للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَاَللَّهِ لَقَدْ فَعَلْت كَذَا مَقْرُونًا بِكَلِمَةِ التَّوْكِيدِ وَفِي النَّفْيِ بِحَرْفِ النَّفْيِ، حَتَّى لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ أَفْعَلُ كَذَا الْيَوْمَ كَانَتْ يَمِينُهُ عَلَى النَّفْيِ وَتَكُونُ لَا مُضْمَرَةً كَأَنَّهُ قَالَ لَا أَفْعَلُ كَذَا لِامْتِنَاعِ حَذْفِ حَرْفِ التَّوْكِيدِ فِي الْإِثْبَاتِ لِإِضْمَارِ الْعَرَبِ فِي الْكَلَامِ الْكَلِمَةَ لَا بَعْضَ الْكَلِمَةِ مِنْ الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ.

(وَكَفَّارَتُهُ) هَذِهِ إضَافَةٌ لِلشَّرْطِ لِأَنَّ السَّبَبَ عِنْدَنَا الْحِنْثُ (تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ أَوْ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ)

ــ

[رد المحتار]

فَأَجَبْت بَعْدَ الْحَمْدِ لِلَّهِ: مَا أُفْتِيَ بِهِ مِنْ عَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ مُعَلَّلًا بِأَنَّ الْفِعْلَ الْمَذْكُورَ وَقَعَ جَوَابًا لِيَمِينٍ وَهُوَ مُثْبَتٌ فَيُقَدَّرُ النَّفْيُ حَيْثُ لَمْ يُؤَكَّدْ، فَمُنْبِئٌ عَنْ فَرْطِ جَهْلِهِ وَحُمْقِهِ وَكَثْرَةِ مُجَازَفَتِهِ فِي الدِّينِ وَخَرْقِهِ إذْ ذَاكَ فِي الْفِعْلِ إذَا وَقَعَ جَوَابًا لِلْقَسَمِ بِاَللَّهِ نَحْوَ - {تَاللَّهِ تَفْتَأُ} [يوسف: ٨٥]- أَيْ لَا تَفْتَأُ لَا فِي جَوَابِ الْيَمِينِ بِمَعْنَى التَّعْلِيقِ بِمَا يُشْتَقُّ مِنْ طَلَاقٍ وَعَتَاقٍ وَنَحْوِهِمَا.

وَحِينَئِذٍ إذَا أَصْبَحَ الْحَالِفُ وَلَمْ يَشْتَكِهِ وَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ وَبَانَتْ زَوْجَتُهُ مِنْهُ بَيْنُونَةً كُبْرَى. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَقَدْ ظَهَرَ لَك أَنَّ هَذَا الْمُفْتِيَ أَخْطَأَ خَطَأً صَرَاحًا لَا يَصْدُرُ عَنْ ذِي دِينٍ وَصَلَاحٍ، وَلِلَّهِ دَرُّ الْقَائِلِ:

مِنْ الدِّينِ كَشْفُ السِّتْرِ عَنْ كُلِّ كَاذِبٍ ... وَعَنْ كُلِّ بِدْعِيٍّ أَتَى بِالْعَجَائِبِ

فَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ لَهُدِّمَتْ ... صَوَامِعُ دِينِ اللَّهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ

وَاَللَّهُ الْهَادِي لِلصَّوَابِ، وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ (قَوْلُهُ وَاَللَّهِ لَقَدْ فَعَلْت) بِصِيغَةِ الْمَاضِي وَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ اللَّامِ مَقْرُونَةً بِقَدْ أَوْ رُبَّمَا إنْ كَانَ مُتَصَرِّفًا وَإِلَّا فَغَيْرَ مَقْرُونَةٍ كَمَا فِي التَّسْهِيلِ (قَوْلُهُ وَفِي النَّفْيِ إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْإِثْبَاتِ أَيْ أَنَّ الْحَلِفَ إذَا كَانَ الْجَوَابُ فِيهِ مُضَارِعًا مَنْفِيًّا لَا يَكُونُ بِاللَّامِ وَالنُّونِ إلَّا لِضَرُورَةٍ أَوْ شُذُوذٍ بَلْ يَكُونُ بِحَرْفِ النَّفْيِ وَلَوْ مُقَدَّرًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى - {تَاللَّهِ تَفْتَأُ} [يوسف: ٨٥]- فَقَوْلُهُ حَتَّى لَوْ قَالَ إلَخْ تَفْرِيعٌ صَحِيحٌ أَفَادَ بِهِ أَنَّ حَرْفَ النَّفْيِ إذَا لَمْ يُذْكَرْ يُقَدَّرْ، وَأَنَّ الدَّالَ عَلَى تَقْدِيرِهِ عَدَمُ شَرْطِ كَوْنِهِ مُثْبَتًا وَهُوَ حَرْفُ التَّوْكِيدِ وَأَنَّهُ إذَا دَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ تَقْدِيرِ النَّافِي وَحَرْفِ التَّوْكِيدِ تَعَيَّنَ تَقْدِيرُ النَّافِي لِأَنَّهُ كَلِمَةُ لَا بَعْضُ كَلِمَةٍ فَافْهَمْ، لَكِنْ اعْتَرَضَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّ حَرْفَ التَّوْكِيدِ كَلِمَةٌ أَيْضًا.

وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَلِمَةِ مَا يُتَكَلَّمُ بِهَا بِدُونِ غَيْرِهَا أَوْ مَا لَيْسَتْ مُتَّصِلَةً بِغَيْرِهَا فِي الْخَطِّ

(قَوْلُهُ وَكَفَّارَتُهُ) أَيْ الْيَمِينِ بِمَعْنَى الْحَلِفِ أَوْ الْقَسَمِ، فَلَا يَرِدُ أَنَّهَا مُؤَنَّثٌ سَمَاعًا نَهْرٌ (قَوْلُهُ هَذِهِ إضَافَةٌ لِلشَّرْطِ) لَمَّا كَانَ الْأَصْلُ فِي إضَافَةِ الْأَحْكَامِ إضَافَةَ الْحُكْمِ إلَى سَبَبِهِ كَحَدِّ الزِّنَا أَوْ الشُّرْبِ أَوْ السَّرِقَةِ، وَالْيَمِينُ لَيْسَ سَبَبًا عِنْدَنَا لِلْكَفَّارَةِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَلْ السَّبَبُ عِنْدَنَا هُوَ الْحِنْثُ كَمَا يَأْتِي بَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ خَارِجٌ عَنْ الْأَصْلِ وَأَنَّهُ مِنْ الْإِضَافَةِ إلَى الشَّرْطِ مَجَازًا، وَهِيَ جَائِزَةٌ وَثَابِتَةٌ فِي الشَّرْعِ كَمَا فِي كَفَّارَةِ الْإِحْرَامِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَكَوْنُ الْيَمِينِ شَرْطًا لَا سَبَبًا مُبَيَّنٌ بِأَدِلَّتِهِ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ. مَطْلَبُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ

(قَوْلُهُ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) لَمْ يَقُلْ عِتْقُ رَقَبَةٍ لِأَنَّهُ لَوْ وَرِثَ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ فَنَوَى عَنْ الْكَفَّارَةِ لَمْ يَجُزْ نَهْرٌ (قَوْلُهُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ) أَيْ تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا، حَتَّى لَوْ أَعْطَى مِسْكَيْنَا وَاحِدًا فِي عَشَرَةِ أَيَّامٍ كُلَّ يَوْمٍ نِصْفَ صَاعٍ يَجُوزُ، وَلَوْ أَعْطَاهُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ بِدَفَعَاتٍ فِي عَشْرِ سَاعَاتٍ، قِيلَ يُجْزِئُ، وَقِيلَ لَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ إنَّمَا جَازَ إعْطَاؤُهُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ مِسْكِينٍ آخَرَ لِتَجَدُّدِ الْحَاجَةِ مِنْ حَاشِيَةِ السَّيِّدِ أَبِي السُّعُودِ. وَفِيهَا: يَجُوزُ أَنْ يَكْسُوَ مِسْكِينًا وَاحِدًا فِي عَشْرِ سَاعَاتٍ مِنْ يَوْمٍ عَشَرَةَ أَثْوَابٍ أَوْ ثَوْبًا وَاحِدًا، بِأَنْ يُؤَدِّيَهُ إلَيْهِ ثُمَّ يَسْتَرِدَّهُ مِنْهُ إلَيْهِ أَوْ إلَى غَيْرِهِ بِهِبَةٍ أَوْ غَيْرِهَا لِأَنَّ لِتَبَدُّلِ الْوَصْفِ تَأْثِيرًا فِي تَبَدُّلِ الْعَيْنِ، لَكِنْ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ الْكَشْفِ، وَقَوْلُهُ لَكِنْ لَا يَجُوزُ يَحْتَمِلُ تَعَلُّقَهُ بِالثَّانِيَةِ فَقَطْ أَوْ بِهَا وَبِالْأَوْلَى أَيْضًا وَهُوَ الظَّاهِرُ بِدَلِيلِ مَا قَدَّمْنَاهُ. اهـ.

قُلْت: وَمُرَادُهُ بِالثَّانِيَةِ قَوْلُهُ أَوْ ثَوْبًا وَاحِدًا. وَفِي الْجَوْهَرَةِ: وَإِذَا أَطْعَمَهُمْ بِلَا إدَامٍ لَمْ يَجُزْ إلَّا فِي خُبْزِ الْحِنْطَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>