عِوَضٍ وَلَا صُلْحَ وَلَا عَفْوَ (فِيهِ. وَعَنْهُ) نَعَمْ لَوْ عَفَا الْمَقْذُوفُ فَلَا حَدَّ لَا لِصِحَّةِ الْعَفْوِ بَلْ لِتَرْكِ الطَّلَبِ، حَتَّى لَوْ عَادَ وَطَلَبَ حُدَّ شُمُنِّيٌّ وَلِذَا لَا يَتِمُّ الْحَدُّ إلَّا بِحَضْرَتِهِ.
(قَالَ لِآخَرَ يَا زَانِي فَقَالَ الْآخَرُ) لَا (بَلْ أَنْتِ حُدَّا) لِغَلَبَةِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ (بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لَهُ مَثَلًا يَا خَبِيثُ فَقَالَ بَلْ أَنْتِ) لَمْ يُعَزَّرَا لِأَنَّهُ حَقُّهُمَا وَقَدْ تَسَاوَيَا فَ (تَكَافَآ) بِخِلَافِ مَا سَيَجِيءُ لَوْ تَشَاتَمَا بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي أَوْ تَضَارَبَا لَمْ يَتَكَافَآ لِهَتْكِ مَجْلِسِ الشَّرْعِ وَلِتَفَاوُتِ الضَّرْبِ
ــ
[رد المحتار]
قُلْت: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْعَفْوُ عَنْ هَذَا التَّفْصِيلِ، وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُمْ إنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِالْعَفْوِ لِحَمْلِهِ عَلَى مَا بَعْدَ الْمُرَافَعَةِ أَبُو السُّعُودِ. أَقُولُ: وَالْمَنْقُولُ خِلَافُهُ، فَفِي الْخَانِيَّةِ: وَلَا يَسْقُطُ هَذَا الْحَدُّ بِالْعَفْوِ وَلَا بِالْإِبْرَاءِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَكَذَا إذَا عَفَا قَبْلَ الرَّفْعِ إلَى الْقَاضِي. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا صُلْحَ) فَلَا يَجِبُ الْمَالُ وَسُقُوطُ الْحَدِّ عَلَى التَّفْصِيلِ السَّابِقِ أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ. وَأَوْرَدَ أَنَّ الصُّلْحَ هُوَ الِاعْتِيَاضُ فَلَا وَجْهَ لِذِكْرِهِ بَعْدَهُ.
وَأُجِيبُ بِأَنَّ الِاعْتِيَاضَ يَعُمُّ عَقْدَ الْبَيْعِ بِخِلَافِ الصُّلْحِ ط (قَوْلُهُ وَلَا عَفْوَ) فَلَا يَسْقُطُ الْحَدُّ بَعْدَ ثُبُوتِهِ إلَّا أَنْ يَقُولَ الْمَقْذُوفُ لَمْ يَقْذِفْنِي أَوْ كَذَبَ شُهُودِي فَيَظْهَرُ أَنَّ الْقَذْفَ لَمْ يَقَعْ مُوجِبًا لِلْحَدِّ لَا أَنَّهُ وَقَعَ ثُمَّ سَقَطَ وَهَذَا كَمَا إذَا صَدَّقَهُ الْمَقْذُوفُ فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِيهِ) مُتَعَلِّقٌ بِرُجُوعٍ، وَقَوْلُهُ وَعَنْهُ مُتَعَلِّقٌ بِاعْتِيَاضٍ وَمَا بَعْدَهُ فَفِيهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ (قَوْلُهُ نَعَمْ لَوْ عَفَا إلَخْ) فِيهِ رَدٌّ عَلَى بَعْضِ مَعَاصِرِي صَاحِبِ الْبَحْرِ حَيْثُ تُوُهِّمَ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ الْعَفْوِ أَنَّ الْقَاضِيَ يُقِيمُ الْحَدَّ عَلَيْهِ مَعَ عَفْوِ الْمَقْذُوفِ مُتَمَسِّكًا بِقَوْلِ الْفَتْحِ لَا يَصِحُّ الْعَفْوُ وَيُحَدُّ.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهُوَ غَلَطٌ فَاحِشٌ فَفِي الْمَبْسُوطِ: لَا يَكُونُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ عِنْدَ طَلَبِهِ وَقَدْ تَرَكَهُ إلَّا إذَا عَادَ وَطَلَبَ حِينَئِذٍ يُقِيمُ الْحَدَّ؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ كَانَ لَغْوًا فَكَأَنَّهُ لَمْ يُخَاصِمْ. اهـ. قَالَ: فَتَعَيَّنَ حَمْلُ مَا فِي الْفَتْحِ عَلَى مَا إذَا عَادَ وَطَلَبَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِذَا إلَخْ) دَلِيلٌ آخَرُ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى الرَّدِّ الْمَذْكُورِ، وهُوَ مَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ: لَوْ غَابَ الْمَقْذُوفُ بَعْدَ مَا ضُرِبَ الْحَدَّ لَمْ يَتِمَّ الْحَدُّ إلَّا وَهُوَ حَاضِرٌ لِاحْتِمَالِ الْعَفْوِ فَالْعَفْوُ الصَّرِيحُ أَوْلَى
(قَوْلُهُ حُدَّا) أَيْ الْمُبْتَدِئُ وَالْمُجِيبُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَذَفَ صَاحِبَهُ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ وَكَذَا الثَّانِي؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ لَا بَلْ أَنْتَ زَانٍ إذْ هِيَ كَلِمَةُ عَطْفٍ يَسْتَدْرِكُ بِهِ الْغَلَطَ فَيَصِيرُ الْمَذْكُورُ فِي الْأَوَّلِ خَبَرًا لِمَا بَعْدَ بَلْ بَحْرٌ، وَلَا يُحَدَّانِ إلَّا بِطَلَبِهِمَا وَلَوْ بَعْدَ الْعَفْوِ وَالْإِسْقَاطِ كَمَا مَرَّ، وَقَرَّرَهُ فِي الْبَحْرِ خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْفَتْحِ (قَوْلُهُ لِغَلَبَةِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى) فَلَوْ جُعِلَ قِصَاصًا يَلْزَمُ إسْقَاطُ حَقِّهِ تَعَالَى وَهُوَ لَا يَجُوزُ بَحْرٌ.
قُلْت: وَلَعَلَّ اشْتِرَاطَ الطَّلَبِ وَلَوْ بَعْدَ الثُّبُوتِ بِالنَّظَرِ إلَى مَا فِيهِ مِنْ حَقِّ الْعَبْدِ (قَوْلُهُ مَثَلًا) أَيْ مِنْ كُلِّ لَفْظٍ غَيْرِ مُوجِبٍ لِحَدٍّ (قَوْلُهُ مَا سَيَجِيءُ) أَيْ فِي بَابِ التَّعْزِيرِ (قَوْلُهُ أَوْ تَضَارَبَا) أَيْ وَلَوْ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَاضِي كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْبَحْرِ وَالتَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ (قَوْلُهُ لَمْ يَتَكَافَآ) فَيُعَزِّرُهُمَا وَيَبْدَأُ بِتَعْزِيرِ الْمُبْتَدِئِ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ أَظْلَمُ كَمَا سَيَجِيءُ (قَوْلُهُ لِهَتْكِ مَجْلِسِ الشَّرْعِ) أَيْ هَتْكِ احْتِرَامِهِ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَحْضَ حَقِّهِمَا حَتَّى يُعْتَبَرَ التَّسَاوِي فِيهِ، وَقَوْلُهُ وَلِتَفَاوُتِ الضَّرْبِ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ أَوْ تَضَارَبَا فَفِيهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ.
[تَنْبِيهٌ] لَوْ تَشَاتَمَا بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي هَلْ لَهُ الْعَفْوُ عَنْهُمَا؟ قَالَ فِي النَّهْرِ: لَمْ أَرَهُ وَالظَّاهِرُ لَا، بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَخَذْتَ الرِّشْوَةَ مِنْ خَصْمِي وَقَضَيْت عَلَيَّ فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ لَهُ أَنْ يَعْفُوَ وَالْفَرْقُ بَيِّنٌ. اهـ.
مَطْلَبٌ هَلْ لِلْقَاضِي الْعَفْوُ عَنْ التَّعْزِيرِ قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُمَا إذَا تَشَاتَمَا اسْتَوَيَا حَقَّهُمَا لَكِنَّهُمَا أَخَلَّا بِحُرْمَةِ مَجْلِسِ الْقَاضِي فَبَقِيَ مُجَرَّدُ حَقِّهِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ أَخَذْت الرِّشْوَةَ فَلَهُ الْعَفْوُ. يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: لَوْ تَشَاتَمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَمْ يَنْتَهِيَا بِالنَّهْيِ، إنْ حَبَسَهُمَا وَعَزَّرَهُمَا فَهُوَ حَسَنٌ لِئَلَّا يَجْتَرِئَ بِذَلِكَ غَيْرُهُمَا فَيَذْهَبُ مَاءُ وَجْهِ الْقَاضِي، وَإِنْ عَفَا عَنْهُمَا فَهُوَ حَسَنٌ؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ مَنْدُوبٌ