كَمَا لَا يَبْدَأُ قَرِيبَهُ الْبَاغِيَ (وَيَمْتَنِعُ الْفَرْعُ) عَنْ قَتْلِهِ بَلْ يَشْغَلُهُ (لِ) لِأَجْلِ أَنْ (يَقْتُلَهُ غَيْرُهُ) فَإِنْ فُقِدَ قَتَلَهُ (وَلَوْ قَتَلَهُ فَهَدَرٌ) لِعَدَمِ الْعَاصِمِ (وَلَوْ قَصَدَ الْأَصْلُ قَتْلَهُ وَلَمْ يُمْكِنْ دَفْعُهُ إلَّا بِقَتْلِهِ قَتَلَهُ) لِجَوَازِ الدَّفْعِ مُطْلَقًا
(وَيَجُوزُ الصُّلْحُ) عَلَى تَرْكِ الْجِهَادِ (مَعَهُمْ بِمَالٍ) مِنْهُمْ أَوْ مِنَّا (لَوْ خُيِّرَا) - لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} [الأنفال: ٦١]- (وَنَنْبِذُ) أَيْ نُعْلِمُهُمْ بِنَقْضِ الصُّلْحِ تَحَرُّزًا عَنْ الْغَدْرِ الْمُحَرَّمِ (لَوْ خُيِّرَا) لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِأَهْلِ مَكَّةَ
ــ
[رد المحتار]
وَجَدَّاتِهِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَالْأُمِّ كَالْأَبِ (قَوْلُهُ كَمَا لَا يَبْدَأُ قَرِيبَهُ الْبَاغِيَ) أَشَارَ إلَى فَائِدَةِ التَّقْيِيدِ بِالْمُشْرِكِ وَهِيَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُحَارِبُ بَاغِيًا لَا يَتَقَيَّدُ بِكَوْنِهِ أَصْلًا بَلْ يَعُمُّ الْأَخَ وَغَيْرَهُ قَالَ فِي الْبَحْرِ: لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إحْيَاؤُهُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ لِاتِّحَادِ الدِّينِ فَكَذَا بِتَرْكِ الْقَتْلِ. اهـ.
قُلْت: وَمُفَادُهُ تَقْيِيدُ الْقَرِيبِ بِالرَّحِمِ الْمَحْرَمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى غَيْرِهِ، لَكِنْ يَرِدُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِنْفَاقُ عَلَى فَرْعِهِ الْمُشْرِكِ يُجَابُ بِأَنَّ ذَاكَ فِي غَيْرِ الْحَرْبِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الْإِنْفَاقُ عَلَى الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ الْحَرْبِيِّينَ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ لَكِنْ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ بَدْءُ أَصْلِهِ بِالْقَتْلِ، وَأَنْ لَا يَصِحَّ التَّعْلِيلُ الْمَارُّ عَنْ الْهِدَايَةِ بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إحْيَاؤُهُ بِالْإِنْفَاقِ كَمَا أَوْرَدَهُ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ فَالْأَوْلَى التَّعْلِيلُ بِمَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ السِّيَرِ أَنَّ الْأَبَ كَانَ سَبَبَ إيجَادِهِ فَلَا يَكُونُ سَبَبَ إعْدَامِهِ بِالْقَصْدِ إلَى قَتْلِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ بَلْ يَشْغَلُهُ) أَيْ بِالْمُحَارَبَةِ بِأَنْ يُعَرْقِبَ فَرَسَهُ، أَوْ يَطْرَحَهُ عَنْهَا أَوْ يُلْجِئَهُ إلَى مَكَان وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَنْصَرِفَ عَنْهُ وَيَتْرُكَهُ نَهْرٌ (قَوْلُهُ فَإِنْ فُقِدَ قَتَلَهُ) أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ غَيْرُهُ قَتَلَهُ كَذَا قَالَهُ فِي النَّهْرِ، وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ. وَعِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ مَنْ يَقْتُلُهُ لَا يُمَكِّنُهُ مِنْ الرُّجُوعِ حَتَّى لَا يَعُودَ حَرْبًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَلَكِنَّهُ يُلْجِئُهُ إلَى مَكَان يَسْتَمْسِكُ بِهِ حَتَّى يَجِيءَ غَيْرُهُ فَيَقْتُلَهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَتَلَهُ فَهَدَرٌ) أَيْ بَاطِلٌ لَا دِيَةَ فِيهِ وَلَا قِصَاصَ نَعَمْ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى (قَوْلُهُ لِجَوَازِ الدَّفْعِ مُطْلَقًا) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْأَبُ مُسْلِمًا فَإِنَّهُ إذَا أَرَادَ قَتْلَ ابْنِهِ، وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّخَلُّصِ مِنْهُ إلَّا بِقَتْلِهِ كَانَ لَهُ قَتْلُهُ لِتَعَيُّنِهِ طَرِيقًا لِدَفْعِ شَرِّهِ فَهُنَا أَوْلَى، وَلَوْ كَانَا فِي سَفَرٍ وَعَطِشَا وَمَعَ الِابْنِ مَاءٌ يَكْفِي لِنَجَاةِ أَحَدِهِمَا كَانَ لِلِابْنِ شُرْبُهُ وَلَوْ كَانَ الْأَبُ يَمُوتُ وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ سَمِعَ أَبَاهُ الْمُشْرِكَ يَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى أَوْ رَسُولَهُ بِسُوءٍ أَنْ يَكُونَ لَهُ قَتْلُهُ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ قَتَلَ أَبَاهُ حِينَ سَمِعَهُ يَسُبُّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَشُرِّفَ وَكُرِّمَ، فَلَمْ يُنْكِرْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ» كَذَا فِي الْفَتْحِ
(قَوْلُهُ بِمَالٍ مِنْهُمْ) وَيُصْرَفُ مَصَارِفَ الْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ إنْ كَانَ قَبْلَ النُّزُولِ بِسَاحَتِهِمْ بَلْ بِرَسُولٍ أَمَّا إذَا نَزَلْنَا بِهِمْ فَهُوَ غَنِيمَةٌ نُخَمِّسُهَا وَنَقْسِمُ الْبَاقِيَ نَهْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ مِنَّا) أَيْ بِمَالٍ نُعْطِيهِ لَهُمْ إنْ خَافَ الْإِمَامُ الْهَلَاكَ عَلَى نَفْسِهِ وَالْمُسْلِمِينَ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ نَهْرٌ (قَوْلُهُ - {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ} [الأنفال: ٦١] أَيْ مَالُوا قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَالسِّلْمُ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ الصُّلْحُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وَالْآيَةُ مُقَيَّدَةٌ بِرُؤْيَةِ
الْمَصْلَحَةِ
إجْمَاعًا - {فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ} [محمد: ٣٥]- أَفَادَهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ أَيْ نُعْلِمُهُمْ بِنَقْضِ الصُّلْحِ) أَفَادَ شَرْطًا زَائِدًا عَلَى الْمَتْنِ وَهُوَ إعْلَامُهُمْ بِهِ؛ لِأَنَّ نَبْذَ الْعَهْدِ نَقْضُهُ، لَكِنْ لَا يَجُوزُ قِتَالُهُمْ أَيْضًا حَتَّى يَمْضِيَ عَلَيْهِ زَمَانٌ يَتَمَكَّنُ فِيهِ مَلِكُهُمْ مِنْ إنْفَاذِ الْخَبَرِ إلَى أَطْرَافِ مَمْلَكَتِهِ، حَتَّى لَوْ كَانُوا خَرَّبُوا حُصُونَهُمْ لِلْأَمَانِ، وَتَفَرَّقُوا فِي الْبِلَادِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَعُودُوا إلَى مَأْمَنِهِمْ وَيَعْمُرُوا حُصُونَهُمْ كَمَا كَانَتْ تَوَقِّيًا عَنْ الْغَدْرِ، وَهَذَا لَوْ نُقِضَ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ، أَمَّا لَوْ مَضَتْ فَلَا يَنْبِذُ إلَيْهِمْ، وَلَوْ كَانَ الصُّلْحُ بِجُعْلٍ فَنَقَضَهُ قَبْلَ الْمُدَّةِ رَدَّ عَلَيْهِمْ بِحِصَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ مُقَابَلٌ بِالْأَمَانِ فِي الْمُدَّةِ فَيَرْجِعُونَ بِمَا لَمْ يُسَلِّمْ لَهُمْ الْأَمَانَ فِيهِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِأَهْلِ مَكَّةَ) تَبِعَ فِيهِ الْهِدَايَةَ وَرَدَّهُ الْكَمَالُ حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَبَذَ الْمُوَادَعَةَ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِ مَكَّةَ فَالْأَلْيَقُ جَعْلُهُ دَلِيلًا لِقَوْلِهِ الْآتِي وَإِنْ بَدَءُوا بِخِيَانَةٍ قَاتَلَهُمْ، وَلَمْ يَنْبِذْ إلَيْهِمْ إذَا كَانَ بِاتِّفَاقِهِمْ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute