للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَوْ تَصَدَّقَ أَوْ وَهَبَ لَمْ يَحْنَثْ بِحُكْمِ الْعُرْفِ زَيْلَعِيٌّ (كَفَّرَ) لِيَمِينِهِ، لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ تَحْرِيمَ الْحَلَالِ يَمِينٌ، وَمِنْهُ قَوْلُهَا لِزَوْجِهَا أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ حَرَّمْتُك عَلَى نَفْسِي، فَلَوْ طَاوَعَتْهُ فِي الْجِمَاعِ أَوْ أَكْرَههَا كَفَّرَتْ مُجْتَبًى. وَفِيهِ قَالَ: لِقَوْمٍ كَلَامُكُمْ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ كَلَامُ الْفُقَرَاءِ أَوْ أَهْلِ بَغْدَادَ أَوْ أَكْلُ هَذَا الرَّغِيفِ عَلَيَّ حَرَامٌ حَنِثَ بِالْبَعْضِ، وَفِي وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُكُمْ أَوْ لَا آكُلُهُ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا بِالْكُلِّ. زَادَ فِي الْأَشْبَاهِ إلَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْ أَكْلُهُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ

ــ

[رد المحتار]

قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ قَالَ هَذَا الثَّوْبُ عَلَيَّ حَرَامٌ فَلَبِسَهُ حَنِثَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ تَصَدَّقَ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَلَوْ قَالَ لِدَرَاهِمَ فِي يَدِهِ هَذِهِ الدَّرَاهِمُ عَلَيَّ حَرَامٌ، إنْ اشْتَرَى بِهَا حَنِثَ، وَإِنْ تَصَدَّقَ بِهَا أَوْ وَهَبَهَا لَمْ يَحْنَثْ بِحُكْمِ الْعُرْفِ اهـ أَيْ أَنَّ الْعُرْفَ جَارٍ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ تَحْرِيمُ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا لِنَفْسِهِ، بِأَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا مَا يَأْكُلُهُ أَوْ يَلْبَسُهُ لَا بِأَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ قَضَى بِهَا دَيْنَهُ لَا يَحْنَثُ تَأَمَّلْ. وَفِي الْبَحْرِ: وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلدَّرَاهِمِ، بَلْ لَوْ وَهَبَ مَا جَعَلَهُ حَرَامًا أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّحْرِيمِ حُرْمَةُ الِاسْتِمْتَاعِ (قَوْلُهُ لِيَمِينِهِ) أَيْ لِأَجْلِ يَمِينِهِ الَّتِي حَنِثَ بِهَا، فَهُوَ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ كَفَّرَ، وَقَوْلُهُ لِمَا تَقَرَّرَ إلَخْ عِلَّةٌ لِكَوْنِ ذَلِكَ يَمِينًا فَهُوَ عِلَّةٌ لِلْعِلَّةِ. وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ تَحْرِيمَ الْحَلَالِ قَدْ لَا يَكُونُ يَمِينًا بِأَنْ قَصَدَ الْإِخْبَارَ لِأَنَّهُ إذَا قَصَدَ الْإِخْبَارَ لَمْ يُوجَدْ التَّحْرِيمُ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ إنْشَاءٌ وَالْإِخْبَارَ حِكَايَةٌ فَافْهَمْ، وَدَلِيلُ كَوْنِ التَّحْرِيمِ يَمِينًا مَبْسُوطٌ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ حَنِثَ الْبَعْضُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: ثُمَّ إذَا فَعَلَ مِمَّا حَرَّمَهُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا حَنِثَ وَوَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ إذَا ثَبَتَ تَنَاوَلَ كُلَّ جُزْءٍ مِنْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا بِالْكُلِّ) أَيْ بِكَلَامِ كُلِّ الْقَوْمِ الْمُخَاطَبِينَ وَأَكْلِ كُلِّ الرَّغِيفِ، فَلَا يَحْنَثُ بِكَلَامِ بَعْضِهِمْ وَلَا أَكْلِ لُقْمَةٍ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَجَزَمَ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْمُحِيطِ فِي: أَكْلُ الرَّغِيفِ عَلَيَّ حَرَامٌ بِأَنَّهُ يَحْنَثُ بِلُقْمَةٍ، وَلَعَلَّ وَجْهَ الْفَرْقِ أَنَّ تَحْرِيمَهُ الرَّغِيفَ عَلَى نَفْسِهِ تَحْرِيمُ أَجْزَائِهِ أَيْضًا، وَفِي لَا آكُلُهُ إنَّمَا مَنَعَ نَفْسَهُ مِنْ أَكْلِ الرَّغِيفِ كُلِّهِ فَلَا يَحْنَثُ بِالْبَعْضِ، وَبِهَذَا يَضْعُفُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ، قَالَ مَشَايِخُنَا الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَكْلُ هَذَا الرَّغِيفِ عَلَيَّ حَرَامٌ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ لُقْمَةٍ مِنْهُ لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا آكُلُ هَذَا الرَّغِيفَ؛ وَلَوْ قَالَ هَكَذَا لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْبَعْضِ. اهـ.

قُلْت: وَيُشِيرُ إلَى هَذَا الْفَرْقِ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْهِدَايَةِ. وَتَوْضِيحُهُ أَنَّ الرَّغِيفَ اسْمٌ لِكُلِّهِ وَبِأَكْلِ بَعْضِهِ لَا يُسَمَّى آكِلًا لَهُ لَكِنْ إذَا حَرَّمَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَقَدْ جَعَلَهُ بِمَنْزِلَةِ مُحَرَّمِ الْعَيْنِ حَيْثُ نَسَبَ التَّحْرِيمَ إلَى ذَاتِ الرَّغِيفِ وَجَعَلَهُ بِمَنْزِلَةِ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَمَا كَانَ مُحَرَّمًا لَا يَحِلُّ تَنَاوُلُ قَلِيلِهِ وَلَا كَثِيرِهِ، وَحَيْثُ جَعَلْنَا هَذَا التَّحْرِيمَ يَمِينًا صَارَ حَالِفًا عَلَى عَدَمِ تَنَاوُلِ شَيْءٍ مِنْهُ لِأَنَّ ذَلِكَ مَدْلُولُ الْأَصْلِ وَهُوَ التَّحْرِيمُ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا آكُلُهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَنْعُ نَفْسِهِ عَنْ كُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ بَلْ عَنْ جَمِيعِهِ، لَكِنْ أَيَّدَ فِي الْبَحْرِ كَلَامَ الْخَانِيَّةِ بِأَنَّ حُرْمَةَ الْعَيْنِ يُرَادُ مِنْهَا تَحْرِيمُ الْفِعْلِ، فَإِذَا قَالَ هَذَا الطَّعَامُ عَلَيَّ حَرَامٌ فَالْمُرَادُ أَكْلُهُ وَفِي هَذَا الثَّوْبِ الْمُرَادُ لُبْسُهُ.

قُلْت: وَفِيهِ أَنَّ إسْنَادَ الْحُرْمَةِ إلَى الْعَيْنِ حَقِيقَةٌ عِنْدَنَا كَمَا تَقَرَّرَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ عَلَى مَعْنَى إخْرَاجِ الْعَيْنِ عَنْ مَحَلِّيَّةِ الْفِعْلِ لِيَنْتَفِ الْفِعْلُ بِالْأَوْلَى، فَالْمَقْصُودُ نَفْيُ الْفِعْلِ وَتَوْصِيفُهُ بِالْحُرْمَةِ بِطَرِيقِ الْكِنَايَةِ وَالِانْتِقَالِ عَنْ نَفْيِ الْعَيْنِ، فَلَا بُدَّ مِنْ ظُهُورِ الْفَرْقِ بَيْنَ إسْنَادِ الْحُرْمَةِ إلَى الْفِعْلِ ابْتِدَاءً وَإِسْنَادِهَا إلَى الْعَيْنِ وَقَدْ ظَهَرَ فِيمَا ذَكَرُوهُ هُنَا، لَكِنَّ هَذَا يَظْهَرُ فِي قَوْلِهِ هَذَا الرَّغِيفُ عَلَيَّ حَرَامٌ. أَمَّا لَوْ قَالَ أَكْلُ هَذَا الرَّغِيفِ عَلَيَّ حَرَامٌ لَا يَحْنَثُ بِالْبَعْضِ لِإِسْنَادِهِ الْحُرْمَةَ إلَى الْفِعْلِ فَصَارَ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا آكُلُهُ وَمِثْلُهُ كَلَامُكُمْ عَلَيَّ حَرَامٌ، لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لَمْ تُضَفْ إلَى الْعَيْنِ بَلْ الْفِعْلِ وَهُوَ الْكَلَامُ بِمَعْنَى التَّكْلِيمِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ ذَلِكَ مَعَ أَنَّ الَّذِي فِي الْخَانِيَّةِ هَذَا الرَّغِيفُ بِدُونِ لَفْظَةِ أَكْلُ عَلَى خِلَافِ مَا نَقَلَهُ فِي النَّهْرِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ الْمَارُّ إلَّا بِدُونِ لَفْظَةِ أَكْلُ، نَعَمْ وَقَعَ التَّعْبِيرُ بِهَا فِي غَيْرِ الْخَانِيَّةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُشْكِلَةٌ فَلْتُحَرَّرْ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْ إلَخْ) أَيْ فَيَحْنَثُ بِأَكْلِ بَعْضِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ لِمَشَايِخِنَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>