وَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ مَا فِي الْحَاوِي يُفِيدُ تَرْجِيحَ الصَّرْفِ لِأَغْنِيَائِهِمْ نَظَرَ فِيهِ فِي النَّهْرِ (وَذِكْرُهُ تَعَالَى لِلتَّبَرُّكِ) بِاسْمِهِ فِي ابْتِدَاءِ الْكَلَامِ إذْ الْكُلُّ لِلَّهِ (وَسَهْمُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَقَطَ بِمَوْتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ عُلِّقَ بِمُشْتَقٍّ وَهُوَ الرِّسَالَةُ
ــ
[رد المحتار]
وَلَوْ كَانَ لِأَجْلِ الْقَرَابَةِ لَمَا خَصَّهُمْ؛ لِأَنَّ عَبْدَ شَمْسٍ وَنَوْفَلًا أَخَوَانِ لِهَاشِمٍ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ وَالْمُطَّلِبُ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ فَكَانَ أَقْرَبَ وَالْمُرَادُ بِالنُّصْرَةِ كَوْنُهُمْ مَعَهُ يُؤَانِسُونَهُ بِالْكَلَامِ، وَالْمُصَاحَبَةِ لَا بِالْمُقَاتَلَةِ، وَلِذَا كَانَ لِنِسَائِهِمْ فِيهِ نَصِيبٌ ثُمَّ سَقَطَ ذَلِكَ بِمَوْتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَدَمِ تِلْكَ الْعِلَّةِ، وَهِيَ النُّصْرَةُ، فَيَسْتَحِقُّونَهُ بِالْفَقْرِ زَيْلَعِيٌّ مُلَخَّصًا.
وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ كَمَا سَقَطَ سَهْمُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَوْتِهِ عِنْدَنَا سَقَطَ سَهْمُ ذَوِي الْقُرْبَى بِمَوْتِهِ أَيْضًا لِفَقْدِ عِلَّةِ اسْتِحْقَاقِهِمْ، حَتَّى قَالَ الطَّحَاوِيُّ: لَا يَسْتَحِقُّ فَقِيرُهُمْ أَيْضًا لَكِنْ الْأَوَّلُ وَهُوَ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ أَظْهَرُ، وَقَدْ حُقِّقَ فِي الْفَتْحِ قِسْمَةُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَثْلَاثًا كَمَا قُلْنَا لَا أَخْمَاسًا كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فَرَاجِعْهُ.
[تَنْبِيهٌ] فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْبَدَائِعِ تُعْطَى الْقَرَابَةُ كِفَايَتَهُمْ. اهـ. وَفِيهَا عَنْ الْجَوْهَرَةِ أَنَّهُ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ كَالْأُنْثَيَيْنِ. قُلْت: وَاعْتَرَضَهُ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى بِأَنَّهُمْ ذَكَرُوا هَذَا عَنْ الشَّافِعِيِّ لَا عِنْدَنَا. قُلْت: عَلَى أَنَّهُ يُنَافِيهِ مَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ وَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ) حَيْثُ قَالَ: وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: الْخُمُسُ يُصْرَفُ إلَى ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَبِهِ نَأْخُذُ. اهـ.
وَهَذَا يَقْتَضِي كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ شَيْخُنَا يَعْنِي صَاحِبَ الْبَحْرِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى الصَّرْفِ إلَى الْأَقْرِبَاءِ الْأَغْنِيَاءِ فَلْيُحْفَظْ. اهـ. (قَوْلُهُ نَظَرَ فِيهِ فِي النَّهْرِ) حَيْثُ قَالَ: وَأَقُولُ فِيهِ نَظَرٌ بَلْ هُوَ تَرْجِيحٌ لِإِعْطَائِهِمْ، وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ سَكَتَ عَنْ اشْتِرَاطِ الْفَقْرِ فِيهِمْ لِلْعِلْمِ بِهِ اهـ وَأَنْتَ إذَا تَأَمَّلْت كَلَامَ الْحَاوِي رَأَيْتَهُ شَاهِدًا لِمَا فِي الْبَحْرِ، وَهَذِهِ عِبَارَتُهُ، وَأَمَّا الْخُمُسُ فَيُقْسَمُ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ سَهْمٌ لِلْيَتَامَى، وَسَهْمٌ لِلْمَسَاكِينِ، وَسَهْمٌ لِابْنِ السَّبِيلِ يَدْخُلُ فُقَرَاءُ ذَوِي الْقُرْبَى فِيهِمْ، وَيُقَدَّمُونَ وَلَا يُدْفَعُ لِأَغْنِيَائِهِمْ شَيْءٌ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْخُمُسَ يُصْرَفُ إلَى ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَبِهِ نَأْخُذُ اهـ إذْ لَوْ كَانَ كَمَا قَالَهُ فِي النَّهْرِ لَكَانَتْ رِوَايَةُ أَبِي يُوسُفَ عَيْنَ مَا قَبْلَهَا فَتَدَبَّرْ اهـ ح. قُلْت: لَكِنْ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذِهِ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: وَهِيَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَالْمُتُونُ وَالشُّرُوحُ أَيْضًا عَلَى خِلَافِهَا فَالْوَاجِبُ اتِّبَاعُ الْمَذْهَبِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الَّذِي اعْتَنَى الشُّرَّاحُ وَغَيْرُهُمْ بِتَأْيِيدِ أَدِلَّتِهِ وَالْجَوَابِ عَمَّا يُنَافِيهِ فَهَذَا أَقْوَى تَرْجِيحٍ وَلَا يُعَارِضُهُ تَرْجِيحُ الْحَاوِي، ثُمَّ رَأَيْت الْعَلَّامَةَ الشَّيْخَ إسْمَاعِيلَ النَّابُلُسِيَّ نَبَّهَ عَلَى نَحْوِ مَا قُلْته فِي شَرْحِهِ عَلَى الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ (قَوْلُهُ وَذِكْرُهُ تَعَالَى) أَيْ قَوْله تَعَالَى - {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: ٤١]- (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ عُلِّقَ بِمُشْتَقٍّ وَهُوَ الرِّسَالَةُ) عِبَارَةُ النَّهْرِ وَهُوَ الرَّسُولُ، فَيَكُونُ مَبْدَأَ الِاشْتِقَاقِ عِلَّةٌ وَهُوَ الرِّسَالَةُ وَلَا رَسُولَ بَعْدَهُ اهـ أَيْ كَمَا لَوْ قِيلَ إذَا لَقِيت عَالِمًا فَأَكْرِمْهُ وَإِذَا لَقِيت فَاسِقًا فَأَهِنْهُ، فَإِنَّهُ عُلِّقَ فِيهِ الْأَمْرُ بِالْإِكْرَامِ وَالْإِهَانَةِ عَلَى مُشْتَقٍّ، وَهُوَ عَالِمٌ وَفَاسِقٌ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا اُشْتُقَّ مِنْهُ ذَلِكَ الْوَصْفُ: أَعَنَى الْعِلْمَ وَالْفِسْقَ عِلَّةُ الْحُكْمِ أَيْ أَكْرِمْهُ لِعِلْمِهِ وَأَهِنْهُ لِفِسْقِهِ، وَبِهِ يَظْهَرُ مَا فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ، ثُمَّ إنَّ هَذَا أَغْلَبِيٌّ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال: ٤١]- لَيْسَ عِلَّتُهُ الْقَرَابَةَ عِنْدَنَا بَلْ النُّصْرَةُ إلَّا أَنْ يُقَالَ مُرَادُهُمْ نَفْيُ كَوْنِ الْعِلَّةِ مُجَرَّدَ الْقَرَابَةِ بَلْ الْعِلَّةُ قَرَابَةٌ خَاصَّةٌ مُقَيَّدَةٌ بِالنُّصْرَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَارِّ فَتَدَبَّرْ.
مَطْلَبٌ فِي أَنَّ رِسَالَتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَاقِيَةٌ بَعْدَ مَوْتِهِ [تَنْبِيهٌ] قَدَّمْنَا عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ سَهْمَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْلُفُهُ فِيهِ الْإِمَامُ بَعْدَهُ أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَسْتَحِقُّهُ لِإِمَامَتِهِ، وَعِنْدَنَا لِرِسَالَتِهِ، وَلَا رَسُولَ بَعْدَهُ أَيْ لَا يُوصَفُ بَعْدَهُ أَحَدٌ بِهَذَا الْوَصْفِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute