مِسْكِينٌ (لَأَفْعَلَنَّ كَذَا) أَفَادَ أَنَّ إضْمَارَ حَرْفِ التَّأْكِيدِ فِي الْمُقْسَمِ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ ثُمَّ صَرَّحَ بِهِ بِقَوْلِهِ (الْحَلِفُ) بِالْعَرَبِيَّةِ (فِي الْإِثْبَاتِ لَا يَكُونُ إلَّا بِحَرْفِ التَّأْكِيدِ وَهُوَ اللَّامُ وَالنُّونُ كَقَوْلِهِ وَوَاللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا)
ــ
[رد المحتار]
النَّصْبَ وَالْجَرَّ وَجْهَانِ سَائِغَانِ لِلْعَرَبِ لَيْسَ أَحَدٌ يُنْكِرُ أَحَدَهُمَا لِيَتَأَتَّى الْخِلَافُ اهـ وَسَكَتَ الشَّارِحُ عَنْ الرَّفْعِ مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَهُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ بِالْحَرَكَاتِ الثَّلَاثِ.
[تَنْبِيهٌ] هَذِهِ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ وَكَذَا سُكُونُ الْهَاءِ يَنْعَقِدُ بِهَا الْيَمِينُ مَعَ التَّصْرِيحِ بِبَاءِ الْقَسَمِ. فَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: بِاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا وَسَكَّنَ الْهَاءَ أَوْ نَصَبَهَا أَوْ رَفَعَهَا يَكُونُ يَمِينًا؛ وَلَوْ قَالَ اللَّهَ لَا أَفْعَلُ كَذَا وَسَكَّنَ الْهَاءَ أَوْ نَصَبَهَا لَا يَكُونُ يَمِينًا إلَّا أَنْ يُعْرِبَهَا بِالْجَرِّ فَيَكُونُ يَمِينًا، وَقِيلَ يَكُونُ يَمِينًا مُطْلَقًا اهـ.
قُلْت: وَقَوْلُ الْمُتُونِ وَقَدْ تُضْمَرُ يُشِيرُ إلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ الْإِضْمَارَ يَبْقَى أَثَرُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْجَرِّ لَكِنَّهُ خِلَافُ مَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ تَجْوِيزِ النَّصْبِ، وَقَدَّمْنَا عَنْ الْجَوْهَرَةِ أَنَّهُ الصَّحِيحُ، بَلْ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَيَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا نَصَبَ أَنَّهُ يَكُونُ يَمِينًا بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي جَوَازِ كُلٍّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ، وَلَكِنَّ النَّصْبَ أَكْثَرُ كَمَا ذَكَرَهُ عَبْدُ الْقَاهِرِ فِي مُقْتَصِدِهِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ. اهـ.
قُلْت: بَقِيَ الْكَلَامُ عَلَى عَدَمِ كَوْنِهِ يَمِينًا مَعَ سُكُونِ الْهَاءِ. وَقَدْ رَدَّهُ فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ: وَلَا فَرْقَ فِي ثُبُوتِ الْيَمِينِ بَيْنَ أَنْ يُعْرِبَ الْمُقْسَمَ بِهِ خَطَأً أَوْ صَوَابًا أَوْ يُسَكِّنَهُ خِلَافًا لِمَا فِي الْمُحِيطِ فِيمَا إذَا سَكَّنَهُ لِأَنَّ مَعْنَى الْيَمِينِ وَهُوَ ذِكْرُ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْمَنْعِ أَوْ الْحَمْلِ مَعْقُودًا بِمَا أُرِيدَ مَنْعُهُ أَوْ فِعْلُهُ ثَابِتٌ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى خُصُوصِيَّةٍ فِي اللَّفْظِ. اهـ. (قَوْلُهُ إنَّ إضْمَارَ حَرْفِ التَّأْكِيدِ) الْإِضَافَةُ فِي " حَرْفِ " لِلْجِنْسِ لِأَنَّ الْمُرَادَ اللَّامُ وَالنُّونُ فَإِنَّ حَذْفَهُمَا فِي جَوَابِ الْقَسَمِ الْمُسْتَقْبَلِ الْمُثْبَتِ لَا يَجُوزُ، نَعَمْ حَذْفُ أَحَدِهِمَا جَائِزٌ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ لَا عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ، وَكَذَا يَجُوزُ إنْ كَانَ الْفِعْلُ حَالًّا كَقِرَاءَةِ ابْنِ كَثِيرٍ - لَأُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ - وَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
يَمِينًا لَأَبْغَضُ كُلَّ امْرِئٍ ... يُزَخْرِفُ قَوْلًا وَلَا يَفْعَلُ
مَطْلَبٌ فِيمَا لَوْ أَسْقَطَ اللَّامَ وَالنُّونَ مِنْ جَوَابِ الْقَسَمِ
(قَوْلُهُ الْحَلِفُ بِالْعَرَبِيَّةِ) مَقْدِسِيٌّ، يَعْنِي لَا يَكُونُ يَمِينًا عَلَى الْإِثْبَاتِ، وَقَوْلُهُ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِمْ فِيهَا: أَيْ إذَا تَرَكُوا ذَلِكَ الشَّيْءَ. ثُمَّ قَالَ الْمَقْدِسِيَّ: لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ تَلْزَمَهُمْ لِتَعَارُفِهِمْ الْحَلِفَ بِذَلِكَ، وَيُؤَيِّدُ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ سَكَّنَ الْهَاءَ أَوْ رَفَعَ أَوْ نَصَبَ فِي بِاَللَّهِ يَكُونُ يَمِينًا مَعَ أَنَّ الْعَرَبَ مَا نَطَقَتْ بِغَيْرِ الْجَرِّ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونُ يَمِينًا وَإِنْ خَلَا مِنْ اللَّامِ وَالنُّونِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: سُبْحَانَ اللَّهِ أَفْعَلُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَفْعَلُ كَذَا لَيْسَ بِيَمِينٍ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ اهـ وَاعْتَرَضَهُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّ مَا نَقَلَهُ لَا يَدُلُّ لِمُدَّعَاهُ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ تَغْيِيرٌ إعْرَابِيٌّ لَا يَمْنَعُ الْمَعْنَى الْمَوْضُوعَ فَلَا يَضُرُّ التَّسْكِينُ وَالرَّفْعُ وَالنَّصْبُ، لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ اللَّحْنَ لَا يَمْنَعُ الِانْعِقَادَ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ، إذْ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ الْإِثْبَاتُ وَالنَّفْيُ لَا أَنَّهُ يَمِينٌ وَالنَّقْلُ يَجِبُ اتِّبَاعُهُ. اهـ.
قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ اللَّحْنَ الْخَطَأُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ. وَفِي الْمِصْبَاحِ: اللَّحْنُ الْخَطَأُ فِي الْعَرَبِيَّةِ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ قَوْلَ الْوَلْوَالِجيَّةِ سُبْحَانَ اللَّهِ أَفْعَلُ عَيْنُ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ لَا غَيْرُهُ فَإِنَّهُ أَتَى بِالْفِعْلِ الْمُضَارِعِ مُجَرَّدًا مِنْ اللَّامِ وَالنُّونِ وَجَعَلَهُ يَمِينًا مَعَ النِّيَّةِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى النَّفْيِ لَوَجَبَ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مَعَ النِّيَّةِ يَمِينٌ عَلَى عَدَمِ الْفِعْلِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَإِنَّمَا اشْتَرَطَ النِّيَّةَ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُتَعَارَفٍ كَمَا مَرَّ. وَقَالَ ج: وَبَحْثُ الْمَقْدِسِيَّ وَجِيهٌ. وَقَوْلُ بَعْضِ النَّاسِ إنَّهُ يُصَادِمُ الْمَنْقُولَ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمَنْقُولَ فِي الْمَذْهَبِ كَانَ عَلَى عُرْفِ صَدْرِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ تَتَغَيَّرَ اللُّغَةُ، وَأَمَّا الْآنُ فَلَا يَأْتُونَ بِاللَّامِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute