للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ هَذَا إنْ لَمْ تَكُنْ الْفَأْرَةُ هَارِبَةً مِنْ هِرٍّ، وَلَا الْهِرُّ هَارِبًا مِنْ كَلْبٍ، وَلَا الشَّاةُ مِنْ سَبُعٍ، فَإِنْ كَانَ نُزِحَ كُلُّهُ مُطْلَقًا كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ، لَكِنْ فِي النَّهْرِ عَنْ الْمُجْتَبَى الْفَتْوَى عَلَى خِلَافِهِ؛ لِأَنَّ فِي بَوْلِهَا شَكًّا (وَإِنْ تَعَذَّرَ) نُزِحَ كُلُّهَا لِكَوْنِهَا مَعِينًا (فَبِقَدْرِ مَا فِيهَا) وَقْتَ ابْتِدَاءِ النَّزْحِ قَالَهُ الْحَلَبِيُّ (يُؤْخَذُ ذَلِكَ بِقَوْلِ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ لَهُمَا بَصَارَةٌ بِالْمَاءِ) بِهِ يُفْتَى،

ــ

[رد المحتار]

وَاسْتَشْكَلَ فِي الْبَدَائِعِ نَزْحَ الْعِشْرِينَ بِأَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ طَاهِرٌ فَلَمْ يَضُرَّ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الْمُطْلَقِ كَسَائِرِ الْمَائِعَاتِ، ثُمَّ قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ طَهَارَتُهُ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهَا لِلْخِلَافِ فِيهَا، بِخِلَافِ سَائِرِ الْمَائِعَاتِ فَيُنْزَحُ أَدْنَى مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ وَذَلِكَ عِشْرُونَ احْتِيَاطًا. اهـ.

قُلْت: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُؤَيِّدُ الْقَوْلَ بِعَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُلْقِي وَالْمُلَاقِي فِي الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ، وَأَنَّ الْمُسْتَعْمَلَ مَا لَاقَى الْأَعْضَاءَ فَقَطْ وَلَا يَشِيعُ فِي جَمِيعِ مَاءِ الْبِئْرِ، وَإِلَّا لَوَجَبَ نَزْحُ الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَجَبَ نَزْحُهُ فِي الْمَشْكُوكِ فِي طَهُورِيَّتِهِ فَفِي الْمُسْتَعْمَلِ الْمُحَقَّقُ عَدَمُ طَهُورِيَّتِهِ بِالْأَوْلَى، وَتُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ الْفُرُوعَ الَّتِي اسْتَدَلَّ بِهَا الْقَائِلُونَ بِاسْتِعْمَالِ كُلِّ الْمَاءِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى رِوَايَةِ نَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[تَتِمَّةٌ] نَقَلَ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ لِلْحَسَنِ أَنَّ الْكَافِرَ إذَا وَقَعَ فِي الْبِئْرِ وَهُوَ حَيٌّ نُزِحَ الْمَاءُ. وَفِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ نَجَاسَةٍ حَقِيقِيَّةٍ أَوْ حُكْمِيَّةٍ، حَتَّى لَوْ اغْتَسَلَ فَوَقَعَ فِيهَا مِنْ سَاعَتِهِ لَا يُنْزَحُ مِنْهَا شَيْءٌ: أَقُولُ: وَلَعَلَّ نَزْحَهَا لِلِاحْتِيَاطِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ فِي بَوْلِهَا شَكًّا) وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُمْ لَمْ يَعْتَبِرُوا احْتِمَالَ النَّجَاسَةِ فِي الشَّاةِ وَنَحْوِهَا، ثُمَّ هَذَا الْجَوَابُ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ بَوْلَ الْهِرَّةِ وَالْفَأْرَةِ يُنَجِّسُ الْبِئْرَ، وَفِيهِ كَلَامٌ يَأْتِي (قَوْلُهُ وَإِنْ تَعَذَّرَ) كَذَا عَبَّرَ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا. وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: أَيْ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِحَرَجٍ عَظِيمٍ اهـ فَالْمُرَادُ بِهِ التَّعَسُّرُ، وَبِهِ عَبَّرَ فِي الدُّرَرِ (قَوْلُهُ لِكَوْنِهَا مَعِينًا) الْقِيَاسُ مَعِينَةٌ؛ لِأَنَّ الْبِئْرَ مُؤَنَّثٌ سَمَاعِيٌّ إلَّا أَنَّهُمْ ذَكَّرُوهَا حَمْلًا عَلَى اللَّفْظِ، أَوْ؛ لِأَنَّ فَعِيلًا بِمَعْنَى مَفْعُولٍ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ.

أَوْ عَلَى تَقْدِيرِ ذَاتِ مَعِينٍ وَهُوَ الْمَاءُ يَجْرِي عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ. اهـ حِلْيَةٌ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهَا جَارِيَةٌ لِمَا يَأْتِي، بَلْ كَمَا قَالَ فِي الْبَحْرِ إنَّهُمْ كُلَّمَا نَزَحُوا نَبَعَ مِنْهَا مِثْلُ مَا نَزَحُوا أَوْ أَكْثَرُ (قَوْلُهُ وَقْتَ ابْتِدَاءِ النَّزْحِ قَالَهُ الْحَلَبِيُّ) أَيْ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْكَافِي، وَقِيلَ وَقْتَ وُقُوعِ النَّجَاسَةِ وَهُوَ مَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ عَنْ ابْنِ الْكَمَالِ، وَعَلَيْهِ جَرَى ابْنُ الْكَمَالِ هُنَا أَيْضًا وَمِثْلُهُ فِي الْإِمْدَادِ وَيُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُ الْهِدَايَةِ يُنْزَحُ مِقْدَارُ مَا كَانَ فِيهَا.

وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ: لَوْ زَادَ قَبْلَ النَّزْحِ، فَقِيلَ يُنْزَحُ مِقْدَارُ مَا كَانَ فِيهَا وَقْتَ الْوُقُوعِ، وَقِيلَ وَقْتَ النَّزْحِ: قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: وَثَمَرَةُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا نَزَحَ الْبَعْضَ ثُمَّ وَجَدَهُ فِي الْغَدِ أَكْثَرَ مِمَّا تَرَكَ، فَقِيلَ يَنْزِحُ الْكُلَّ، وَقِيلَ مِقْدَارَ مَا بَقِيَ عِنْدَ التَّرْكِ هُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: هَذِهِ الثَّمَرَةُ بِنَاءً عَلَى اعْتِبَارِ وَقْتِ النَّزْحِ لَا وَقْتِ الْوُقُوعِ، فَعُلِمَ أَنَّ الصَّحِيحَ مَا فِي الْكَافِي. اهـ.

أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ، بَلْ الثَّمَرَةُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا ثَمَرَةُ الْخِلَافِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا فِي الْخَانِيَّةِ تَصْحِيحٌ لِلْقَوْلِ بِاعْتِبَارِ وَقْتِ الْوُقُوعِ؛ لِأَنَّ حَاصِلَ الْخِلَافِ أَنَّهُ هَلْ يَجِبُ نَزْحُ الزَّائِدِ عَلَى مَا كَانَ وَقْتَ الْوُقُوعِ أَوْ لَا، فَالْقَائِلُ بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ وَقْتُ النَّزْحِ أَرَادَ أَنَّهُ يَجِبُ نَزْحُ مَا زَادَ سَوَاءٌ كَانَتْ الزِّيَادَةُ قَبْلَ ابْتِدَاءِ النَّزْحِ أَوْ قَبْلَ انْتِهَائِهِ فَنَبَّهَ فِي الْخَانِيَّةِ عَلَى صُورَةِ الزِّيَادَةِ قَبْلَ انْتِهَاءِ النَّزْحِ لِخَفَائِهَا، وَصَرَّحَ بِأَنَّ الصَّحِيحَ نَزْحُ مِقْدَارِ مَا بَقِيَ وَقْتَ التَّرْكِ: أَيْ فَلَا يَجِبُ نَزْحُ الزَّائِدِ، فَهَذَا تَصْحِيحٌ لِلْقَوْلِ بِاعْتِبَارِ وَقْتِ الْوُقُوعِ، وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ نَزْحُ مَا زَادَ بَعْدَهُ، فَعُلِمَ أَنَّهُ تَصْحِيحٌ لِخِلَافِ مَا فِي الْكَافِي.

هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَدَبَّرْهُ (قَوْلُهُ بِقَوْلِ رَجُلَيْنِ إلَخْ) فَإِنْ قَالَا إنَّ مَا فِيهَا أَلْفُ دَلْوٍ مَثَلًا نُزِحَ كَذَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ بِهِ يُفْتَى) وَهُوَ الْأَصَحُّ كَافِي وَدُرَرٌ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. ابْنُ كَمَالٍ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ مِعْرَاجٌ،

<<  <  ج: ص:  >  >>