للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَمَصْرِفُهَا مَصْرِفُ الزَّكَاةِ) فَمَا لَا فَلَا، قِيلَ إلَّا الذِّمِّيَّ خِلَافًا لِلثَّانِي، وَبِقَوْلِهِ يُفْتَى كَمَا مَرَّ فِي بَابِهَا

(وَلَا كَفَّارَةَ بِيَمِينِ كَافِرٍ وَإِنْ حَنَّثَ مُسْلِمًا) بِآيَةِ - {إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ} [التوبة: ١٢]- وَأَمَّا - {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ} [التوبة: ١٢]- فَيَعْنِي الصُّورِيَّ كَتَحْلِيفِ الْحَاكِمِ (وَهُوَ) أَيْ الْكُفْرُ (يُبْطِلُهَا) إذَا عَرَضَ بَعْدَهَا. (فَلَوْ حَلَّفَ مُسْلِمًا ثُمَّ ارْتَدَّ) وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى (ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ حَنِثَ فَلَا كَفَّارَةَ) أَصْلًا، لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْأَوْصَافَ الرَّاجِعَةَ لِلْمَحَلِّ يَسْتَوِي فِيهَا الِابْتِدَاءُ وَالْبَقَاءُ كَالْمَحْرَمِيَّةِ فِي النِّكَاحِ، وَكَذَا لَوْ نَذَرَ الْكَافِرُ بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ

(وَمَنْ حَلَفَ عَلَى مَعْصِيَةٍ كَعَدَمِ الْكَلَامِ مَعَ أَبَوَيْهِ أَوْ قَتْلِ فُلَانٍ) وَإِنَّمَا قَالَ (الْيَوْمَ) لِأَنَّ وُجُوبَ الْحِنْثِ لَا يَتَأَتَّى إلَّا فِي الْيَمِينِ الْمُؤَقَّتَةِ. أَمَّا الْمُطْلَقَةُ فَحِنْثُهُ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ، فَيُوصَى بِالْكَفَّارَةِ بِمَوْتِ الْحَالِفِ وَيُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهِ بِهَلَاكِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ غَايَةٌ (وَجَبَ الْحِنْثُ وَالتَّكْفِيرُ) لِأَنَّهُ أَهْوَنُ الْأَمْرَيْنِ.

وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ إمَّا فِعْلٌ أَوْ تَرْكٌ، وَكُلُّ مِنْهُمَا إمَّا مَعْصِيَةٌ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمَتْنِ، أَوْ وَاجِبٌ كَحَلِفِهِ لَيُصَلِّيَنَّ الظُّهْرَ الْيَوْمَ وَبِرُّهُ فَرْضٌ، أَوْ هُوَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ أَوْ غَيْرُهُ أَوْلَى مِنْهُ كَحَلِفِهِ عَلَى تَرْكِ وَطْءِ زَوْجَتِهِ شَهْرًا وَنَحْوِهِ وَحِنْثُهُ أَوْلَى، أَوْ مُسْتَوِيَانِ كَحَلِفِهِ لَا يَأْكُلُ هَذَا الْخُبْزَ مَثَلًا وَبِرُّهُ أَوْلَى، وَآيَةُ - {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة: ٨٩]- تُفِيدُ وُجُوبَهُ فَتْحٌ

ــ

[رد المحتار]

قَبْلَ الْحِنْثِ وَقُلْنَا لَا يُجْزِيه لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ مِنْ الْفَقِيرِ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ لِلَّهِ تَعَالَى قَصَدَ بِهِ الْقُرْبَةَ مَعَ شَيْءٍ آخَرَ، وَقَدْ حَصَلَ التَّقَرُّبُ وَتَرَتَّبَ الثَّوَابُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَهُ وَيُبْطِلَهُ فَتْحٌ

(قَوْلُهُ فَمَا لَا فَلَا) أَيْ مَا لَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ لَا يَجُوزُ دَفْعُ الْكَفَّارَةِ إلَيْهِ (قَوْلُهُ إلَّا الذِّمِّيَّ) فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ وَيَجُوزُ دَفْعُ غَيْرِهَا (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلثَّانِي) فَعِنْدَهُ لَا اسْتِثْنَاءَ (قَوْلُهُ فِي بَابِهَا) أَيْ الزَّكَاةِ

(قَوْلُهُ فَيَعْنِي الصُّورِيَّ) أَيْ الْمُرَادُ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْيَمِينُ صُورَةً كَتَحْلِيفِ الْقَاضِي لَهُمْ إذْ الْمَقْصُودُ مِنْهَا رَجَاءُ النُّكُولِ، وَالْكَافِرُ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ فِي حَقِّهِ شَرْعًا الْيَمِينُ الْمُسْتَعْقِبُ لِحُكْمِهِ لَكِنَّهُ فِي نَفْسِهِ يَعْتَقِدُ تَعْظِيمَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُرْمَةَ الْيَمِينِ بِهِ كَاذِبًا فَيَمْتَنِعُ عَنْهُ فَيَحْصُلُ الْمَقْصُودُ فَشُرِعَ إلْزَامُهُ بِصُورَتِهَا لِهَذِهِ الْفَائِدَةِ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ يُبْطِلُهَا) مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ بِالْحِنْثِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ (قَوْلُهُ لِمَا تَقَرَّرَ إلَخْ) عِلَّةٌ لِكَوْنِ الْكُفْرِ الْعَارِضِ مُبْطِلًا لِلْيَمِينِ كَالْكُفْرِ الْأَصْلِيِّ كَحُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ الْعَارِضَةِ؛ كَمَا إذَا زَنَى بِأُمِّ امْرَأَتِهِ فَإِنَّهَا تَمْنَعُ بَقَاءَ الصِّحَّةِ كَالْحُرْمَةِ الْأَصْلِيَّةِ لِأَنَّ الْكُفْرَ وَالْمَحْرَمِيَّةَ مِنْ الْأَوْصَافِ الرَّاجِعَةِ لِلْمَحَلِّ وَهُوَ الْكَافِرُ وَالْمُحَرَّمُ، فَيَسْتَوِي فِيهَا الِابْتِدَاءُ وَالْبَقَاءُ: أَيْ الطُّرُوُّ وَالْعُرُوضُ، وَلَمْ أَرَ هَذَا التَّعْلِيلَ لِغَيْرِهِ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ أَمَّا الْمُطْلَقَةُ فَحِنْثُهُ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ) هَذَا إذَا كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ إثْبَاتًا، أَمَّا إنْ كَانَ نَفْيًا فَيَتَأَتَّى الْحِنْثُ فِي الْحَالِ بِأَنْ يُكَلِّمَ أَبَوَيْهِ، وَبِهَذَا عَرَفْت أَنَّ الْيَوْمَ قَيْدٌ فِي الثَّانِي فَقَطْ ح (قَوْلُهُ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فِي آخِرِ الْحَيَاةِ لِيَشْمَلَ حَيَاةَ الْحَالِفِ وَحَيَاةَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَيُكَفِّرُ) عَطْفٌ عَلَى يُوصِي (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَهْوَنُ الْأَمْرَيْنِ) لِأَنَّهُ فِيهِ تَفْوِيتُ الْبِرِّ إلَى جَابِرٍ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ وَلَا جَابِرَ لِلْمَعْصِيَةِ لَوْ بَرَّ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَحَاصِلُهُ) أَيْ حَاصِلُ مَا قِيلَ فِي هَذَا الْعَامِ لَا حَاصِلُ الْمَتْنِ فَإِنَّهُ قَاصِرٌ عَلَى الْحَلِفِ بِمَعْصِيَةٍ فِعْلًا وَتَرْكًا ط (قَوْلُهُ كَحَلِفِهِ لَيُصَلِّيَنَّ الظُّهْرَ الْيَوْمَ) هَذَا مِثَالٌ لِلْفِعْلِ، وَمِثَالُ التَّرْكِ وَاَللَّهِ لَا أَشْرَبُ الْخَمْرَ الْيَوْمَ ح (قَوْلُهُ أَوْ هُوَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ) مِثَالُ الْفِعْلِ مِنْهُ وَاَللَّهِ لَأُصَلِّيَنَّ الضُّحَى الْيَوْمَ، وَمِثَالُ التَّرْكِ وَاَللَّهِ لَا آكُلُ الْبَصَلَ، وَحُكْمُ هَذَا الْقَسَمِ بِقِسْمَيْهِ أَنَّ بِرَّهُ أَوْلَى أَوْ وَاجِبٌ ح أَيْ عَلَى مَا بَحَثَهُ الْكَمَالُ فِي الْقِسْمِ الْخَامِسِ (قَوْلُهُ كَحَلِفِهِ عَلَى تَرْكٍ إلَخْ) هَذَا مِثَالُ التَّرْكِ، وَمِثَالُ الْفِعْلِ وَاَللَّهِ لَآكُلَنَّ الْبَصَلَ الْيَوْمَ ح (قَوْلُهُ وَنَحْوُهُ) أَيْ نَحْوُ الشَّهْرِ مِمَّا لَمْ يَبْلُغْ مُدَّةَ الْإِيلَاءِ وَإِلَّا كَانَ مِنْ قَسَمِ الْمَعْصِيَةِ (قَوْلُهُ أَوْ مُسْتَوِيَانِ) أَيْ الْفِعْلُ وَالتَّرْكُ بِأَنْ لَمْ يَتَرَجَّحْ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْحَلِفِ بِوُجُوبٍ وَلَا أَوْلَوِيَّةٍ (قَوْلُهُ تُفِيدُ وُجُوبَهُ) هُوَ بَحْثٌ وَجِيهٌ، وَيَجْرِي أَيْضًا فِي الْقَسَمِ الثَّالِثِ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الْوُجُوبَ هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِمْ أَوْلَى وَعَبَّرَ فِي الْمُجْتَمَعِ بِقَوْلِهِ تَرَجَّحَ الْبِرُّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>