وَمَا فِي التَّبْيِينِ مِنْ حِنْثِهِ فِي لَا يَرْكَبُ حَيَوَانًا بِرُكُوبِ الْإِنْسَانِ رَدَّهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ الْعُرْفَ الْعَمَلِيَّ مُخَصَّصٌ عِنْدَنَا كَالْعُرْفِ الْقَوْلِيِّ.
(وَلَحْمُ الْإِنْسَانِ وَالْكِبْدُ وَالْكَرِشُ) وَالرِّئَةُ وَالْقَلْبُ وَالطِّحَالِ (وَالْخِنْزِيرُ لَحْمٌ) هَذَا فِي عُرْفِ أَهْلِ الْكُوفَةِ أَمَّا فِي عُرْفِنَا فَلَا كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا
ــ
[رد المحتار]
مَطْلَبُ فِي اعْتِبَارِ الْعُرْفِ الْعَمَلِيِّ كَالْعُرْفِ اللَّفْظِيِّ
(قَوْلُهُ وَمَا فِي التَّبْيِينِ) أَيْ تَبْيِينِ الْكَنْزِ لِلزَّيْلَعِيِّ حَيْثُ قَالَ: وَذَكَرَ الْعَتَّابِيُّ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ، وَالْآدَمِيِّ وَقَالَ فِي الْكَافِي: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى فَأَنَّهُ اعْتَبَرَ فِيهِ الْعُرْفَ، وَلَكِنَّ هَذَا عُرْفٌ عَمَلِيٌّ، فَلَا يَصِحُّ مُقَيَّدًا، بِخِلَافِ الْعُرْفِ اللَّفْظِيِّ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةً لَا يَحْنَثُ بِالرُّكُوبِ عَلَى إنْسَانٍ لِلْعُرْفِ اللَّفْظِيِّ فَإِنَّ اللَّفْظَ عُرْفًا لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا الْكُرَاعَ، وَإِنْ كَانَ فِي اللُّغَةِ يَتَنَاوَلُهُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ حَيَوَانًا يَحْنَثُ بِالرُّكُوبِ عَلَى إنْسَانٍ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْحَيَوَانِ وَالْعُرْفُ الْعَمَلِيُّ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُرْكَبُ عَادَةً لَا يَصْلُحُ مُقَيِّدًا. اهـ. (قَوْلُهُ رَدَّهُ فِي النَّهْرِ) وَكَذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ رَدَّهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، بِأَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ، لِتَصْرِيحِ أَهْلِ الْأُصُولِ بِقَوْلِهِمْ الْحَقِيقَةُ تُتْرَكُ بِدَلَالَةِ الْعَادَةِ إذْ لَيْسَتْ الْعَادَةُ إلَّا عُرْفًا عَمَلِيًّا، وَلَمْ يُجِبْ أَيْ صَاحِبُ الْفَتْحِ عَنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الدَّابَّةِ وَالْحَيَوَانِ، وَهِيَ وَارِدَةٌ عَلَيْهِ إنْ سَلَّمَهَا. اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يُسَلِّمُهَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ رَدَّ مَبْنَاهَا، وَهُوَ عَدَمُ اعْتِبَارِ الْعُرْفِ الْعَمَلِيِّ، وَعِبَارَةُ النَّهْرِ هَكَذَا وَفِي بَحْثِ التَّخْصِيصِ مِنْ التَّحْرِيرِ مَسْأَلَةُ: الْعَادَةُ الْعُرْفُ الْعَمَلِيُّ مُخَصَّصٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ، كَحَرَّمْت الطَّعَامَ، وَعَادَتُهُمْ أَكْلُ الْبُرِّ انْصَرَفَ إلَيْهِ، وَهُوَ الْوَجْهُ أَمَّا بِالْعُرْفِ الْقَوْلِيِّ فَاتِّفَاقٌ كَالدَّابَّةِ لِلْحِمَارِ وَالدَّرَاهِمِ عَلَى النَّقْدِ الْغَالِبِ، وَفِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ أَنَّ الْعُرْفَ الْعَمَلِيَّ يَصْلُحُ مُقَيَّدًا عِنْدَ بَعْضِ مَشَايِخِ بَلْخٍ لِمَا ذُكِرَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ فِي مَسْأَلَةِ إذَا كَانَتْ الْحَقِيقَةُ مُسْتَعْمَلَةً وَالْمَجَازُ مُتَعَارَفًا اهـ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَهَذِهِ النُّقُولُ تُؤْذِنُ بِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِرُكُوبِ الْآدَمِيِّ فِي لَا يَرْكَبُ حَيَوَانًا
(قَوْلُهُ وَالْكِبْدُ) بِالرَّفْعِ وَكَذَا مَا بَعْدَهُ عَطْفًا عَلَى " لَحْمُ "، وَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرَ الْخِنْزِيرِ، عَقِبَ الْإِنْسَانِ كَمَا فَعَلَ فِي الْكَنْزِ لِيَكُونَ مَجْرُورًا عَطْفًا عَلَى الْإِنْسَانِ بِإِضَافَةِ " لَحْمُ " إلَيْهِمَا لِأَنَّهُمَا أَعَمُّ، فَتَكُونُ مِنْ إضَافَةِ الْجُزْءِ إلَى الْكُلِّ بِخِلَافِ الْكَبِدِ، وَمَا بَعْدَهُ، فَإِنَّ اللَّحْمَ لَيْسَ جُزْءًا مِنْهُ بَلْ هُوَ عَيْنُهُ، فَلِذَا قُلْنَا إنَّهُ بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى الْمُضَافِ، وَإِنْ صَحَّ جَرُّهُ عَطْفًا عَلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ عَلَى جَعْلِ الْإِضَافَةِ فِيهِ بَيَانِيَّةً لَكِنْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ اخْتِلَافُ الْإِضَافَتَيْنِ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ، وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ الْكِبْدُ بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِهَا مَعَ سُكُونِ الْبَاءِ وَالْكَرِشُ بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِهَا (قَوْلُهُ وَالرِّئَةُ) بِالْهَمْزَةِ، وَيَجُوزُ قَلْبُهَا يَاءً السَّحْرُ مِصْبَاحٌ وَفِيهِ السَّحْرُ وِزَانُ فَلْسٍ، وَسَبَبٍ وَقُفْلٍ هُوَ الرِّئَةُ وَقِيلَ: مَا لَصِقَ بِالْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ مِنْ أَعْلَى الْبَطْنِ وَقِيلَ كُلُّ مَا تَعَلَّقَ بِالْحُلْقُومِ مِنْ كِبْدٍ وَقَلْبٍ وَرِئَةٍ (قَوْلُهُ لَحْمٌ) خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ أَيْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتُ دَاخِلَةٌ فِي مُسَمَّى اللَّحْمِ (قَوْلُهُ هَذَا إلَخْ) الْإِشَارَةُ إلَى الْكِبْدِ وَالْأَرْبَعَةِ الَّتِي بَعْدَهُ، وَعِبَارَةُ الْبَحْرِ وَفِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا فَأَكَلَ شَيْئًا مِنْ الْبُطُونِ كَالْكَبِدِ وَالطِّحَالِ يَحْنَثُ فِي عُرْفِ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَفِي عُرْفِنَا لَا يَحْنَثُ، وَهَكَذَا فِي الْمُحِيطِ وَالْمُجْتَبَى، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يُسَمَّى لَحْمًا فِي عُرْفِ أَهْلِ مِصْرَ أَيْضًا فَعُلِمَ أَنَّ مَا فِي الْمُخْتَصَرِ أَيْ الْكَنْزِ مَبْنِيٌّ عَلَى عُرْفِ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْعُرْفِ اهـ كَلَامُ الْبَحْرِ.
قُلْت، وَأَمَّا لَحْمُ الْإِنْسَانِ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ فَهُوَ لَحْمٌ حَقِيقَةً لُغَةً وَعُرْفًا، فَلِذَا مَشَى الْمُصَنِّفُ كَغَيْرِهِ عَلَى أَنَّهُ يَحْنَثُ بِهِ لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْفَتْحِ أَنَّ لَفْظَ آكُلُ لَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ عُرْفًا وَإِنْ كَانَ فِي الْعُرْفِ يُسَمَّى لَحْمًا كَمَا مَرَّ فِي لَا يَرْكَبُ دَابَّةَ فُلَانٍ فَإِنَّ الْعُرْفَ اُعْتُبِرَ فِي رَكِبَ وَالْمُتَبَادَرُ مِنْهُ رُكُوبُ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ وَهِيَ الْحِمَارُ وَالْبَغْلُ وَالْفَرَسُ، وَإِنْ كَانَ لَفْظُ دَابَّةٍ فِي الْعُرْفِ يَشْمَلُ غَيْرَهَا أَيْضًا كَالْبَقَرِ وَالْإِبِلِ، فَقَدْ تَقَيَّدَ الرُّكُوبُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ بِالْعُرْفِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute