لِتَصْرِيحِهِمْ بِحِلِّ أَكْلِ ذِئْبٍ وَلَدَتْهُ شَاةٌ اعْتِبَارًا لِلْأُمِّ، وَجَوَازُ الْأَكْلِ يَسْتَلْزِمُ طَهَارَةَ السُّؤْرِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْأَشْبَاهِ مِنْ تَصْحِيحِ عَدَمِ الْحِلِّ قَالَ شَيْخُنَا: إنَّهُ غَرِيبٌ (مَشْكُوكٌ فِي طَهُورِيَّتِهِ لَا فِي طَهَارَتِهِ) حَتَّى لَوْ وَقَعَ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ اُعْتُبِرَ بِالْأَجْزَاءِ، وَهَلْ يَطْهُرُ النَّجِسُ؟
ــ
[رد المحتار]
قَوْلُهُ لِتَصْرِيحِهِمْ إلَخْ) صَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا فِي الْأُضْحِيَّةِ بِجَوَازِ الْأُضْحِيَّةِ بِهِ حَيْثُ قَالَ: وَالْمَوْلُودُ بَيْنَ الْأَهْلِ وَالْوَحْشِيُّ يَتْبَعُ الْأُمَّ؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فِي التَّبَعِيَّةِ، حَتَّى إذَا نَزَا الذِّئْبُ عَلَى الشَّاةِ يُضَحَّى بِالْوَلَدِ. اهـ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ اعْتِبَارًا لِلْأُمِّ) ؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فِي الْوَلَدِ لِانْفِصَالِهِ مِنْهَا وَهُوَ حَيَوَانٌ مُتَقَوِّمٌ، وَلَا يَنْفَصِلُ مِنْ الْأَبِ إلَّا مَاءً مَهِينًا، وَلِهَذَا يَتْبَعُهَا فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ، وَإِنَّمَا أُضِيفَ الْآدَمِيُّ إلَى أَبِيهِ تَشْرِيفًا لَهُ، وَصِيَانَةً لَهُ عَنْ الضَّيَاعِ، وَإِلَّا فَالْأَصْلُ إضَافَتُهُ إلَى الْأُمِّ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ عَنْ الْأَشْبَاهِ) صَوَابُهُ عَنْ الْفَوَائِدِ التَّاجِيَّةِ ط، وَكَذَا نَقَلَهُ فِي الْأَشْبَاهِ عَنْهَا فِي قَاعِدَةِ: إذَا اجْتَمَعَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ (قَوْلُهُ عَدَمِ الْحِلِّ) أَيْ عَدَمِ حِلِّ أَكْلِ ذِئْبٍ وَلَدَتْهُ شَاةٌ (قَوْلُهُ قَالَ شَيْخُنَا) يُرِيدُ الرَّمْلِيَّ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ط (قَوْلُهُ إنَّهُ غَرِيبٌ) أَيْ لِمُخَالَفَتِهِ الْمَشْهُورَ فِي كَلَامِهِمْ مِنْ إطْلَاقِ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْأُمِّ، وَقَدْ ذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ الْمُصَنِّفُ فِي مَنْظُومَتِهِ تُحْفَةِ الْأَقْرَانِ فِي الْأُضْحِيَّةِ فَقَالَ:
نَتِيجَةُ الْأَهْلِيِّ وَالْوَحْشِيِّ ... تَلْحَقُ بِالْأُمِّ عَلَى الْمَرْضِيِّ
وَمِثْلُهُ نَتِيجَةُ الْمُحَرَّمِ ... مَعَ الْمُبَاحِ يَا أُخَيَّ فَاعْلَمْ
هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ بَيْنَ الْعُلَمَا ... وَالْحَظْرُ فِي هَذَا حَكَوْهُ فَاعْلَمَا.
(قَوْلُهُ مَشْكُوكٌ فِي طَهُورِيَّتِهِ) هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، ثُمَّ قِيلَ سَبَبُهُ تَعَارُضُ الْأَخْبَارِ فِي لَحْمِهِ، وَقِيلَ اخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ فِي سُؤْرِهِ الْأَصَحُّ مَا قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: إنَّ الْحِمَارَ أَشْبَهَ الْهِرَّةَ لِوُجُودِهِ فِي الدُّورِ وَالْأَفْنِيَةِ، لَكِنَّ الضَّرُورَةَ فِيهِ دُونَ الضَّرُورَةِ فِيهَا لِدُخُولِهَا مَضَايِقِ الْبَيْتِ فَأَشْبَهَ الْكَلْبَ وَالسِّبَاعَ، فَلَمَّا ثَبَتَتْ الضَّرُورَةُ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَاسْتَوَى مَا يُوجِبُ الطَّهَارَةَ وَالنَّجَاسَةَ تَسَاقَطَا لِلتَّعَارُضِ فَصِيرَ إلَى الْأَصْلِ، وَهُوَ هُنَا شَيْئَانِ: الطَّهَارَةُ فِي الْمَاءِ، وَالنَّجَاسَةُ فِي اللُّعَابِ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ، فَبَقِيَ الْأَمْرُ مُشْكِلًا نَجِسًا مِنْ وَجْهٍ طَاهِرًا مِنْ آخَرَ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ.
لَا يُقَالُ: كَلْبُ الصَّيْدِ وَالْحِرَاسَةِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُعَارِضٌ بِالنَّصِّ كَمَا أَفَادَهُ فِي السَّعْدِيَّةِ (قَوْلُهُ لَا فِي طَهَارَتِهِ) أَيْ وَلَا فِيهِمَا جَمِيعًا كَمَا قِيلَ أَيْضًا، هَذَا مَعَ اتِّفَاقِهِمْ أَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يُنَجِّسُ الثَّوْبَ وَالْبَدَنَ وَالْمَاءَ وَلَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ، فَلِهَذَا قَالَ فِي كَشْفِ الْأَسْرَارِ: إنَّ الِاخْتِلَافَ لَفْظِيٌّ؛ لِأَنَّهُ مَنْ قَالَ الشَّكُّ فِي طَهُورِيَّتِهِ فَقَطْ أَرَادَ أَنَّ الطَّاهِرَ لَا يَتَنَجَّسُ بِهِ وَوَجَبَ الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التُّرَابِ، لَا أَنَّهُ لَيْسَ فِي طَهَارَتِهِ شَكٌّ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الشَّكَّ فِي طَهُورِيَّتِهِ إنَّمَا نَشَأَ مِنْ الشَّكِّ فِي طَهَارَتِهِ اهـ بَحْرٌ.
قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ، فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الشَّكَّ فِي الطَّهَارَةِ (قَوْلُهُ اُعْتُبِرَ بِالْأَجْزَاءِ) أَيْ كَالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، فَيَجُوزُ الْوُضُوءُ بِالْمَاءِ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَيْهِ مُحِيطٌ، وَكَانَ الْوَجْهُ أَنْ يَقُولَ مَا لَمْ يُسَاوِهِ لِمَا عَلِمْته فِي مَسْأَلَةِ الْفَسَاقِي بَحْرٌ. هَذَا، وَفِي السِّرَاجِ بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ الْوَجِيزِ: وَاعْتَرَضَ الصَّيْرَفِيُّ عَلَيْهِ حَيْثُ قَالَ: وَهَذَا بَعِيدٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا جُوِّزَ الْوُضُوءُ بِالْمَاءِ الَّذِي يَخْتَلِطُ بِالسُّؤْرِ إذَا كَانَ أَكْثَرَ كَانَ أَيْضًا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِالسُّؤْرِ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مِنْ اللُّعَابِ. اهـ. أَقُولُ: وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ مِنْ أَنَّهُ تَظَافَرَ كَلَامُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يُنْزَحُ مِنْهُ جَمِيعُ مَاءِ الْبِئْرِ، وَقَدَّمْنَا النُّقُولَ فِيهِ، وَأَنَّ اعْتِبَارَهُ بِالْأَجْزَاءِ مُخَالِفٌ لِذَلِكَ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْعَمَلَ بِمَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، وَبِهِ يَظْهَرُ أَنَّ مَا هُنَا غَيْرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute