٌ، وَبِأَنَّ عَلِيًّا سَيِّدَ الْعَرَبِ كَانَ يُؤْجِرُ نَفْسَهُ لِلْيَهُودِ كُلُّ دَلْوٍ يَنْزِعُهُ مِنْ الْبِئْرِ بِتَمْرَةٍ وَالصِّدِّيقُ بَعْدَ أَنْ بُويِعَ بِالْخِلَافَةِ حَمَلَ أَثْوَابًا وَقَصَدَ السُّوقَ فَرَدُّوهُ وَفُرَضَ لَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مَا يَكْفِيهِ وَأَهْلَهُ وَقَالَ سَأَتَّجِرُ لِلْمُسْلِمِينَ فِي مَالِهِمْ حَتَّى أُعَوِّضَهُمْ عَمَّا أَنْفَقْت عَلَى نَفْسِي وَعِيَالِي. اهـ وَأَيُّ فَضْلٍ لِبُيُوتٍ تَحْمِلُ أَهْلَهَا أَنْ تَكُونَ كَلًّا عَلَى النَّاسِ. اهـ مُلَخَّصًا.
قُلْت: لَا يَخْفَى أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عَارًا فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ بَلْ يَعُدُّونَهُ فَخْرًا، بِخِلَافِ مَنْ بَعْدَهُمْ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْخَلِيفَةَ بَلْ مَنْ دُونَهُ فِي زَمَانِنَا لَوْ فَعَلَ كَذَلِكَ لَسَقَطَ مِنْ أَعْيُنِ رَعِيَّتِهِ فَضْلًا عَنْ أَعْدَائِهِ. وَقَدْ أَثْبَتَ الشَّارِعُ لِوَلِيِّ الْمَرْأَةِ فَسْخَ النِّكَاحِ لِدَفْعِ الْعَارِ عَنْهُ، فَحَيْثُ كَانَ الْكَسْبُ عَارًا لَهُ كَمَا لَوْ كَانَ ابْنًا أَوْ أَخًا لِلْأَمِيرِ أَوْ لِقَاضِي الْقُضَاةِ مَثَلًا تَجِبُ لَهُ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ بِشُرُوطِهَا (قَوْلُهُ أَوْ طَالِبَ عِلْمٍ) أَيْ إذَا كَانَ بِهِ رُشْدٌ وَمَرَّ الْكَلَامُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ حَالٌ مِنْ الْمَجْمُوعِ) أَيْ مِنْ صَغِيرٍ وَأُنْثَى وَبَالِغٍ. قَالَ ط: وَالْأَوْلَى جَعْلُهُ حَالًا مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ لِعُمُومِهِ الْكُلَّ، وَفِي نُسْخَةٍ فُقَرَاءَ (قَوْلُهُ بِحَيْثُ تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ) كَذَا فَسَّرَهُ فِي الْبَدَائِعِ، وَذَلِكَ بِأَنْ لَا يَمْلِكَ نِصَابًا نَامِيًا أَوْ غَيْرَ نَامٍ زَائِدًا عَنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ النَّفَقَةِ، إذْ لَوْ كَانَ يَمْلِكُ دُونَ نِصَابٍ مِنْ طَعَامٍ أَوْ نُقُودٍ تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ، وَلَا تَجِبُ لَهُ النَّفَقَةُ فِيمَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّهَا مُعَلَّلَةٌ بِالْكِفَايَةِ، وَمَا دَامَ عِنْدَهُ مَا يَكْفِيهِ مِنْ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ غَيْرَهُ كِفَايَتُهُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَلَوْ لَهُ مَنْزِلٌ وَخَادِمٌ) أَيْ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِمَا، وَهَذَا عَامٌّ فِي الْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودَيْنِ وَذَوِي الْأَرْحَامِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ، وَفِيهَا: لَوْ كَانَ يَكْفِيهِ بَعْضُ الْمَنْزِلِ أُمِرَ بِبَيْعِ بَعْضِهِ وَإِنْفَاقِهِ عَلَى نَفْسِهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ لَهُ دَابَّةٌ نَفِيسَةٌ يُؤْمَرُ بِشِرَاءِ الْأَدْنَى وَإِنْفَاقِ الْفَضْلِ. اهـ وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ، وَمَتَاعِ الْبَيْتِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ مِثْلُ الْمَنْزِلِ وَالدَّابَّةِ كَمَا فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ، وَهَلْ مِثْلُهُ جِهَازُ الْمَرْأَةِ؟ قَدَّمْنَا فِي الزَّكَاةِ خِلَافًا فِي أَنَّهَا هَلْ تَحْرُمُ عَلَيْهَا الصَّدَقَةُ بِسَبَبِهِ فَرَاجِعْهُ وَهَلْ تَجِبُ نَفَقَةُ الْخَادِمِ هُنَا؟ مُقْتَضَى مَا فِي الْبَدَائِعِ نَعَمْ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَكُلُّ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ نَفَقَةُ غَيْرِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْمَأْكَلُ وَالْمَلْبَسُ وَالْمَسْكَنُ وَالرَّضَاعُ إنْ كَانَ رَضِيعًا؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا لِلْكِفَايَةِ، وَالْكِفَايَةُ تَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ خَادِمٌ يَحْتَاجُ إلَى خِدْمَتِهِ يَفْرِضُ لَهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ الْكِفَايَةِ. اهـ. وَاحْتِيَاجُهُ إلَى خِدْمَتِهِ بِأَنْ يَكُونَ بِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute