أَوْ أَحَدُهُمَا؛ لِأَنَّ طَاعَتَهُمَا فَرْضُ عَيْنٍ «وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلْعَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ لَمَّا أَرَادَ الْجِهَادَ الْزَمْ أُمَّكَ فَإِنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ رِجْلِ أُمِّكَ» سِرَاجٌ وَفِيهِ لَا يَحِلُّ سَفَرٌ فِيهِ خَطَرٌ إلَّا بِإِذْنِهِمَا. وَمَا لَا خَطَرَ فِيهِ يَحِلُّ بِلَا إذْنٍ وَمِنْهُ السَّفَرُ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ
(وَعَبْدٍ وَامْرَأَةٍ) لِحَقِّ الْمَوْلَى وَالزَّوْجِ وَمُفَادُهُ وُجُوبُهُ لَوْ أَمَرَهَا الزَّوْجُ بِهِ فَتْحٌ. وَعَلَى غَيْرِ الْمُزَوَّجَةِ نَهْرٌ.
قُلْت: تَعْلِيلُ الشُّمُنِّيِّ بِضَعْفِ بُنْيَتِهَا يُفِيدُ خِلَافَهُ وَفِي الْبَحْرِ: إنَّمَا يَلْزَمُهَا أَمْرُهُ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى النِّكَاحِ وَتَوَابِعِهِ
ــ
[رد المحتار]
لِيُتَوَصَّلَ إلَى فَرْضِ كِفَايَةٍ وَلَوْ مَاتَ أَبَوَيْهِ فَأَذِنَ لَهُ جَدُّهُ لِأَبِيهِ وَجَدَّتُهُ لِأُمِّهِ، وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْآخَرَانِ: أَيْ أَبُو الْأُمِّ وَأُمُّ الْأَبِ فَلَا بَأْسَ بِخُرُوجِهِ لِقِيَامِ أَبٍ الْأَبِ وَأُمِّ الْأُمِّ مَقَامَ الْأَبِ وَالْأُمِّ عِنْدَ فَقْدِهِمَا، وَالْآخَرَانِ كَبَاقِي الْأَجَانِبِ إلَّا إذَا عُدِمَ الْأَوَّلَانِ: فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَخْرُجَ إلَّا بِإِذْنِهِمَا، وَلَوْ لَهُ أُمُّ أُمٍّ وَأُمُّ أَبٍ، فَالْإِذْنُ لِأُمِّ الْأُمِّ بِدَلِيلِ تَقَدُّمِهَا فِي الْحَضَانَةِ وَلِأَنَّ الْأُخْرَى لَا تَقُومُ مَقَامَ الْأَبِ، وَلَوْ لَهُ أَبٌ وَأُمُّ أَبٍ لَا يَنْبَغِي الْخُرُوجُ بِلَا إذْنِهَا؛ لِأَنَّهَا كَالْأُمِّ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْحَضَانَةِ لَهَا، وَأَمَّا غَيْرُ هَؤُلَاءِ كَالزَّوْجَةِ وَالْأَوْلَادِ وَالْأَخَوَاتِ وَالْأَعْمَامِ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ بِلَا إذْنِهِمْ إلَّا إذَا كَانَتْ نَفَقَتُهُمْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ وَخَافَ عَلَيْهِمْ الضَّيْعَةَ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ طَاعَتَهُمَا فَرْضُ عَيْنٍ) أَيْ وَالْجِهَادُ لَمْ يَتَعَيَّنْ فَكَانَ مُرَاعَاةُ فَرْضِ الْعَيْنِ أَوْلَى، كَمَا فِي التَّجْنِيسِ وَأُخِذَ مِنْهُ فِي الْبَحْرِ كَرَاهَةُ الْخُرُوجِ بِلَا إذْنِهِمَا، وَاعْتُرِضَ عَلَى قَوْلِ الْفَتْحِ إنَّهُ يَحْرُمُ.
قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْأَوْلَى هُنَا بِمَعْنَى الْأَقْوَى وَالْأَرْجَحِ أَيْ أَنَّ الْأَقْوَى مُرَاعَاةُ فَرْضِ الْعَيْنِ لِقُوَّتِهِ وَرُجْحَانِهِ عَلَى فَرْضِ الْكِفَايَةِ، فَحَيْثُ ثَبَتَ أَنَّهُ فَرْضٌ كَانَ خِلَافُهُ حَرَامًا، وَلِذَا قَالَ السَّرَخْسِيُّ: فَعَلَيْهِ أَنْ يُقَدِّمَ الْأَقْوَى. نَعَمْ قَدَّمْنَا آنِفًا عَنْهُ فِي الْجَدِّ وَالْجَدَّةِ الْفَاسِدَيْنِ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ لَا يَخْرُجَ إلَّا بِإِذْنِهِمَا (قَوْلُهُ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَخْ) دَلِيلٌ آخَرُ عَلَى تَقْدِيمِ الْوَالِدَيْنِ، وَقَدَّمْنَا الْحَدِيثَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ وَفِيهِ تَقْدِيمُ بِرِّهِمَا عَلَى الْجِهَادِ، وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ «فِي الرَّجُلِ الَّذِي جَاءَ يَسْتَأْذِنُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْجِهَادِ قَالَ أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ» وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ هُوَ جَاهِمَةُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ، ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ قَالَ: وَذُكِرَ «عَنْ ابْنِ عَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُرِيدُ الْجِهَادَ قَالَ أَلَك أُمٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ الْزَمْ أُمَّك» إلَخْ (قَوْلُهُ تَحْتَ رِجْلِ أُمِّك) هُوَ فِي مَعْنَى حَدِيثِ «الْجَنَّةُ تَحْتَ أَقْدَامِ الْأُمَّهَاتِ» وَلَعَلَّ الْمُرَادَ مِنْهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ تَقْبِيلُ رِجْلِهَا أَوْ هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ التَّوَاضُعِ لَهَا وَأُطْلِقَتْ الْجَنَّةُ عَلَى سَبَبِ دُخُولِهَا (قَوْلُهُ فِيهِ خَطَرٌ) كَالْجِهَادِ وَسَفَرِ الْبَحْرِ وَالْخَطَرُ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ الْمَفْتُوحَتَيْنِ الْإِشْرَافُ عَلَى الْهَلَاكِ كَمَا فِي ط عَنْ الْقَامُوسِ (قَوْلُهُ وَمَا لَا خَطَرَ) كَالسَّفَرِ لِلتِّجَارَةِ وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ يَحِلُّ بِلَا إذْنٍ إلَّا إنْ خِيفَ عَلَيْهِمَا الضَّيْعَةُ سَرَخْسِيٌّ (قَوْلُهُ وَمِنْهُ السَّفَرُ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ) ؛ لِأَنَّهُ أَوْلَى مِنْ التِّجَارَةِ إذَا كَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا وَلَمْ يَخَفْ عَلَيْهِمَا الضَّيْعَةَ سَرَخْسِيٌّ
(قَوْلُهُ وَمُفَادُهُ إلَخْ) أَيْ تَعْلِيلُ عَدَمِ وُجُوبِهِ كِفَايَةً عَلَى الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ بِكَوْنِهِ حَقَّ الْمَوْلَى، وَالزَّوْجِ أَيْ حَقَّ مَخْلُوقٍ فَيُقَدَّمُ عَلَى حَقِّ الْخَالِقِ لِاحْتِيَاجِ الْمَخْلُوقِ وَاسْتِغْنَاءِ الْخَالِقِ تَعَالَى يُفِيدُ وُجُوبَهُ كِفَايَةً عَلَى الْمَرْأَةِ لَوْ أَمَرَهَا بِهِ الزَّوْجُ لِارْتِفَاعِ الْمَانِعِ مِنْ حَقِّ الْخَالِقِ تَعَالَى وَكَذَا غَيْرُ الْمُزَوَّجَةِ لِعَدَمِ الْمَانِعِ مِنْ أَصْلِهِ، وَمِثْلُهُ الْعَبْدُ لَوْ أَمَرَهُ بِهِ مَوْلَاهُ لَكِنْ سَكَتَ عَنْهُ لِظُهُورِ وُجُوبِهِ كِفَايَةً عَلَى الْعَبْدِ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ، بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ وَلَوْ غَيْرَ مُزَوَّجَةٍ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ لِضَعْفِ بُنْيَتِهَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ فِي فَصْلِ قِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ: وَلِهَذَا أَيْ لِعَجْزِهَا عَنْ الْجِهَادِ لَمْ يَلْحَقْهَا فَرْضُهُ؛ وَلِأَنَّهَا عَوْرَةٌ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمُحِيطِ قَالَ فَلَا يَخُصُّ الْمُزَوَّجَةَ كَمَا ظَنَّ، وَبِهِ ظَهَرَ الْفَرْقُ وَهُوَ أَنَّ عَدَمَ وُجُوبِهِ عَلَى الْعَبْدِ لِحَقِّ الْمَوْلَى فَإِذَا زَالَ حَقُّهُ بِإِذْنِهِ ثَبَتَ الْوُجُوبُ، بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِحَقِّ الزَّوْجِ بَلْ لِكَوْنِهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِهِ وَلِذَا لَمْ يَجِبْ عَلَى غَيْرِ الْمُزَوَّجَةِ (قَوْلُهُ وَفِي الْبَحْرِ إلَخْ) مُرَادُ صَاحِبِ الْبَحْرِ مُنَاقَشَةُ الْفَتْحِ فِي دَعْوَاهُ الْوُجُوبَ عَلَى الْمَرْأَةِ لَوْ أَمَرَهَا الزَّوْجُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ وُجُوبُهُ عَلَيْهَا بِسَبَبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute