للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَعْدَ الْحَلِفِ (فَغَزَلَتْهُ) وَنُسِجَ (وَلَبِسَ فَهُوَ هَدْيٌ) عِنْدَ الْإِمَامِ، وَلَهُ التَّصَدُّقُ بِقِيمَتِهِ بِمَكَّةَ لَا غَيْرُ وَشَرَطَا مِلْكَهُ يَوْمَ حَلَفَ وَيُفْتَى بِقَوْلِهِمَا فِي دِيَارِنَا لِأَنَّهَا إنَّمَا تَغْزِلُ مِنْ كَتَّانِ نَفْسِهَا أَوْ قُطْنِهَا وَبِقَوْلِهِ فِي الدِّيَارِ الرُّومِيَّةِ لِغَزْلِهَا مِنْ كَتَّانِ الزَّوْجِ نَهْرٌ.

(حَلَفَ لَا يَلْبَسُ مِنْ غَزْلِهَا فَلَبِسَ تِكَّةً مِنْهُ لَا يَحْنَثُ) عِنْدَ الثَّانِي وَبِهِ يُفْتَى

ــ

[رد المحتار]

مَطْلَبٌ فِي مَعْنَى الْهَدْيِ

قَالَ فِي الْفَتْحِ وَمَعْنَى الْهَدْيِ هُنَا: مَا يُتَصَدَّقُ بِهِ بِمَكَّةَ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِمَا يُهْدَى إلَيْهَا، فَإِنْ كَانَ نَذَرَ هَدْيَ شَاةٍ أَوْ بَدَنَةٍ فَإِنَّمَا يُخْرِجُهُ عَنْ الْعِدَّةِ ذَبْحُهُ فِي الْحَرَمِ وَالتَّصَدُّقُ بِهِ هُنَاكَ، فَلَا يُجْزِيهِ إهْدَاءُ قِيمَتِهِ. وَقِيلَ فِي إهْدَاءِ قِيمَةِ الشَّاةِ رِوَايَتَانِ، فَلَوْ سَرَقَ بَعْدَ الذِّبْحَةِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَإِنْ نَذَرَ ثَوْبًا جَازَ التَّصَدُّقُ فِي مَكَّةَ بِعَيْنِهِ أَوْ بِقِيمَتِهِ وَلَوْ نَذَرَ إهْدَاءَ مَا لَمْ يُنْقَلْ كَإِهْدَاءِ دَارٍ وَنَحْوِهَا فَهُوَ نَذْرٌ بِقِيمَتِهَا. اهـ.

فَالْحَاصِلُ: أَنَّ فِي مَسْأَلَتِنَا لَا يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ إلَّا بِالتَّصَدُّقِ بِمَكَّةَ مَعَ أَنَّهُمْ قَالُوا لَوْ الْتَزَمَ التَّصَدُّقَ عَلَى فُقَرَاءِ مَكَّةَ بِمَكَّةَ أَلْغَيْنَا تَعْيِينَهُ الدِّرْهَمَ وَالْمَكَانَ وَالْفَقِيرَ فَعَلَى هَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْتِزَامٍ بِصِيغَةِ الْهَدْيِ وَبَيْنَهُ بِصِيغَةِ النَّذْرِ بَحْرٌ.

مَطْلَبٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ تَعْيِينِ الْمَكَانِ فِي الْهَدْيِ دُونَ النَّذْرِ

وَوَجْهُهُ أَنَّ الْهَدْيَ جُعِلَ التَّصَدُّقُ بِهِ فِي الْحَرَمِ جُزْءًا مِنْ مَفْهُومِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِدِرْهَمٍ عَلَى فُقَرَاءِ الْحَرَمِ فَإِنَّ الدِّرْهَمَ لَمْ يُجْعَلْ التَّصَدُّقُ بِهِ فِي الْحَرَمِ جُزْءًا مِنْ مَفْهُومِهِ بَلْ ذَلِكَ وَصْفٌ خَارِجٌ عَنْ مَاهِيَّتِه، وَمِثْلُهُ تَعْيِينُ الزَّمَانِ وَالدِّرْهَمِ فَلِهَذَا لَمْ يَلْزَمْ بِالنَّذْرِ ثُمَّ رَأَيْت نَحْوَهُ فِي ط عَنْ الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ وَكَالْهَدْيِ الْأُضْحِيَّةُ فَإِنَّهَا اسْمٌ لِمَا يُذْبَحُ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ، فَالزَّمَانُ مَأْخُوذٌ فِي مَفْهُومِهَا، كَمَا سَنَذْكُرُ تَحْقِيقَهُ فِي بَابِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَالْهَدْيُ وَالْأُضْحِيَّةُ خَارِجَانِ مِنْ قَوْلِهِمْ أَلْغَيْنَا تَعْيِينَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، فَإِنَّ الزَّمَانَ مُتَعَيِّنٌ فِي نَذْرِ الْأُضْحِيَّةِ وَالْمَكَانَ فِي الْهَدْيِ وَكَذَا النَّذْرُ الْمُعَلَّقُ كَإِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ شَهْرٍ مَثَلًا، فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ فِيهِ الزَّمَانُ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ صَوْمُهُ قَبْلَ وُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ، أَمَّا الْمَكَانُ وَالدِّرْهَمُ وَالْفَقِيرُ فَلَا تَتَعَيَّنُ فِيهِ كَمَا حَقَّقْنَاهُ فِي بَحْثِ النَّذْرِ أَوَّلَ الْأَيْمَانِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بَعْدَ الْحَلِفِ) أَفَادَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَمْلُوكًا وَقْتَ الْحَلِفِ فَغَزَلَتْهُ فَلَبِسَهُ فَإِنَّهُ هَدْيٌ بِالْأَوْلَى وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَشَرَطَا مِلْكَهُ يَوْمَ حَلَفَ) لِأَنَّ النَّذْرَ إنَّمَا يَصِحُّ فِي الْمِلْكِ أَوْ مُضَافًا إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ وَلَمْ يُوجَدْ لِأَنَّ اللُّبْسَ وَغَزْلَ الْمَرْأَةِ لَيْسَا مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ وَلَهُ أَنَّ غَزْلَ الْمَرْأَةِ عَادَةً يَكُونُ مِنْ قُطْنِ الزَّوْجِ وَالْمُعْتَادُ هُوَ الْمُرَادُ وَذَلِكَ سَبَبٌ لِمِلْكِهِ بَحْرٌ. أَيْ الْغَزْلُ مِنْ قُطْنِ الزَّوْجِ سَبَبٌ لِمِلْكِ الزَّوْجِ لِمَا غَزَلَتْهُ، وَلِهَذَا يَحْنَثُ إذَا غَزَلَتْ مِنْ قُطْنٍ مَمْلُوكٍ لِلزَّوْجِ وَقْتَ الْحَلِفِ لِأَنَّهَا إذَا غَزَلَتْهُ كَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لَأَنْ يَمْلِكَ الزَّوْجُ غَزْلَهَا مَعَ أَنَّ الْقُطْنَ لَيْسَ بِمَذْكُورٍ وَتَمَامُهُ فِي الْعِنَايَةِ؛ لَكِنْ يُشْكِلُ أَنَّ الشَّرْطَ إنَّمَا هُوَ اللُّبْسُ وَهُوَ لَيْسَ سَبَبًا لِلْمِلْكِ. إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمُرَادَ إنْ غَزَلْت ثَوْبًا وَلَبِسْته فَيَكُونُ الشَّرْطُ هُوَ الْغَزْلُ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْمِلْكِ لَا مُجَرَّدُ اللُّبْسِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَغْزِلُ مِنْ كَتَّانِ نَفْسِهَا) أَيْ فَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُ النَّذْرِ وَهُوَ الْإِضَافَةُ إلَى مِلْكِهِ أَوْ سَبَبِهِ ط (قَوْلُهُ وَبِقَوْلِهِ إلَخْ) هَذَا ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ وَالْأَوَّلُ ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ، وَبَحَثَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا نُوحٌ أَفَنْدِي بِأَنَّهُ فِي حَيِّزِ الْمَنْعِ فَإِنَّ بَعْضَ نِسَاءِ مِصْرَ تَغْزِلُ مِنْ كَتَّانِ الزَّوْجِ، وَبَعْضَ نِسَاءِ الرُّومِ بِالْعَكْسِ لَا سِيَّمَا نِسَاءُ الْجُنُودِ الَّذِينَ يَغِيبُونَ عَنْهُنَّ سِنِينَ، فَالْأَوْلَى اعْتِبَارُ الْغَالِبِ اهـ مُلَخَّصًا.

(قَوْلُهُ لَا يَلْبَسُ مِنْ غَزْلِهَا) أَيْ مَغْزُولِهَا كَمَا عَبَّرَ بِهِ قَبْلَهُ وَهُوَ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ عَلَى الثَّوْبِ، وَإِنْ نَوَى عَيْنَ الْغَزْلِ لَا يَحْنَثُ بِلُبْسِ الثَّوْبِ لِأَنَّهُ نَوَى الْحَقِيقَةَ،

<<  <  ج: ص:  >  >>