للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ثَوْبًا دُيِّنَ) إذَا قَالَ عَنَيْت شَيْئًا دُونَ شَيْءٍ لِأَنَّهُ ذَكَرَ اللَّفْظَ الْعَامَّ الْقَابِلَ لِلتَّخْصِيصِ لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ فَتَعُمُّ كَالنَّكِرَةِ فِي النَّفْيِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا تَصِحُّ فِي الْمَلْفُوظِ إلَّا فِي ثَلَاثٍ فَيَدِينُ فِي فِعْلِ الْخُرُوجِ وَالْمُسَاكَنَةِ وَتَخْصِيصِ الْجِنْسِ كَحَبَشِيَّةٍ أَوْ عَرَبِيَّةٍ لَا الصِّفَةِ كَكُوفِيَّةٍ أَوْ بَصْرِيَّةٍ فَتْحٌ.

ــ

[رد المحتار]

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا مَحَلَّ لِذِكْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُنَا بَلْ مَحَلُّهَا بَعْدَ قَوْلِهِ: وَلَوْ ضَمَّ طَعَامًا إلَخْ كَمَا فَعَلَهُ فِي الْبَحْرِ: أَيْ فِيمَا إذَا صَرَّحَ بِالْمَفْعُولِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ التَّعْلِيلُ بِقَوْلِهِ لِنِيَّتِهِ مُحْتَمَلَ كَلَامِهِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ وَيَكُونُ مَعْنَاهُ لَا أَوْجِدُ أَكْلًا أَوْ شُرْبًا أَوْ لُبْسًا فَيَحْنَثُ بِكُلِّ أَكْلٍ وُجِدَ، وَلِذَا لَمْ تَصِحَّ نِيَّتُهُ الْمُعَيَّنَ مِنْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا صَرَّحَ بِهِ. لِأَنَّ طَعَامًا الْمَذْكُورَ يَحْتَمِلُ الْبَعْضَ وَالْكُلَّ فَأَيَّهُمَا نَوَى صَحَّ، وَلِذَا نَقَلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّهُ يَصْدُقُ قَضَاءً أَيْضًا وَعَلَّلَهُ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْكَشْفِ أَنَّهُ إنَّمَا يَصْدُقُ دِيَانَةً فَقَطْ، وَقَالَ: لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا يَمْنَعُ نَفْسَهُ عَمَّا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَالْكُلُّ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ وَفِيهِ تَخْفِيفٌ عَلَيْهِ أَيْضًا وَتَمَامُهُ فِيهِ.

أَقُولُ: وَيَظْهَرُ لِي تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ إذَا نَوَى الْبَعْضَ إنَّمَا يَصْدُقُ دِيَانَةً فَقَطْ كَمَا يَأْتِي وَهَذَا لَا نِزَاعَ فِيهِ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَصْدُقَ قَضَاءً وَدِيَانَةً إذَا نَوَى الْكُلَّ لِأَنَّ عَدَمَ تَصْدِيقِهِ فِي الْأَوَّلِ قَضَاءٌ لِأَنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ اللَّفْظِ، فَيَكُونُ الظَّاهِرُ الْعُمُومَ وَإِلَّا لَزِمَ تَصْدِيقُهُ قَضَاءً فِي نِيَّةِ الْخُصُوصِ. وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ: إنْ كَلَّمْت آدَمَ أَوْ الرِّجَالَ أَوْ النِّسَاءَ حَنِثَ بِالْفَرْدِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْكُلَّ، قَالَ شَارِحُهُ: فَيَصْدُقُ دِيَانَةً وَقَضَاءً وَلَا يَحْنَثُ أَبَدًا لِأَنَّ الصَّرْفَ إلَى الْأَدْنَى عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لِتَصْحِيحِ كَلَامِهِ، فَإِذَا نَوَى الْكُلَّ فَقَدْ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ فَيَصْدُقُ، وَقِيلَ: لَا يَصْدُقُ قَضَاءً لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ مَهْجُورَةٌ. اهـ. وَسَيَأْتِي هَذَا آخِرَ الْبَابِ، وَتَعْبِيرُهُ عَنْ الثَّانِي بِقِيلَ يُفِيدُ ضَعْفَهُ وَتَرْجِيحَ الْأَوَّلِ كَمَا قُلْنَا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ دُيِّنَ) أَيْ يُوكَلُ إلَى دِينِهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ تَعَالَى وَأَمَّا الْقَاضِي فَلَا يُصَدِّقُهُ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَقَدَّمْنَا فِي الطَّلَاقِ أَنَّ الْمَرْأَةَ كَالْقَاضِي (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ فَتَعُمُّ) لِأَنَّ الْحَلِفَ فِي الشَّرْطِ الْمُثْبَتِ يَكُونُ عَلَى نَفْيِهِ، فَقَوْلُهُ إنْ لَبِسْت ثَوْبًا فِي مَعْنَى لَا أَلْبَسُ ثَوْبًا (قَوْلُهُ إلَّا فِي ثَلَاثٍ فَيَدِينُ إلَخْ) يَعْنِي لَوْ قَالَ: إنْ خَرَجْت فَعَبْدِي حُرٌّ وَنَوَى السَّفَرَ مَثَلًا أَوْ إنْ سَاكَنْت فُلَانًا فَعَبْدِي حُرٌّ وَنَوَى الْمُسَاكَنَةَ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ يَدِينُ لِأَنَّ الْخُرُوجَ فِي نَفْسِهِ مُتَنَوِّعٌ إلَى سَفَرٍ وَغَيْرِهِ حَتَّى اخْتَلَفَتْ أَحْكَامُهَا، فَقَبِلَتْ إرَادَةَ أَحَدِ نَوْعَيْهِ، وَكَذَا الْمُسَاكَنَةُ مُتَنَوِّعَةٌ إلَى كَامِلَةٍ هِيَ الْمُسَاكَنَةُ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ وَمُطْلَقَةٍ وَهِيَ مَا تَكُونُ فِي دَارٍ، فَإِرَادَةُ الْمُسَاكَنَةِ فِي بَيْتٍ إرَادَةُ أَخَصِّ أَنْوَاعِهَا كَمَا فِي الْفَتْحِ.

وَحَاصِلُهُ: أَنَّ النِّيَّةَ صَحَّتْ هُنَا لِكَوْنِ الْمَصْدَرِ مُتَنَوِّعًا لَا بِاعْتِبَارِ عُمُومِهِ فَهُوَ تَخْصِيصُ أَحَدِ نَوْعَيْ الْجِنْسِ، وَزَادَ فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ إنْ اشْتَرَيْت وَنَوَى الشِّرَاءَ لِنَفْسِهِ: أَيْ فَتَصِحُّ نِيَّتُهُ دِيَانَةً، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْمَفْعُولَ لِتَنَوُّعِ الشِّرَاءِ، فَإِنَّهُ تَارَةً يَكُونُ لِنَفْسِهِ. وَتَارَةً يَكُونُ لِمُوَكِّلِهِ وَلِذَا رَتَّبَ عَلَى الْأَوَّلِ الْمِلْكَ، وَعَلَى الثَّانِي الْمِلْكَ لِلْمُوَكِّلِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى الْخُرُوجَ لِبَغْدَادَ أَوْ الْمُسَاكَنَةَ بِالْإِجَارَةِ أَوْ الشِّرَاءَ لِعَبْدٍ، فَإِنَّ الْفِعْلَ فِيهِ غَيْرُ مُتَنَوِّعٍ، فَلَمْ يَصِحَّ تَخْصِيصُهُ بِالنِّيَّةِ بِدُونِ ذِكْرٍ كَمَا فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ.

قُلْت: وَنَظِيرُ ذَلِكَ مَا إذَا قَالَ أَنْتِ بَائِنٌ وَنَوَى الثَّلَاثَ أَوْ الْوَاحِدَةَ يَصِحُّ بِخِلَافِ نِيَّةِ الثِّنْتَيْنِ لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ نَوْعَانِ غَلِيظَةٌ وَخَفِيفَةٌ. فَتَصِحُّ نِيَّةُ إحْدَاهُمَا بِخِلَافِ الثِّنْتَيْنِ لِأَنَّهُ عَدَدٌ مَحْضٌ كَمَا مَرَّ تَقْرِيرُهُ فِي مَحَلِّهِ، لَكِنَّهُ يَصْدُقُ فِي نِيَّتِهِ الْبَيْنُونَةَ قَضَاءً. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَكَذَا أَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ امْرَأَةً وَنَوَى كُوفِيَّةً أَوْ بَصْرِيَّةً لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ تَخْصِيصُ الصِّفَةِ، وَلَوْ نَوَى حَبَشِيَّةً أَوْ عَرَبِيَّةً صَحَّتْ دِيَانَةً لِأَنَّهُ تَخْصِيصُ الْجِنْسِ، ثُمَّ قَالَ: وَكَوْنُ إرَادَةِ نَوْعٍ لَيْسَ تُخْصَيَا لِلْعَامِّ مِمَّا يَقْبَلُ الْمَنْعَ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ قَصْرِ عَامٍّ عَلَى بَعْضِ مُتَنَاوِلَاتِهِ. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>