للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَدْخُلُ لِلْمُبَالَغَةِ كَعَلَامَةٍ. قُلْنَا الْأَصْلُ فِي الْكَلَامِ التَّذْكِيرُ.

(وَلَا حَدَّ بِقَذْفِ مَنْ لَهَا وَلَدٌ لَا أَب لَهُ) مَعْرُوفٌ (فِي بَلَدِ الْقَذْفِ) أَوْ مَنْ لَاعَنَتْ بِوَلَدٍ (لِأَنَّهُ أَمَارَةُ الزِّنَا أَوْ) بِقَذْفِ (رَجُلٍ وَطِئَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ بِكُلِّ وَجْهٍ) كَأَمَةِ ابْنِهِ (أَوْ بِوَجْهٍ) كَأَمَةٍ مُشْتَرَكَةٍ (أَوْ فِي مِلْكِهِ الْمُحَرَّمِ أَبَدًا كَأَمَةٍ هِيَ أُخْتُهُ رَضَاعًا) فِي الْأَصَحِّ لِفَوَاتِ الْعِفَّةِ (أَوْ) بِقَذْفِ (مَنْ زَنَتْ فِي كُفْرِهَا) لِسُقُوطِ الْإِحْصَانِ (أَوْ)

ــ

[رد المحتار]

فِي الْجَوْهَرَةِ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْكَلَامِ التَّذْكِيرُ (قَوْلُهُ قُلْنَا الْأَصْلُ إلَخْ) قَدْ عَلِمْت أَنَّ هَذَا تَعْلِيلُ الْمَسْأَلَةِ الْوِفَاقِيَّةِ، وَعُلِّلَ لِهَذِهِ فِي الْجَوْهَرَةِ وَغَيْرِهَا بِأَنَّهُ أَحَالَ كَلَامَهُ فَوَصَفَ الرَّجُلَ بِصِفَةِ الْمَرْأَةِ.

وَقَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَهُمَا أَنَّهُ رَمَاهُ بِمَا يَسْتَحِيلُ مِنْهُ فَلَا يُحَدُّ كَمَا لَوْ قَذَفَ مَجْبُوبًا، وَكَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ مَحَلٌّ لِلزِّنَا لَا يُحَدُّ، وَكَوْنُ التَّاءِ لِلْمُبَالَغَةِ مَجَازٌ بَلْ هِيَ لِمَا عَهِدَ لَهَا مِنْ التَّأْنِيثِ.

وَلَوْ كَانَ حَقِيقَةً فَالْحَدُّ لَا يَجِبُ بِالشَّكِّ

(قَوْلُهُ فِي بَلَدِ الْقَذْفِ) أَيْ لَا فِي كُلِّ الْبِلَادِ بَحْرٌ، وَهَذَا أَعَمُّ مِنْ مَجْهُولِ النَّسَبِ؛ لِأَنَّهُ مَنْ لَا يُعْرَفُ لَهُ أَبٌ فِي مَسْقَطِ رَأْسِهِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ أَوْ مَنْ لَاعَنَتْ بِوَلَدٍ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا، وَهَذَا إذَا قَطَعَ الْقَاضِي نَسَبَ الْوَلَدِ وَأَلْحَقَهُ بِأُمِّهِ وَبَقِيَ اللِّعَانُ، فَلَوْ لَاعَنَتْ بِغَيْرِ وَلَدٍ أَوْ لَاعَنَتْ بِوَلَدٍ وَلَمْ يَقَعْ نَسَبُهُ أَوْ بَطَلَ اللِّعَانُ بِإِكْذَابِ الزَّوْجِ نَفْسَهُ ثُمَّ قَذَفَهَا رَجُلٌ وَجَبَ الْحَدُّ، أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الْوَلَدَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أَمَارَةٌ: أَيْ عَلَامَةُ الزِّنَا فَفَاتَتْ الْعِفَّةُ (قَوْلُهُ أَوْ بِقَذْفِ رَجُلٍ وَطِئَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ إلَخْ) الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ مَنْ وَطِئَ وَطْئًا حَرَامًا لِعَيْنِهِ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ؛ لِأَنَّ الزِّنَا هُوَ الْوَطْءُ الْمُحَرَّمُ لِعَيْنِهِ، وَإِنْ كَانَ مُحَرَّمًا لِغَيْرِهِ يُحَدُّ قَاذِفُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزِنًا فَالْوَطْءُ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَوْ مِنْ وَجْهٍ حَرَامٌ لِعَيْنِهِ، وَكَذَا الْوَطْءُ فِي الْمِلْكِ، وَالْحُرْمَةُ مُؤَبَّدَةٌ بِشَرْطِ ثُبُوتِهَا بِالْإِجْمَاعِ أَوْ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِتَكُونَ ثَابِتَةً مِنْ غَيْرِ تَرَدُّدٍ، بِخِلَافِ ثُبُوتِ الْمُصَاهَرَةِ بِالْمَسِّ وَالتَّقْبِيلِ؛ لِأَنَّ فِيهَا خِلَافًا، وَلَا نَصَّ فِيهَا بَلْ هِيَ احْتِيَاطٌ.

أَمَّا ثُبُوتُهَا بِالْوَطْءِ فَهُوَ بِنَصِّ - {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} [النساء: ٢٢]- وَلَا يُعْتَبَرُ الْخِلَافُ مَعَ النَّصِّ، فَإِنْ كَانَتْ الْحُرْمَةُ مُؤَقَّتَةً فَالْحُرْمَةُ لِغَيْرِهِ، وَتَمَامُهُ فِي الْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا (قَوْلُهُ كَأَمَةِ ابْنِهِ) مَثَّلَ لَهُ فِي الْفَتْحِ بِقَوْلِهِ كَوَطْءِ الْحُرَّةِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَالْمُكْرَهَةِ، فَالْمَوْطُوءَةُ إذَا كَانَتْ مُكْرَهَةً يَسْقُطُ إحْصَانُهَا فَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهَا؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ يُسْقِطُ الْإِثْمَ وَلَا يُخْرِجُ الْفِعْلَ عَنْ كَوْنِهِ فَكَذَا يَسْقُطُ إحْصَانُهَا كَمَا يَسْقُطُ إحْصَانُ الْمُكْرَهِ الْوَاطِئِ (قَوْلُهُ كَأَمَةٍ مُشْتَرَكَةٍ) أَيْ بَيْنَ الْوَاطِئِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ أَوْ فِي مِلْكِهِ الْمُحَرَّمِ أَبَدًا) إسْنَادُ الْحُرْمَةِ إلَى الْمِلْكِ مِنْ إسْنَادِ مَا لِلْمُسَبَّبِ إلَى سَبَبِهِ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ هُوَ الْمُتْعَةُ وَالْمِلْكُ سَبَبُهَا، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ أَبَدًا عَنْ الْحُرْمَةِ الْمُؤَقَّتَةِ، وَيَأْتِي أَمْثِلَتُهَا قَرِيبًا وتَرْكُ اشْتِرَاطِ ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ بِالْإِجْمَاعِ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الْكَرْخِيِّ كَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ أَنَّهُ يُحَدُّ قَاذِفُهُ لِقِيَامِ الْمِلْكِ فَكَانَ كَوَطْءِ أَمَتِهِ الْمَجُوسِيَّةِ.

وَجْهُ الصَّحِيحِ أَنَّ الْحُرْمَةَ فِي الْمَجُوسِيَّةِ وَنَحْوِهَا يُمْكِنُ ارْتِفَاعُهَا فَكَانَتْ مُؤَقَّتَةً، بِخِلَافِ حُرْمَةِ الرَّضَاعِ فَلَمْ يَكُنْ الْمَحِلُّ قَابِلًا لِلْحِلِّ أَصْلًا فَكَيْفَ يُجْعَلُ حَرَامًا لِغَيْرِهِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِفَوَاتِ الْعِفَّةِ) تَعْلِيلٌ لِلْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ أَيْ وَإِذَا زَالَتْ الْعِفَّةُ زَالَ الْإِحْصَانُ، وَالنَّصُّ إنَّمَا أَوْجَبَ الْحَدَّ عَلَى مَنْ رَمَى الْمُحْصَنَاتِ، وَفِي مَعْنَاهُ الْمُحْصَنِينَ لَا مِنْ رَمَى غَيْرَ الْمُحْصَنِ وَلَا دَلِيلَ يُوجِبُ الْحَدَّ فِيهِ، نَعَمْ هُوَ مُحَرَّمٌ بَعْدَ التَّوْبَةِ فَيُعَزَّرُ فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَوْ بِقَذْفِ مَنْ زَنَتْ فِي كُفْرِهَا) الْأُنُوثَةُ غَيْرُ قَيْدٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْحَرْبِيَّ وَالذِّمِّيَّ، وَمَا إذَا كَانَ الزِّنَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَمَا إذَا قَالَ لَهُ زَنَيْت وَأَطْلَقَ ثُمَّ أَثْبَتَ أَنَّهُ زَنَى فِي كُفْرِهِ أَوْ قَالَ لَهُ زَنَيْت وَأَنْتَ كَافِرٌ فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ لِمُعْتَقٍ زَنَيْت وَأَنْتَ عَبْدٌ بَحْرٌ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ شُمُولِ الْإِطْلَاقِ وَالْإِسْنَادِ إلَى وَقْتِ الْكُفْرِ هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ كَالْكَنْزِ وَالْهِدَايَةِ وَالزَّيْلَعِيِّ وَالِاخْتِيَارِ وَغَيْرِهَا. وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْفَتْحِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ قَذْفُهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ بِزِنًا كَانَ فِي نَصْرَانِيَّتِهَا، بِأَنْ قَالَ زَنَيْت وَأَنْتِ كَافِرَةٌ كَمَا لَوْ قَالَ قَذَفْتُك بِالزِّنَا وَأَنْتِ أَمَةٌ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَقَرَّ أَنَّهُ قَذَفَهَا فِي حَالٍ لَوْ عَلِمْنَا مِنْهُ صَرِيحَ الْقَذْفِ لَمْ يُحَدَّ؛ لِأَنَّ الزِّنَا يَتَحَقَّقُ مِنْ الْكَافِرِ وَلِذَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْجَلْدُ حَدًّا لَا الرَّجْمُ، وَلَا يَسْقُطُ الْحَدُّ بِالْإِسْلَامِ وَكَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>