للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِإِمْكَانِ الْبِرِّ حَقِيقَةً ثُمَّ يَحْنَثُ لِلْعَجْزِ عَادَةً، وَلَوْ وَقَّتَ الْيَمِينَ لَمْ يَحْنَثْ مَا لَمْ يَمْضِ ذَلِكَ الْوَقْتُ، وَفِي حِيرَةِ الْفُقَهَاءِ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ لَمْ أَعْرُجْ إلَى السَّمَاءِ هَذِهِ اللَّيْلَةَ فَأَنْتِ كَذَا يَنْصِبُ سُلَّمًا ثُمَّ يَعْرُجُ إلَى سَمَاءِ الْبَيْتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى - {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ} [الحج: ١٥]- أَيْ سَمَاءِ الْبَيْتِ قَالَ الْبَاقَانِيُّ وَالظَّاهِرُ خُرُوجُهَا عَنْ قَاعِدَةِ مَبْنَى الْأَيْمَانِ.

(وَكَذَا) الْحُكْمُ لَوْ حَلَفَ (لَيَقْتُلَنَّ فُلَانًا عَالِمًا بِمَوْتِهِ) إذْ يُمْكِنُ قَتْلُهُ بَعْدَ إحْيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَحْنَثُ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا) بِمَوْتِهِ (فَلَا) يَحْنَثُ لِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى حَيَاةٍ كَانَتْ فِيهِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ كَمَسْأَلَةِ الْكُوزِ وَكَقَوْلِهِ إنْ تَرَكْت مَسَّ السَّمَاءِ فَعَبْدِي حُرٌّ

ــ

[رد المحتار]

مَطْلَبُ يَجُوزُ تَحْوِيلُ الصِّفَاتِ وَتَحْوِيلُ الْأَجْزَاءِ

(قَوْلُهُ لِإِمْكَانِ الْبِرِّ حَقِيقَةً) لِأَنَّهُ صَعِدَتْهَا الْمَلَائِكَةُ وَبَعْضُ الْأَنْبِيَاءِ وَكَذَا تَحْوِيلُ الْحَجَرِ ذَهَبًا بِتَحَيُّلِ اللَّهِ تَعَالَى صِفَةَ الْحَجَرِيَّةِ إلَى صِفَةِ الذَّهَبِيَّةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْجَوَاهِرَ كُلَّهَا مُتَجَانِسَةٌ مُسْتَوِيَةٌ فِي قَبُولِ الصِّفَاتِ أَوْ بِإِعْدَامِ الْأَجْزَاءِ الْحَجَرِيَّةِ وَإِبْدَالِهَا بِأَجْزَاءٍ ذَهَبِيَّةٍ، وَالتَّحْوِيلُ فِي الْأَوَّلِ أَظْهَرُ وَهُوَ مُمْكِنٌ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى مَا هُوَ الْحَقُّ فَتْحٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ يَحْنَثُ) عَطْفٌ عَلَى مَعْلُومٍ مِنْ الْمُقَامِ: أَيْ فَتَنْعَقِدُ ثُمَّ يَحْنَثُ ط قَالَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: فَبِاعْتِبَارِ التَّصَوُّرِ فِي الْجُمْلَةِ انْعَقَدَتْ الْيَمِينُ وَبِاعْتِبَارِ الْعَجْزِ عَادَةً حَنِثَ لِلْحَالِ، وَهَذَا الْعَجْزُ لَيْسَ الْعَجْزَ الْمُقَارِنَ لِلْيَمِينِ لِأَنَّ هَذَا هُوَ الْعَجْزُ عَنْ الْبِرِّ الْوَاجِبِ بِالْيَمِينِ اهـ أَيْ بِخِلَافِ الْعَجْزِ فِي مَسْأَلَةِ الْكُوزِ فَإِنَّهُ مُقَارِنٌ لِلْيَمِينِ فَلِذَا لَمْ تَنْعَقِدْ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْحِنْثَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ وَفِيهَا خِلَافُ زُفَرَ، فَعِنْدَهُ لَا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ وَلَا يَحْنَثُ لِإِلْحَاقِهِ الْمُسْتَحِيلَ حَقِيقَةً بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْكُوزِ فَإِنَّ فِيهَا خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ كَمَا مَرَّ.

[تَنْبِيهٌ]

الْمُرَادُ بِالْعَجْزِ هُنَا عَدَمُ الْإِمْكَانِ وَالتَّصَوُّرِ عَادَةً فَلَوْ حَلَفَ لَيُؤَدِّيَنَّ لَهُ دَيْنَهُ الْيَوْمَ فَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَيْءٌ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُقْرِضُهُ يَحْنَثُ بِمُضِيِّ الْيَوْمِ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ التَّعْلِيقِ لِأَنَّ الْأَدَاءَ غَيْرُ مُسْتَحِيلٍ عَادَةً (قَوْلُهُ لَمْ يَحْنَثْ مَا لَمْ يَمْضِ ذَلِكَ الْوَقْتُ) أَيْ فَيَحْنَثُ فِي آخِرِهِ قَالَ فِي الْفَتْحِ فَلَوْ مَاتَ قَبْلَهُ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ إذْ لَا حِنْثَ. اهـ.

[تَنْبِيهٌ]

قَالَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ قَالَ الْكَرْخِيُّ: إذَا حَلَفَ أَنْ يَفْعَلَ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ لَأَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ فَهُوَ آثِمٌ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ زُفَرَ فِيمَنْ قَالَ: لَأَمَسَّنَّ السَّمَاءَ الْيَوْمَ أَنَّهُ آثِمٌ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا تَنْعَقِدُ عِنْدَهُ إلَّا عَلَى مَا يُمْكِنُ (قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ خُرُوجُهَا إلَخْ) هَذَا الِاعْتِذَارُ يُحْتَاجُ إلَيْهِ إنْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ مِنْ نَصِّ الْمَذْهَبِ لَا إنْ كَانَتْ مِنْ تَخْرِيجِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ عَلَى الْقَوْلِ بِاعْتِبَارِ الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَالْعُرْفِ وَعَلَيْهِ مَشَى الزَّيْلَعِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ رَدُّهُ وَأَنَّ الِاعْتِمَادَ عَلَى الْعُرْفِ، وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَنْصُوصَةً لَذَكَرُوا اسْتِثْنَاءَهَا مِنْ الْقَاعِدَةِ الْمَبْنِيِّ عَلَيْهَا مَسَائِلُ الْأَيْمَانِ وَهِيَ الْعُرْفُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ حَمْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَا إذَا نَوَى سَقْفَ الْبَيْتِ كَمَا أَجَابُوا عَنْ قَوْلِ صَاحِبِ الذَّخِيرَةِ والمرغيناني فِي لَا يَهْدِمُ بَيْتًا أَنَّهُ يَحْنَثُ بِهَدْمِ بَيْتِ الْعَنْكَبُوتِ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ السَّابِقِ فَرَاجِعْهُ لِيَظْهَرَ لَك مَا قُلْنَا

(قَوْلُهُ وَكَذَا الْحُكْمُ) أَيْ فِي الِانْعِقَادِ وَالْحِنْثِ لِلْحَالِ وَقَيَّدَ بِالْقَتْلِ احْتِرَازًا عَنْ الضَّرْبِ فَفِي الْخَانِيَّةِ لَيَضْرِبَنَّ فُلَانًا الْيَوْمَ وَفُلَانٌ مَيِّتٌ لَا يَحْنَثُ عَلِمَ بِمَوْتِهِ أَوْ لَا وَلَوْ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا وَحَنِثَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ اهـ أَفَادَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَيَحْنَثُ) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ يَمِينَهُ انْصَرَفَتْ إلَى حَيَاةٍ يُحْدِثُهَا اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ، وَأَنَّهُ تَصَوُّرٌ وَإِذَا أَحْيَاهُ اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ فُلَانٌ بِعَيْنِهِ لَكِنَّهُ خِلَافُ الْعَادَةِ فَيَحْنَثُ كَمَا فِي صُعُودِ السَّمَاءِ (قَوْلُهُ كَمَسْأَلَةِ الْكُوزِ) تَشْبِيهٌ فِي عَدَمِ الْحِنْثِ لِعَدَمِ التَّصَوُّرِ، لَا فِي التَّفْصِيلِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَغَيْرِهِ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْأَصَحَّ عَدَمُ التَّفْصِيلِ فِيهَا، فَإِنَّ حِنْثَ الْعَالِمِ هُنَا لِأَنَّ الْبِرَّ مُتَصَوَّرٌ كَمَا عَلِمْت أَمَّا فِي الْكُوزِ لَوْ خُلِقَ الْمَاءُ لَا يَكُونُ عَيْنَ الْمَاءِ الَّذِي انْعَقَدَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ، فَلَا يُتَصَوَّرُ الْبِرُّ أَصْلًا فَكَانَ الْمَاءُ نَظِيرَ الشَّخْصِ لَا نَظِيرَ الْحَيَاةِ كَذَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>