للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[رد المحتار]

وَالنُّونُ فِي مُثْبَتِ الْقَسَمِ أَصْلًا وَيُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ بِوُجُودِ لَا وَعَدَمِهَا، وَمَا اصْطِلَاحُهُمْ عَلَى هَذَا إلَّا كَاصْطِلَاحِ لُغَةِ الْفُرْسِ وَنَحْوِهَا فِي الْأَيْمَانِ لِمَنْ تَدَبَّرَ. اهـ.

قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّهُ يُحْمَلُ كَلَامُ كُلِّ عَاقِدٍ وَحَالِفٍ وَوَاقِفٍ عَلَى عُرْفِهِ وَعَادَتِهِ سَوَاءٌ وَافَقَ كَلَامَ الْعَرَبِ أَمْ لَا، وَيَأْتِي نَحْوُهُ عَنْ الْفَتْحِ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ الْآتِي. وَقَدْ فَرَّقَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ بَيْنَ بَلَى وَنَعَمْ فِي الْجَوَابِ بِأَنَّ بَلَى لِإِيجَابِ مَا بَعْدَ النَّفْيِ وَنَعَمْ لِلتَّصْدِيقِ، فَإِذَا قِيلَ أَمَا قَامَ زَيْدٌ؟ فَإِنْ قُلْت بَلَى كَانَ مَعْنَاهُ قَدْ قَامَ، وَإِنْ قُلْت نَعَمْ كَانَ مَعْنَاهُ مَا قَامَ. وَنَقَلَ فِي شَرْح الْمَنَارِ عَنْ التَّحْقِيقِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي أَحْكَامِ الشَّرْعِ الْعُرْفُ حَتَّى يُقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَقَامَ الْآخَرِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي التَّلْوِيحِ. وَقَوْلُ الْمُحِيطِ هُنَا وَالْحَلِفُ بِالْعَرَبِيَّةِ أَنْ يَقُولَ فِي الْإِثْبَاتِ وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ إلَخْ بَيَانٌ لِلْحُكْمِ عَلَى قَوَاعِدِ الْعَرَبِيَّةِ وَعُرْفِ الْعَرَبِ وَعَادَتِهِمْ الْخَالِيَةِ عَنْ اللَّحْنِ، وَكَلَامُ النَّاسِ الْيَوْمَ خَارِجٌ عَنْ قَوَاعِدِ الْعَرَبِيَّةِ سِوَى النَّادِرِ، فَهُوَ لُغَةٌ اصْطِلَاحِيَّةٌ لَهُمْ كَبَاقِي اللُّغَاتِ الْأَعْجَمِيَّةِ، فَلَا يُعَامِلُونَ بِغَيْرِ لُغَتِهِمْ وَقَصْدِهِمْ إلَّا مَنْ الْتَزَمَ مِنْهُمْ الْإِعْرَابَ أَوْ قَصَدَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُدَيَّنَ. وَعَلَى هَذَا قَالَ شَيْخِ مَشَايِخِنَا السَّائِحَانِيُّ: إنَّ أَيْمَانَنَا الْآنَ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى تَأْكِيدٍ، فَقَدْ وَضَعْنَاهَا وَضْعًا جَدِيدًا وَاصْطَلَحْنَا عَلَيْهَا وَتَعَارَفْنَاهَا، فَيَجِبُ مُعَامَلَتُنَا عَلَى قَدْرِ عُقُولِنَا وَنِيَّاتِنَا كَمَا أَوْقَعَ الْمُتَأَخِّرُونَ الطَّلَاقَ بِعَلَيَّ الطَّلَاقُ، وَمَنْ لَمْ يَدْرِ بِعُرْفِ أَهْلِ زَمَانِهِ فَهُوَ جَاهِلٌ. اهـ.

قُلْت: وَنَظِيرُ هَذَا مَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَسْقَطَ الْفَاءَ الرَّابِطَةَ لِجَوَابِ الشَّرْطِ فَهُوَ تَنْجِيزٌ لَا تَعْلِيقٌ، حَتَّى لَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ أَنْتِ طَالِقٌ تَطْلُقُ فِي الْحَالِ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوَاعِدِ الْعَرَبِيَّةِ أَيْضًا، وَهُوَ خِلَافُ الْمُتَعَارَفِ الْآنَ فَيَنْبَغِي بِنَاؤُهُ عَلَى الْعُرْفِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ فِي بَابِ التَّعْلِيقِ، وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ مَا يُنَاسِبُ ذِكْرَهُ هُنَا فَرَاجِعْهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

[تَنْبِيهٌ] مَا مَرَّ إنَّمَا هُوَ فِي الْقَسَمِ، بِخِلَافِ التَّعْلِيقِ فَإِنَّهُ وَإِنْ سُمِّيَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ حَلِفًا وَيَمِينًا لَكِنَّهُ لَا يُسَمَّى قَسَمًا، فَإِنَّ الْقَسَمَ خَاصٌّ بِالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقُهُسْتَانِيُّ، أَمَّا التَّعْلِيقُ فَلَا يَجْرِي اشْتِرَاطُ اللَّامِ وَالنُّونِ فِي الْمُثْبَتِ مِنْهُ لَا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَلَا عِنْدَ اللُّغَوِيِّينَ، وَمِنْهُ الْحَرَامُ يَلْزَمُنِي وَعَلَيَّ الطَّلَاقُ لَا أَفْعَلُ كَذَا فَإِنَّهُ يُرَادُ بِهِ فِي الْعُرْفِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَهِيَ طَالِقٌ فَيَجِبُ إمْضَاؤُهُ عَلَيْهِمْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ كَمَا يَأْتِي. قَالَ ح: فَانْدَفَعَ بِهَذَا مَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ مِنْ أَنَّ فِي قَوْلِ الْقَائِلِ عَلَيَّ الطَّلَاقُ أَجِيءُ الْيَوْمَ، إنْ جَاءَ فِي الْيَوْمِ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَإِلَّا فَلَا لِعَدَمِ اللَّامِ وَالنُّونِ؛ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ النُّحَاةَ إنَّمَا اشْتَرَطُوا ذَلِكَ فِي جَوَابِ الْقَسَمِ الْمُثْبَتِ لَا فِي جَوَابِ الشَّرْطِ، وَإِلَّا كَانَ مَعْنَى قَوْلِك إنْ قَامَ زَيْدٌ أَقُمْ إنْ قَامَ زَيْدٌ لَمْ أَقُمْ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ عَاقِلٌ فَضْلًا عَنْ فَاضِلٍ. عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ أَجِيءُ لَيْسَ جَوَابَ الشَّرْطِ بَلْ هُوَ فِعْلُ الشَّرْطِ لِأَنَّ الْمَعْنَى إنْ لَمْ أَجِئْ الْيَوْمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ.

وَقَدْ وَقَعَ هَذَا الْوَهْمُ بِعَيْنِهِ لِلشَّيْخِ الرَّمْلِيِّ فِي الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ وَلِغَيْرِهِ أَيْضًا. قَالَ السَّيِّدُ أَحْمَدُ الْحَمَوِيُّ فِي تَذْكِرَتِهِ الْكُبْرَى: رُفِعَ إلَيَّ سُؤَالٌ صُورَتُهُ: رَجُلٌ اغْتَاظَ مِنْ وَلَدِ زَوْجَتِهِ فَقَالَ عَلَيَّ الطَّلَاقُ إنِّي أُصْبِحُ أَشْتَكِيك مِنْ النَّقِيبِ فَلَمَّا أَصْبَحَ تَرَكَهُ وَلَمْ يَشْتَكِهِ وَمَكَثَ مُدَّةً فَهَلْ وَالْحَالَةُ هَذِهِ يَقَعُ الطَّلَاقُ أَمْ لَا؟ الْجَوَابُ: إذَا تَرَكَ شِكَايَتَهُ وَمَضَى مُدَّةً بَعْدَ حَلِفِهِ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ لِأَنَّ الْفِعْلَ الْمَذْكُورَ وَقَعَ فِي جَوَابِ الْيَمِينِ وَهُوَ مُثْبَتٌ فَيُقَدَّرُ النَّفْيُ حَيْثُ لَمْ يُؤَكِّدْ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ؛ كَتَبَهُ الْفَقِيرُ عَبْدُ الْمُنْعِمِ النَّبْتِيتِيُّ فَرَفَعَهُ إلَى جَمَاعَةٍ قَائِلِينَ مَاذَا يَكُونُ الْحَالُ، فَقَدْ زَادَ بِهِ الْأَمْرُ وَتَقَدَّمَ بَيْنَ الْعَوَامّ وَتَأَخَّرَتْ أُولُو الْفَضْلِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟

<<  <  ج: ص:  >  >>