للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَيَبْدَأُ الْإِمَامُ لَوْ مُقِرًّا) مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ لَمْ يَحِلَّ لِلْقَوْمِ رَجْمُهُ وَإِنْ أَمَرَهُمْ لِفَوْتِ شَرْطِهِ فَتْحٌ، لَكِنْ سَيَجِيءُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ قَاضِي عَدْلٌ قَضَيْت عَلَى هَذَا بِالرَّجْمِ وَسِعَكَ رَجْمُهُ وَإِنْ لَمْ تُعَايِنْ الْحُجَّةُ. وَيُكْرَهُ لِلْمَحْرَمِ الرَّجْمُ وَإِنْ فَعَلَ لَا يَحْرُمُ الْمِيرَاثُ

(وَغُسِّلَ وَكُفِّنَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ)

ــ

[رد المحتار]

قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ هَذَا ذَكَرُوهُ تَفْسِيرًا لِلطَّائِفَةِ فِي قَوْله تَعَالَى - {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: ٢] وَالْوَاقِعُ فِي الْآيَةِ الْجَلْدُ لَا الرَّجْمُ، وَلَوْ سَلِمَ فَالْمُرَادُ أَنَّهُ إذَا كَانَ عِنْدَ الْإِمَامِ مَنْ يَرْجُمُهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْمُرَ غَيْرَهُمْ بِأَنْ يَحْضُرُوا، لِمَا قَالُوا مِنْ أَنَّ مَبْنَى الْحَدِّ عَلَى التَّشْهِيرِ، فَالْمُرَادُ بِالنَّاسِ مَنْ يُبَاشِرُ الرَّجْمَ وَحُضُورُهُمْ لَا بُدَّ مِنْهُ وَإِلَّا لَزِمَ فَوَاتُ الرَّجْمِ أَصْلًا فَيَأْثَمُ الْجَمِيعُ (قَوْلُهُ وَيَبْدَأُ الْإِمَامُ لَوْ مُقِرًّا) أَيْ يَبْدَأُ الْإِمَامُ بِالرَّجْمِ لَوْ كَانَ الزَّانِي مُقِرًّا وَثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ، لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ الزِّنَا زِنَاءَانِ: زِنَا السِّرِّ وَزِنَا الْعَلَانِيَةِ. فَزِنَا السِّرِّ أَنْ يَشْهَدَ الشُّهُودُ فَيَكُونُ الشُّهُودُ أَوَّلَ مَنْ يَرْمِي ثُمَّ الْإِمَامُ ثُمَّ النَّاسُ. وَزِنَا الْعَلَانِيَةِ أَنْ يَظْهَرَ الْحَبَلُ أَوْ الِاعْتِرَافُ فَيَكُونُ الْإِمَامُ أَوَّلَ مَنْ يَرْمِي

، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ مُقْتَضَاهُ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَاعْلَمْ أَنَّ مُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ الْإِمَامُ لَا يَحِلُّ لِلْقَوْمِ رَجْمُهُ وَلَوْ أَمَرَهُمْ لِعِلْمِهِمْ بِفَوَاتِ شَرْطِ الرَّجْمِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ لِرَجْمِ مَاعِزٍ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَحْضُرْهُ.

وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ حَقِيقَةَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُ عَلِيٍّ هُوَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَمْرُ الشُّهُودِ بِالِابْتِدَاءِ احْتِيَالًا لِثُبُوتِ دَلَالَةِ الرُّجُوعِ وَعَدَمِهِ، وَأَنْ يَبْتَدِئَ هُوَ فِي صُورَةِ الْإِقْرَارِ لِيَنْكَشِفَ لِلنَّاسِ عَدَمُ تَسَاهُلِهِ فِي بَعْضِ شُرُوطِ الْقَضَاءِ وَالْحَدِّ، فَإِذَا امْتَنَعَ ظَهَرَتْ أَمَارَةُ الرُّجُوعِ وَامْتَنَعَ الْحَدُّ لِظُهُورِ الشُّبْهَةِ، وَهَذَا مُنْتَفٍ فِي حَقِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَلَمْ يَكُنْ عَدَمُ رَجْمِهِ دَلِيلًا عَلَى سُقُوطِ الْحَدِّ، وَمُقْتَضَى مَا ذُكِرَ أَنَّهُ لَوْ بَدَأَ الشُّهُودُ فِيمَا إذَا ثَبَتَ بِالشَّهَادَةِ يَجِبُ أَنْ يُثَنِّيَ الْإِمَامُ، فَلَوْ لَمْ يُثَنِّ سَقَطَ الْحَدُّ لِاتِّحَادِ الْمَأْخَذِ فِيهِمَا اهـ مُلَخَّصًا.

وَقَوْلُهُ وَمُقْتَضَى مَا ذُكِرَ إلَخْ هُوَ الَّذِي نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْكَمَالِ. وَرَدَّهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَتِمُّ لَوْ سَلِمَ وُجُوبُ حُضُورِ الْإِمَامِ كَالشُّهُودِ وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ كَمَا فِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ لِابْنِ كَمَالٍ. قُلْت: مَا ذَكَرَهُ ابْنُ كَمَالٍ لَمْ يَعْزُهُ لِأَحَدٍ كَمَا مَرَّ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ صَاحِبُ الْفَتْحِ هُوَ ظَاهِرُ الْمُتُونِ وَالدَّلِيلِ، فَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ إلَّا بِنَقْلٍ صَرِيحٍ مُعْتَبَرٍ، ثُمَّ رَأَيْت فِي الذَّخِيرَةِ مَا نَصُّهُ: تَجِبُ الْبُدَاءَةُ مِنْ الشُّهُودِ ثُمَّ مِنْ الْإِمَامِ ثُمَّ مِنْ النَّاسِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لَكِنْ سَيَجِيءُ إلَخْ) أَيْ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ، وَهَذَا الِاسْتِدْرَاكُ فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْقَاضِيَ امْتَنَعَ مِنْ الْبُدَاءَةِ بِالرَّجْمِ، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ الْحَاكِمَ إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ الْحَدُّ بِالْحُجَّةِ: أَيْ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ الْإِقْرَارِ وَأَمَرَ النَّاسَ بِالرَّجْمِ لَهُمْ أَنْ يَرْجُمُوا بِالشَّرْطِ الْمُتَقَدِّمِ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرُوا مَجْلِسَ الْحُكْمِ وَلَمْ يُعَايِنُوا الْحُجَّةَ، وَقِيلَ لَا لِفَسَادِ الزَّمَانِ.

قَالَ فِي غُرَرِ الْأَذْكَارِ: وَالْأَحْسَنُ التَّفْصِيلُ بِأَنَّ الْقَاضِيَ إذَا كَانَ عَالِمًا عَادِلًا وَجَبَ ائْتِمَارُهُ بِلَا تَفَحُّصٍ وَإِنْ كَانَ عَادِلًا لَا جَاهِلًا سُئِلَ عَنْ كَيْفِيَّةِ قَضَائِهِ، فَإِذَا أَخْبَرَ بِمَا يُوَافِقُ الشَّرْعَ يُؤْتَمَرُ قَوْلُهُ، وَإِنْ كَانَ ظَالِمًا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ عَالِمًا كَانَ أَوْ جَاهِلًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ لِلْمَحْرَمِ الرَّجْمُ) كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ.

وَفِيهِ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يَقْصِدُ مَقْتَلَهُ، فَإِنَّ بِغَيْرِهِ كِفَايَةً. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْصِدْ مَقْتَلًا لَا يُكْرَهُ كَمَا يُفِيدُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ أَيْضًا، ثُمَّ إنَّ مَحَلَّ الْكَرَاهَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَحْرَمُ شَاهِدًا. فَفِي الْجَوْهَرَةِ: لَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى أَبِيهِمْ بِالزِّنَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَبْتَدِئُوا بِالرَّجْمِ وَكَذَا الْإِخْوَةُ وَذُو الرَّحِمِ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَتَعَمَّدُوا مَقْتَلًا، وَأَمَّا ابْنُ الْعَمِّ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَعَمَّدَ مَقْتَلَهُ؛ لِأَنَّ رَحِمَهُ لَمْ يَكْمُلْ فَأَشْبَهَ الْأَجْنَبِيَّ، وَقَوْلُهُ يُسْتَحَبُّ إلَخْ يُفِيدُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ: تَنْزِيهِيَّةٌ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَإِنْ فَعَلَ لَا يَحْرُمُ الْمِيرَاثُ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي كَافِي الْحَاكِمِ. قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>