. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[رد المحتار]
أَقُولُ: قَدْ يُقَالُ لَا عُمُومَ هُنَا وَلَا تَخْصِيصَ لِعَامٍّ، وَإِنَّمَا هُوَ إرَادَةُ أَحَدِ مُحْتَمَلَيْ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ أَوْ أَحَدِ نَوْعَيْ الْجِنْسِ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ وَالتَّلْوِيحِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَبَيَانُهُ أَنَّ الْخُرُوجَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ السَّفَرِ وَالِانْفِصَالِ مِنْ دَاخِلٍ إلَى خَارِجٍ وَكَذَا الْمُسَاكَنَةُ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْكَامِلَةِ وَهِيَ مَا تَكُونُ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ وَمُطْلَقَةٍ وَهِيَ مَا تَكُونُ فِي الدَّارِ مُطْلَقًا، وَكَذَا الشِّرَاءُ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ الْخَاصَّ وَهُوَ مَا يَكُونُ لَهُ وَالْمُطْلَقَ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ الْمُتَبَادَرُ عُرْفًا هُوَ الْمَعْنَى الثَّانِي فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ صُدِّقَ دِيَانَةً فَقَطْ فِي نِيَّةِ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ مِنْهَا، وَلَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَلَهُ نَظَائِرُ فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ لَوْ قَالَ: إنْ جَامَعْتُك أَوْ بَاضَعْتُك فَهُوَ عَلَى الْجِمَاعِ فِي الْفَرْجِ، لِأَنَّهُ الْمُتَفَاهَمُ عُرْفًا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ مَا دُونَهُ لِلِاحْتِمَالِ لَكِنَّهُ لَا يُصْرَفُ عَنْ الظَّاهِرِ فِي الْقَضَاءِ فَيَحْنَثُ بِهِمَا أَيْ إذَا نَوَى مَا دُونَهُ يَحْنَثُ بِهِ عَمَلًا بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِالْحِنْثِ، وَيَحْنَثُ بِالْجِمَاعِ فِي الْفَرْجِ لِتَبَادُرِهِ، وَكَذَا إنْ وَطِئْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ إلَّا أَنْ يَعْنِيَ الْوَطْءَ بِالْقَدَمِ، وَفِي إنْ أَتَيْتُك يَنْوِي لِاسْتِوَاءِ احْتِمَالَيْ الْجِمَاعِ وَالزِّيَارَةِ، لَكِنْ لَوْ نَوَى الزِّيَارَةَ حَنِثَ بِالْجِمَاعِ لِأَنَّهُ زِيَارَةٌ وَزِيَادَةٌ. اهـ. وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ: ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الْمُسْتَثْنَاةِ وَبَيْنَ مَا مَرَّ فِي لَا آكُلُ وَنَحْوِهِ فَإِنَّ حَقِيقَةَ الْأَكْلِ فِيهِ وَاحِدَةٌ فَلَمْ تَصِحَّ نِيَّةُ التَّخْصِيصِ، بِخِلَافِ مَا إذَا صَرَّحَ بِالْمَفْعُولِ فَإِنَّهُ لَفْظٌ صَرِيحٌ فَيَصِحُّ تَخْصِيصُهُ، لَكِنَّ نِيَّةَ التَّخْصِيصِ إنَّمَا تَصِحُّ فِيمَا كَانَ مِنْ أَفْرَادِ ذَلِكَ الْعَامِّ وَهُوَ الْمَأْكُولَاتُ كَالْخُبْزِ وَنَحْوِهِ دُونَ مَا كَانَ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِهِ الضَّرُورِيَّةِ كَالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْوَصْفِ.
فَلَوْ نَوَى فِي زَمَانِ كَذَا لَمْ يَصِحَّ وَمِثْلُهُ لَا أَتَزَوَّجُ امْرَأَةً وَنَوَى حَبَشِيَّةً أَوْ عَرَبِيَّةً فَإِنَّهَا بَعْضُ أَفْرَادِ الْعَامِّ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ أَنْوَاعٌ: حَبَشِيٌّ، وَعَرَبِيٌّ، وَرُومِيٌّ، بِاعْتِبَارِ أُصُولِهِ الَّذِينَ يُنْسَبُ إلَيْهِمْ بِخِلَافِ كُوفِيَّةٍ أَوْ بَصْرِيَّةٍ لِأَنَّهُ وَصْفٌ ضَرُورِيٌّ رَاجِعٌ إلَى تَخْصِيصِ الْمَكَانِ وَهُوَ غَيْرُ مَلْفُوظٍ صَرِيحًا فَلَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ كَبَقِيَّةِ الصِّفَاتِ الضَّرُورِيَّةِ وَمِثْلُهُ مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ: لَا يُكَلِّمُ هَذَا الرَّجُلَ وَنَوَى مَا دَامَ قَائِمًا لَمْ يَصِحَّ بِخِلَافِ، لَا يُكَلِّمُ هَذَا الْقَائِمَ وَنَوَى ذَلِكَ يَدِينُ لِتَخْصِيصِهِ الْمَلْفُوظَ، وَكَذَا لَأَضْرِبَنَّهُ خَمْسِينَ وَنَوَى سَوْطًا بِهِ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَبَرُّ بِأَيِّ شَيْءٍ ضَرَبَهُ وَكَذَا لَا أَتَزَوَّجُ امْرَأَةً أَبُوهَا يَعْمَلُ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ اهـ.
وَظَهَرَ بِمَا قَرَّرَهُ أَيْضًا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ لِأَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا وُجِدَتْ فِي الْمَلْفُوظِ أَيْضًا لِأَنَّ الْفِعْلَ فِيهَا صَارَ مُشْتَرَكًا بِوَاسِطَةِ اشْتِرَاكِ الْمَصْدَرِ تَأَمَّلْ. عَلَى أَنْ لَا أَتَزَوَّجُ امْرَأَةً صَرَّحَ فِيهِ بِالْمَفْعُولِ، فَهُوَ مِثْلُ لَا آكُلُ طَعَامًا وَلَعَلَّهُ ذَكَرَهُ لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ فِيهِ تَخْصِيصُ الْجِنْسِ فَقَطْ دُونَ الْوَصْفِ، لَكِنْ فِيهِ أَنْ لَا آكُلُ طَعَامًا كَذَلِكَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ نَوَى لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ لَمْ يَصِحَّ عَلَى أَنَّهُ يُخَالِفُهُ مَا يَذْكُرُهُ قَرِيبًا فِيمَا لَوْ قَالَ نَوَيْت مِنْ بَلَدِ كَذَا فَإِنَّهُ يَصْدُقُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً، وَلَعَلَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة قَالَ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ قَالَ لَا أَتَزَوَّجُ امْرَأَةً وَنَوَى كُوفِيَّةً أَوْ بَصْرِيَّةً إلَخْ وَذَكَرَ فِيهَا أَيْضًا إنْ تَزَوَّجْت فَعَبْدِي حُرٌّ وَقَالَ عَنَيْت فُلَانَةَ وَامْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ لَا يَصِحُّ وَلَوْ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْت امْرَأَةً وَقَالَ عَنَيْت فُلَانَةَ يَصِحُّ اهـ وَهَذَا ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ لَمْ يَذْكُرْ الْمَفْعُولَ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ يَرِدُ مَا مَرَّ فِي يَمِينِ الْفَوْرِ حَيْثُ خُصِّصَ بِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْقَرِينَةُ كَالْغَدَاءِ الْمَدْعُوِّ إلَيْهِ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْعُرْفَ جَعَلَ اللَّفْظَ كَالْمُصَرَّحِ بِهِ وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ جَوَابًا لِكَلَامٍ قَبْلَهُ لِأَنَّ السُّؤَالَ مُعَادٌ فِيهِ فَلَمْ يَكُنْ تَخْصِيصًا لِلْعَامِّ غَيْرِ الْمَذْكُورِ بِالنِّيَّةِ، وَهَذَا الْمَوْضِعُ مِنْ مُشْكِلَاتِ مَسَائِلِ الْأَيْمَانِ وَلَمْ أَجِدْ مَنْ أَعْطَاهُ حَقَّهُ مِنْ الْبَيَانِ وَمَا ذُكِرَ بِهِ هُوَ غَايَةُ مَا ظَهَرَ لِفَهْمِي الْقَاصِرِ وَفِكْرِي الْفَاتِرِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute