(وَ) التَّعْزِيرُ (لَيْسَ فِيهِ تَقْدِيرٌ بَلْ هُوَ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي) وَعَلَيْهِ مَشَايِخُنَا زَيْلَعِيٌّ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الزَّجْرُ، وَأَحْوَالُ النَّاسِ فِيهِ مُخْتَلِفَةٌ بَحْرٌ (وَيَكُونُ) التَّعْزِيرُ (بِالْقَتْلِ كَمَنْ) وَجَدَ رَجُلًا
ــ
[رد المحتار]
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَذْهَبَ عَدَمُ التَّعْزِيرِ بِأَخْذِ الْمَالِ، وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ فِي الْكَفَالَةِ عَنْ الطَّرَسُوسِيِّ أَنَّ مُصَادَرَةَ السُّلْطَانِ لِأَرْبَابِ الْأَمْوَالِ لَا تَجُوزُ إلَّا لِعُمَّالِ بَيْتِ الْمَالِ: أَيْ إذَا كَانَ يَرُدُّهَا لِبَيْتِ الْمَالِ
(قَوْلُهُ وَالتَّعْزِيرُ لَيْسَ فِيهِ تَقْدِيرٌ) أَيْ لَيْسَ فِي أَنْوَاعِهِ، وَهَذَا حَاصِلُ قَوْلِهِ قَبْلَهُ وَيَكُونُ بِهِ وَبِالصَّفْعِ إلَخْ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَبِمَا ذَكَرْنَا مِنْ تَقْدِيرِ أَكْثَرِهِ يُعْرَفُ مَا ذَكَرَ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ فِي التَّعْزِيرِ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ بَلْ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ: أَيْ مِنْ أَنْوَاعِهِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ بِالضَّرْبِ وَبِغَيْرِهِ. أَمَّا إذَا اقْتَضَى رَأْيُهُ الضَّرْبَ فِي خُصُوصِ الْوَاقِعَةِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَزِيدُ عَلَى تِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ. اهـ. قُلْت: نَعَمْ لَهُ الزِّيَادَةُ مِنْ نَوْعٍ آخَرَ، بِأَنْ يَضُمَّ إلَى الضَّرْبِ الْحَبْسَ كَمَا يَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ، وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْجِنَايَةِ وَالْجَانِي. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَلَيْسَ فِي التَّعْزِيرِ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ. وَإِنَّمَا هُوَ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ عَلَى مَا تَقْتَضِي جِنَايَتُهُمْ، فَإِنَّ الْعُقُوبَةَ فِيهِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْجِنَايَةِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَبْلُغَ غَايَةَ التَّعْزِيرِ فِي الْكَبِيرَةِ، كَمَا إذَا أَصَابَ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ كُلَّ مُحَرَّمٍ سِوَى الْجِمَاعِ أَوْ جَمَعَ السَّارِقُ الْمَتَاعَ فِي الدَّارِ وَلَمْ يُخْرِجْهُ، وَكَذَا يَنْظُرُ فِي أَحْوَالِهِمْ، فَإِنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَنْزَجِرُ بِالْيَسِيرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَنْزَجِرُ إلَّا بِالْكَثِيرِ. وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ: التَّعْزِيرُ عَلَى مَرَاتِبَ إلَى آخِرِ مَا مَرَّ عَنْ الدُّرَرِ.
أَقُولُ: وَظَاهِرُ عِبَارَتِهِ أَنَّ قَوْلَهُ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ إلَخْ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ وَكَذَا يَنْظُرُ فِي أَحْوَالِهِمْ إلَخْ: أَيْ أَنَّ أَحْوَالَ النَّاسِ عَلَى أَرْبَعِ مَرَاتِبَ، فَلَا يَكُونُ مَا فِي النِّهَايَةِ وَالدُّرَرِ مُخَالِفًا لِلْقَوْلِ بِالتَّفْوِيضِ، وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْمَرْتَبَةِ الْأُولَى وَهِيَ أَشْرَافُ الْأَشْرَافِ مَنْ كَانَ ذَا مُرُوءَةٍ صَدَرَتْ مِنْهُ الصَّغِيرَةُ عَلَى سَبِيلِ الزَّلَّةِ وَالنُّدُورِ، فَلِذَا قَالُوا تَعْزِيرُهُ بِالْإِعْلَامِ لِأَنَّهُ فِي الْعَادَةِ لَا يَفْعَلُ مَا يَقْتَضِي التَّعْزِيرَ بِمَا فَوْقَ ذَلِكَ، وَيَحْصُلُ انْزِجَارُهُ بِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ التَّعْزِيرِ، فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ عَلَى قَدْرِ الْجِنَايَةِ أَيْضًا، حَتَّى لَوْ كَانَ مِنْ الْأَشْرَافِ لَكِنَّهُ تَعَدَّى طَوْرَهُ فَفَعَلَ اللِّوَاطَةَ أَوْ وُجِدَ مَعَ الْفَسَقَةِ فِي مَجْلِسِ الشُّرْبِ وَنَحْوِهِ لَا يُكْتَفَى بِتَعْزِيرِهِ بِالْإِعْلَامِ فِيمَا يَظْهَرُ لِخُرُوجِهِ عَنْ الْمُرُوءَةِ، لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا كَمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ الدِّينُ وَالصَّلَاحُ وَسَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ أَنَّهُ لَوْ تَكَرَّرَ مِنْهُ الْفِعْلُ يُضْرَبُ التَّعْزِيرَ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ بِالتَّكْرَارِ لَمْ يَبْقَ ذَا مُرُوءَةٍ وَهَذَا مُؤَيِّدٌ لِمَا قَدَّمَهُ فِي النَّهْرِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ ضَرَبَ غَيْرَهُ فَأَدْمَاهُ لَا يَكْفِي تَعْزِيرُهُ بِالْإِعْلَامِ إلَخْ ثُمَّ رَأَيْت فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَيْنَ مَا بَحَثْته، حَيْثُ قَالَ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا: أَيْ الِاكْتِفَاءَ بِتَعْزِيرِهِ بِالْإِعْلَامِ إنَّمَا هُوَ مَعَ مُلَاحَظَةِ السَّبَبِ فَلَا بُدَّ أَنْ لَا يَكُونَ مِمَّا يَبْلُغُ بِهِ أَدْنَى الْحَدِّ، كَمَا إذَا أَصَابَ مِنْ أَجْنَبِيَّةٍ غَيْرَ الْجِمَاعِ اهـ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْ الْأَشْرَافِ يُعَزَّرُ عَلَى قَدْرِ جِنَايَتِهِ وَأَنَّهُ لَا يُكْتَفَى فِيهِ بِالْإِعْلَامِ إذَا كَانَتْ جِنَايَتُهُ فَاحِشَةً تَسْقُطُ بِهَا مُرُوءَتُهُ، فَقَدْ ثَبَتَ بِمَا قُلْنَا عَدَمُ مُخَالَفَةِ مَا فِي الدُّرَرِ لِلْقَوْلِ بِتَفْوِيضِهِ لِلْقَاضِي، وَأَنَّ الْمُعْتَبَرَ حَالُ الْجِنَايَةِ وَالْجَانِي، خِلَافًا لِمَا فَهِمَهُ فِي الْبَحْرِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ الْمُفْرَدَ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ مَشَايِخُنَا) قَدَّمْنَا عِبَارَةَ الزَّيْلَعِيِّ عِنْدَ قَوْلِهِ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ.
مَطْلَبٌ يَكُونُ التَّعْزِيرُ بِالْقَتْلِ (قَوْلُهُ وَيَكُونُ التَّعْزِيرُ بِالْقَتْلِ) رَأَيْت فِي [الصَّارِمِ الْمَسْلُولِ] لِلْحَافِظِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ أَنَّ مِنْ أُصُولِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ مَا لَا قَتْلَ فِيهِ عِنْدَهُمْ مِثْلَ الْقَتْلِ بِالْمُثْقَلِ وَالْجِمَاعِ فِي غَيْرِ الْقُبُلِ إذَا تَكَرَّرَ فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَ فَاعِلَهُ، وَكَذَلِكَ لَهُ أَنْ يَزِيدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute