فَتَدَبَّرْ.
حَلَفَ (لَيَأْتِيَنَّهُ غَدًا إنْ اسْتَطَاعَ فَهِيَ) اسْتِطَاعَةُ الصِّحَّةِ لِأَنَّهُ الْمُتَعَارَفُ فَتَقَعُ (عَلَى رَفْعِ الْمَوَانِعِ) كَمَرَضٍ أَوْ سُلْطَانٍ وَكَذَا جُنُونٌ أَوْ نِسْيَانٌ بَحْرٌ بَحْثًا (وَإِنْ نَوَى) بِهَا (الْقُدْرَةَ) الْحَقِيقِيَّةَ الْمُقَارِنَةَ لِلْفِعْلِ (صَدَقَ دِيَانَةً) لَا قَضَاءً عَلَى الْأَوْجَهِ فَتْحٌ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَقَدْ أَظْهَرَ الزَّاهِدِيُّ اعْتِزَالَهُ هُنَا فِي الْمُجْتَبَى أَظْهَرَهُ فِي الْقُنْيَةِ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ أَلْفَاظِ التَّكْفِيرِ.
(لَا تَخْرُجِي) بِغَيْرِ إذْنِي أَوْ (إلَّا بِإِذْنِي) أَوْ بِأَمْرِي أَوْ بِعِلْمِي أَوْ بِرِضَايَ
ــ
[رد المحتار]
أَيْ أَوَّلَ الْأَيْمَانِ (قَوْلُهُ فَتَدَبَّرْ) أَمْرٌ بِالتَّدَبُّرِ إشَارَةً إلَى خَفَاءِ إفَادَةِ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ حَنِثَ وَوَجْهُهَا أَنَّ حِنْثَهُ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ الْيَمِينِ صَحِيحَةً قَبْلَ الْمَوْتِ، إذْ الْبَاطِلَةُ لَا حِنْثَ فِيهَا وَالْحُكْمُ بِاللِّحَاقِ مُرْتَدًّا وَإِنْ كَانَ مَوْتًا حُكْمًا لَكِنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ هُنَا لِبُطْلَانِ الْيَمِينِ بِمُجَرَّدِ الرَّدِّ قَبْلَ الْحُكْمِ بِاللِّحَاقِ الَّذِي هُوَ فِي حُكْمِ الْمَوْتِ فَحَيْثُ بَطَلَتْ الْيَمِينُ قَبْلَ الْمَوْتِ عُلِمَ أَنَّ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ حَتَّى مَاتَ الْمَوْتُ الْحَقِيقِيُّ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ الْحِنْثُ بِالْمَوْتِ الْحُكْمِيِّ فَافْهَمْ.
مَطْلَبُ حَلَفَ لَيَأْتِيَنَّهُ إنْ اسْتَطَاعَ
(قَوْلُهُ فَهِيَ اسْتِطَاعَةُ الصِّحَّةِ) أَيْ الِاسْتِطَاعَةُ الْمَعْلُومَةُ مِنْ اسْتَطَاعَ هِيَ سَلَامَةُ آلَاتِ الْفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَصِحَّةُ أَسْبَابِهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَالْمُرَادُ بِالْآلَاتِ الْجَوَارِحُ فَالْمَرِيضُ لَيْسَ بِمُسْتَطِيعٍ وَصِحَّةُ الْأَسْبَابِ تَهْيِئَةٌ لِإِرَادَةِ الْفِعْلِ عَلَى وَجْهِ الِاخْتِيَارِ، فَخَرَجَ الْمَمْنُوعُ نَهْرٌ أَيْ مَنْ مَنَعَهُ سُلْطَانٌ وَنَحْوُهُ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ الْمُتَعَارَفُ) أَيْ الْمَعْنَى الْمَذْكُورُ هُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى - {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: ٩٧]- بِخِلَافِ الْمَعْنَى الْآتِي فِي الْمَتْنِ (قَوْلُهُ فَتَقَعُ عَلَى رَفْعِ الْمَوَانِعِ) يَشْمَلُ الْمَانِعَ الْمَعْنَوِيَّ كَالْمَرَضِ وَالْحِسِّيَّ كَالْقَيْدِ وَنَحْوِهِ فَيُسْتَغْنَى بِذَلِكَ عَنْ ذِكْرِ سَلَامَةِ الْآلَاتِ، وَلِهَذَا فَسَّرَهَا مُحَمَّدٌ بِقَوْلِهِ إذَا لَمْ يَمْرَضْ وَلَمْ يَمْنَعْهُ السُّلْطَانُ وَلَمْ يَجِئْ أَمْرٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى إتْيَانِهِ فَلَمْ يَأْتِهِ حَنِثَ. اهـ. (قَوْلُهُ بَحْرٌ بَحْثًا) حَيْثُ قَالَ: فَيَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا نَسِيَ الْيَمِينَ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ النِّسْيَانَ مَانِعٌ وَكَذَا لَوْ جُنَّ فَلَمْ يَأْتِهِ حَتَّى مَضَى الْغَدُ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ الْمُقَارِنَةَ لِلْفِعْلِ) أَيْ الَّتِي تُخْلَقُ مَعَهُ بِلَا تَأْثِيرٍ لَهَا فِيهِ لِأَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ صَدَقَ دِيَانَةً) فَإِذَا لَمْ يَأْتِهِ لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِهِ لَا يَحْنَثُ كَأَنَّهُ قَالَ لَآتِيَنَّك إنْ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى إتْيَانِي وَهُوَ إذَا لَمْ يَأْتِ لَمْ يُخْلَقْ إتْيَانُهُ وَلَا اسْتِطَاعَتُهُ الْمُقَارِنَةُ وَإِلَّا لَأَتَى فَتْحٌ.
(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَقِيلَ يَصْدُقُ دِيَانَةً وَقَضَاءً لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ لِأَنَّ اسْمَ الِاسْتِطَاعَةِ يُطْلَقُ بِالِاشْتِرَاكِ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا لَكِنْ تُعُورِفَ اسْتِعْمَالُهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَنْ الْقَرِينَةِ لِأَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ بِخُصُوصِهِ فَصَارَ ظَاهِرًا فِيهِ بِخُصُوصِهِ فَلَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي بِخِلَافِ الظَّاهِرِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَدْ أَظْهَرَ الزَّاهِدِيُّ اعْتِزَالَهُ هُنَا) وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي بَابِ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ حَيْثُ قَالَ: إنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ الْعَدْلِ وَالتَّوْحِيدِ أَنَّهُ لَيْسَ لِإِنْسَانٍ أَنْ يَجْعَلَ ثَوَابَ عَمَلِهِ لِغَيْرِهِ، وَأَرَادَ بِهِمْ أَهْلَ الِاعْتِزَالِ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ، وَعِبَارَتُهُ هُنَا وَفِي قَوْلِهِ أَيْ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ حَقِيقَةُ الِاسْتِطَاعَةِ فِيمَا يُقَارِنُ الْفِعْلَ نَظَرٌ قَوِيٌّ لِأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى مَذْهَبِ الْأَشْعَرِيَّةِ وَالسُّنِّيَّةِ أَنَّ الْقُدْرَةَ تُقَارِنُ الْفِعْلَ وَأَنَّهُ بَاطِلٌ، إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا كَانَ فِرْعَوْنُ وَهَامَانُ وَسَائِرُ الْكَفَرَةِ الَّذِينَ مَاتُوا عَلَى الْكُفْرِ قَادِرِينَ عَلَى الْإِيمَانِ وَكَانَ تَكْلِيفُهُمْ بِالْإِيمَانِ تَكْلِيفًا بِمَا لَا يُطَاقُ وَكَانَ إرْسَالُ الرُّسُلِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَإِنْزَالُ الْكُتُبِ وَالْأَوَامِرُ وَالنَّوَاهِي وَالْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ ضَائِعَةً فِي حَقِّهِمْ اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهُوَ غَلَطٌ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ لَيْسَ مَشْرُوطًا بِهَذِهِ الْقُدْرَةِ حَتَّى يَلْزَمَ مَا ذَكَرَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ مَشْرُوطٌ بِالْقُدْرَةِ الظَّاهِرَةِ وَهِيَ سَلَامَةُ الْآلَاتِ وَصِحَّةُ الْأَسْبَابِ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute