للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَقَعَدَتْ عَلَى ذَكَرِهِ فَإِنَّهُمَا يُحَدَّانِ لِوُجُودِ التَّمْكِينِ (أَوْ تَمْكِينُهَا) فَإِنَّ فِعْلَهَا لَيْسَ وَطْئًا بَلْ تَمْكِينٌ فَتَمَّ التَّعْرِيفُ، وَزَادَ فِي الْمُحِيطِ: الْعِلْمَ بِالتَّحْرِيمِ، فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ لَمْ يُحَدَّ لِلشُّبْهَةِ. وَرَدَّهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِحُرْمَتِهِ فِي كُلِّ مِلَّةٍ.

ــ

[رد المحتار]

وَالتَّنْوِيعِ وَاسْمُ الْإِشَارَةِ لِلْوَطْءِ ط (قَوْلُهُ فَقَعَدَتْ عَلَى ذَكَرِهِ) أَيْ وَاسْتَدْخَلَتْهُ بِنَفْسِهَا (قَوْلُهُ أَوْ تَمْكِينُهَا) لَمَّا كَانَتْ الْمَرْأَةُ تُحَدُّ حَدَّ الزِّنَا وَقَدْ سَمَّاهَا اللَّهُ تَعَالَى زَانِيَةً فِي قَوْلِهِ - {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور: ٢]- عُلِمَ أَنَّهَا تُسَمَّى زَانِيَةً حَقِيقَةً، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهَا لَا تُسَمَّى وَاطِئَةً أَنَّهَا زَانِيَةٌ مَجَازًا فَلِذَا زَادَ فِي التَّعْرِيفِ تَمْكِينَهَا حَتَّى يَدْخُلَ فِعْلُهَا فِي الْمُعَرَّفِ وَهُوَ الزِّنَا الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ تَمْكِينُهَا زِنًا حَقِيقَةً لَمَا اُحْتِيجَ إلَى إدْخَالِهِ فِي التَّعْرِيفِ، وَهُوَ أَيْضًا أَمَارَةُ كَوْنِهَا زَانِيَةً حَقِيقَةً وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَاطِئَةً، كَمَا أَنَّ الرَّجُلَ يُسَمَّى زَانِيًا حَقِيقَةً بِالتَّمْكِينِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْوَطْءُ حَقِيقَةً، وَبِهِ سَقَطَ مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ تَسْمِيَتَهَا زَانِيَةً مَجَازٌ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَتَمَّ التَّعْرِيفُ) تَعْرِيضٌ بِصَاحِبِ الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ حَيْثُ عَرَّفُوهُ بِالتَّعْرِيفِ الْأَعَمِّ، وَتَقَدَّمَ جَوَابُهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَزَادَ فِي الْمُحِيطِ إلَخْ) حَيْثُ قَالَ إنَّ مِنْ شَرَائِطِهِ الْعِلْمَ بِالتَّحْرِيمِ، حَتَّى لَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْحُرْمَةِ لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ، وَأَصْلُهُ مَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَجُلًا زَنَى بِالْيَمَنِ فَكَتَبَ فِي ذَلِكَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: إنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الزِّنَا فَاجْلِدُوهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ فَعَلِّمُوهُ، فَإِنْ عَادَ فَاجْلِدُوهُ وَلِأَنَّ الْحُكْمَ فِي الشَّرْعِيَّاتِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ، فَإِنْ كَانَ الشُّيُوعُ وَالِاسْتِفَاضَةُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أُقِيمَ مَقَامَ الْعِلْمِ وَلَكِنْ لَا أَقَلَّ مِنْ إيرَاثِ شُبْهَةٍ لِعَدَمِ التَّبْلِيغِ. اهـ.

وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْكَوْنَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَا يَقُومُ مَقَامَ الْعِلْمِ فِي وُجُوبِ الْحَدِّ كَمَا هُوَ قَائِمٌ مَقَامَهُ فِي الْأَحْكَامِ كُلِّهَا ح عَنْ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَرَدَّهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ) أَيْ فِي الْبَابِ الْآتِي بِأَنَّ الزِّنَا حَرَامٌ فِي جَمِيعِ الْأَدْيَانِ وَالْمِلَلِ، فَالْحَرْبِيُّ إذَا دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ فَزَنَى وَقَالَ ظَنَنْت أَنَّهُ حَلَالٌ يُحَدُّ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ فَعَلَهُ أَوَّلَ يَوْمِ دُخُولِهِ فَكَيْفَ يُقَالُ إذَا ادَّعَى مُسْلِمٌ أَصْلِيٌّ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ حُرْمَةَ الزِّنَا لَا يُحَدُّ لِانْتِفَاءِ شَرْطِ الْحَدِّ اهـ وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَالْمِنَحِ وَالْمَقْدِسِيِّ وَالشُّرُنْبُلالي.

وَنَازَعَ فِيهِ ط بِمَا مَرَّ عَنْ عُمَرَ وَبِأَنَّ الْحُرْمَةَ الثَّابِتَةَ فِي كُلِّ مِلَّةٍ لَا تُنَافِي أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَجْهَلُهَا. كَيْفَ وَالْبَابُ تُقْبَلُ فِيهِ الشُّبُهَاتُ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْحَرْبِيِّ فَلَعَلَّهَا عَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يَشْتَرِطُ الْعِلْمَ اهـ. قُلْت: وَكَذَا نَازَعَ فِيهِ الْمُحَقِّقُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي آخِرِ شَرْحِهِ عَلَى التَّحْرِيرِ فِي بَحْثِ الْجَهْلِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ نَقْلِهِ مَا مَرَّ عَنْ الْمُحِيطِ غَيْرَ أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِ الْمَبْسُوطِ عَقِبَ هَذَا الْأَثَرِ: فَقَدْ جَعَلَ ظَنَّ الْحِلِّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ شُبْهَةً لِعَدَمِ اشْتِهَارِ الْأَحْكَامِ يُشِيرُ إلَى أَنَّ هَذَا الظَّنَّ فِي هَذَا الزَّمَانِ لَا يَكُونُ شُبْهَةً مُعْتَبَرَةً لِاشْتِهَارِ الْأَحْكَامِ فِيهِ، وَلَكِنْ هَذَا إنَّمَا يَكُونُ مُفِيدًا لِلْعِلْمِ بِالنِّسْبَةِ إلَى النَّاشِئِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ.

وَالْمُسْلِمُ الْمُهَاجِرُ الْمُقِيمُ بِهَا مُدَّةً يَطَّلِعُ فِيهَا عَلَى ذَلِكَ، فَأَمَّا الْمُسْلِمُ الْمُهَاجِرُ الْوَاقِعُ مِنْهُ ذَلِكَ فِي فَوْرِ دُخُولِهِ فَلَا، وَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: يَعْنِي الْكَمَالَ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ: وَنَقَلَ فِي اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ بِحُرْمَةِ الزِّنَا إجْمَاعَ الْفُقَهَاءِ، وَهُوَ مُفِيدٌ أَنَّ جَهْلَهُ يَكُونُ عُذْرًا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عُذْرًا بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَلَا قَبْلَهُ فَمَتَى يَتَحَقَّقُ كَوْنُهُ عُذْرًا؟ وَحِينَئِذٍ فَالْفَرْعُ الْمَذْكُورُ: أَيْ فَرْعُ الْحَرْبِيِّ هُوَ الْمُشْكِلُ فَلْيُتَأَمَّلْ. اهـ.

قُلْت: قَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْعِلْمَ بِالْحُرْمَةِ شَرْطٌ فِيمَنْ ادَّعَى الْجَهْلَ بِهَا وَظَهَرَ عَلَيْهِ أَمَارَةُ ذَلِكَ، بِأَنْ نَشَأَ وَحْدَهُ فِي شَاهِقٍ أَوْ بَيْنَ قَوْمٍ جُهَّالٍ مِثْلِهِ لَا يَعْلَمُونَ تَحْرِيمَهُ أَوْ يَعْتَقِدُونَ إبَاحَتَهُ إذْ لَا يُنْكَرُ وُجُودُ ذَلِكَ، فَمَنْ زَنَى وَهُوَ كَذَلِكَ فِي فَوْرِ دُخُولِهِ دَارَنَا لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ لَا يُحَدُّ، إذْ التَّكْلِيفُ بِالْأَحْكَامِ فَرْعُ الْعِلْمِ بِهَا وَعَلَى هَذَا يَحِلُّ مَا فِي الْمُحِيطِ.

وَمَا ذُكِرَ مِنْ نَقْلِ الْإِجْمَاعِ بِخِلَافِ مَنْ نَشَأَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ فِي دَارِ أَهْلِ الْحَرْبِ الْمُعْتَقِدِينَ حُرْمَتَهُ ثُمَّ دَخَلَ دَارَنَا فَإِنَّهُ إذَا زَنَى يُحَدُّ وَلَا يُقْبَلُ اعْتِذَارُهُ بِالْجَهْلِ. وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ فَرْعُ الْحَرْبِيِّ وَيَزُولُ عَنْهُ الْإِشْكَالُ، وَهُوَ أَيْضًا مَحْمَلُ كَلَامِ الْكَمَالِ وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ شَقِّ الْعَصَا وَالتَّفْرِيقِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>