(وَلَوْ نَفَّلَ السَّرِيَّةَ) هِيَ قِطْعَةٌ مِنْ الْجَيْشِ مِنْ أَرْبَعَةٍ إلَى أَرْبَعِمِائَةٍ مَأْخُوذَةٌ مِنْ السَّرَى وَهُوَ الْمَشْيُ لَيْلًا دُرَرٌ (الرُّبُعَ وَسَمِعَ الْعَسْكَرُ دُونَهَا فَلَهُمْ النَّفَلُ) اسْتِحْسَانًا ظَهِيرِيَّةٌ، وَجَازَ التَّنْفِيلُ بِالْكُلِّ أَوْ بِقَدْرٍ مِنْهُ لِسَرِيَّةٍ لَا لِعَسْكَرٍ وَالْفَرْقُ فِي الدُّرَرِ
ــ
[رد المحتار]
مِنْ عَمَلِهِ وَلَوْ كَانَ الْأَسْرَى قَتْلَى فَقَالَ مَنْ قَطَعَ رُءُوسَهُمْ فَلَهُ أَجْرٌ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، فَفَعَلَ ذَلِكَ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ اسْتَحَقَّهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ عَمَلِ الْجِهَادِ، وَلَوْ أَرَادَ قَتْلَ الْأَسْرَى فَاسْتَأْجَرَ عَلَيْهِ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ اهـ مُلَخَّصًا.
وَهَذَا صَرِيحٌ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُصَرِّحْ بِالِاسْتِئْجَارِ يَكُونُ تَنْفِيلًا، وَيَشْهَدُ لَهُ فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَيْضًا مِنْهَا مَنْ جَاءَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، فَلَهُ أَلْفَانِ، فَجَاءَ رَجُلٌ بِأَلْفٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهَا، بِخِلَافِ مَنْ جَاءَ بِأَسِيرٍ فَهُوَ لَهُ وَخَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ فَإِنَّهُ يُعْطَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا نِكَايَةُ الْعَدُوِّ، وَفِيمَا قَبْلَهُ لَا مَقْصُودَ إلَّا الْمَالُ، وَلَوْ قَالَ: مَنْ قَتَلَ الْمَلِكَ فَلَهُ عَشَرَةُ آلَافِ دِينَارٍ صَحَّ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ بِقَتْلِهِ مَالٌ، قَالَ حِينَ اصْطَفُّوا لِلْقِتَالِ: مَنْ جَاءَ بِرَأْسٍ فَلَهُ مِائَةُ دِينَارٍ فَهُوَ عَلَى رَأْسِ الرِّجَالِ دُونَ السَّبْيِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ التَّحْرِيضُ عَلَى الْقِتَالِ اهـ فَفِي هَذِهِ الْفُرُوعِ ذِكْرُ مَالٍ مَعْلُومٍ وَقَدْ جُعِلَ تَنْفِيلًا لَا إجَارَةً لِعَدَمِ التَّصْرِيحِ بِهَا، فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلنَّهْرِ عَلَى الْمُنْيَةِ، وَكَذَا مَا نَقَلَهُ ح عَنْ قَاضِي خَانْ، لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ، وَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّ الِاسْتِئْجَارَ عَلَى الطَّاعَاتِ جَائِزٌ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ، فَفِيهِ أَنَّهُمْ أَجَازُوهُ فِي مَسَائِلَ خَاصَّةٍ لِلضَّرُورَةِ، وَلَيْسَ الْجِهَادُ مِنْهَا وَلَا يَصِحُّ حَمْلُ كَلَامِهِمْ عَلَى كُلِّ عِبَادَةٍ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ سَابِقًا فَافْهَمْ
(قَوْلُهُ وَلَوْ نَفَّلَ السَّرِيَّةَ إلَخْ) مِنْ فُرُوعِ قَوْلِهِ وَسَمَاعُ الْقَاتِلِ إلَخْ (قَوْلُهُ هِيَ قِطْعَةٌ مِنْ الْجَيْشِ إلَخْ) قَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ قَبْلَ هَذَا الْبَابِ (قَوْلُهُ الرُّبُعَ) أَيْ رُبُعَ الْغَنِيمَةِ أَيْ بِأَنْ جَعَلَ لَهُمْ رُبُعَهَا يَأْخُذُونَهُ دُونَ بَقِيَّةِ الْعَسْكَرِ زِيَادَةً عَلَى سِهَامِهِمْ (قَوْلُهُ فَلَهُمْ النَّفَلُ) أَيْ لِلسَّرِيَّةِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فَلَهَا لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ عَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَى الْعَسْكَرِ (قَوْلُهُ اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا نَفْلَ لَهُمْ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّحْرِيضُ، وَلَا يَحْصُلُ إذَا لَمْ يَسْمَعْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ، وَتَكَلُّمُ الْأَمِيرِ بِذَلِكَ فِي عَسْكَرِهِ كَتَكَلُّمِهِ لَيْلًا مَعَ عِيَالِهِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ فِي عَسْكَرِهِ يَفْشُو عَادَةً وَأَنَّ عَادَةَ الْمُلُوكِ التَّكَلُّمُ بَيْنَ خَوَاصِّهِمْ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ السِّيَرِ.
مَطْلَبٌ مُهِمٌّ فِي التَّنْفِيلِ الْعَامِّ بِالْكُلِّ أَوْ بِقَدْرٍ مِنْهُ (قَوْلُهُ وَجَازَ التَّنْفِيلُ بِالْكُلِّ) بِأَنْ يَقُولَ لِلسَّرِيَّةِ مَا أَصَبْتُمْ فَهُوَ لَكُمْ سَوِيَّةً بَيْنَكُمْ (قَوْلُهُ أَوْ بِقَدْرٍ مِنْهُ) بِأَنْ يَقُولَ: مَا أَصَبْتُمْ فَلَكُمْ ثُلُثُهُ سَوِيَّةً بَيْنَكُمْ بَعْدَ الْخُمُسِ أَوْ يَقُولَ قَبْلَ الْخُمُسِ: أَيْ لَكُمْ ثُلُثُهُ بَعْدَ إخْرَاجِ الْخُمُسِ أَوْ قَبْلَ إخْرَاجِهِ أَيْ ثُلُثُ الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ أَوْ ثُلُثُ الْكُلِّ (قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ فِي الدُّرَرِ) أَيْ الْفَرْقُ بَيْنَ جَوَازِ التَّنْفِيلِ الْمَذْكُورِ لِلسَّرِيَّةِ، وَعَدَمِ جَوَازِهِ لِلْعَسْكَرِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي الدُّرَرِ فِي الْفَرْقِ إلَّا التَّنْفِيلَ بِالْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ يُعْلَمُ مِنْهُ الْفَرْقُ فِي التَّنْفِيلِ بِقَدْرٍ مِنْهُ، وَعِبَارَةُ الدُّرَرِ هَكَذَا فِي النِّهَايَةِ عَنْ السِّيَرِ الْكَبِيرِ: أَنَّ الْإِمَامَ إذَا قَالَ لِأَهْلِ الْعَسْكَرِ جَمِيعًا مَا أَصَبْتُمْ فَلَكُمْ نَفْلًا بِالسَّوِيَّةِ بَعْدَ الْخُمُسِ، فَهَذَا لَا يَجُوزُ، وَكَذَا إذَا قَالَ مَا أَصَبْتُمْ فَلَكُمْ وَلَمْ يَقُلْ بَعْدَ الْخُمُسِ فَإِنْ فَعَلَهُ مَعَ السَّرِيَّةِ جَازَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّنْفِيلِ التَّحْرِيضُ عَلَى الْقِتَالِ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِتَخْصِيصِ الْبَعْضِ بِشَيْءٍ وَفِي التَّعْمِيمِ إبْطَالُ تَفْضِيلِ الْفَارِسِ عَلَى الرَّاجِلِ وَإِبْطَالُ الْخُمُسِ أَيْضًا إذَا لَمْ يَسْتَثْنِ اهـ. قُلْت: وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ صِحَّتِهِ لِلسَّرِيَّةِ صَرَّحَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالِاخْتِيَارِ وَالزَّيْلَعِيِّ: لَكِنْ نَقَلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْكَمَالِ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْعَسْكَرِ وَالسَّرِيَّةِ فِي عَدَمِ الصِّحَّةِ حَيْثُ قَالَ: لَوْ قَالَ لِلْعَسْكَرِ كُلُّ مَا أَخَذْتُمْ فَهُوَ لَكُمْ بِالسَّوِيَّةِ بَعْدَ الْخُمُسِ أَوْ لِلسَّرِيَّةِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ السَّهْمَيْنِ اللَّذَيْنِ أَوْجَبَهُمَا الشَّرْعُ، إذْ فِيهِ تَسْوِيَةُ الْفَارِسِ بِالرَّاجِلِ وَكَذَا لَوْ قَالَ مَا أَصَبْتُمْ فَهُوَ لَكُمْ وَلَمْ يَقُلْ بَعْدَ الْخُمُسِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ الْخُمُسِ الثَّابِتِ بِالنَّصِّ ذَكَرَهُ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ قَالَ الْكَمَالُ: وَهَذَا بِعَيْنِهِ يُبْطِلُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَوْلِهِ مَنْ أَصَابَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ لِاتِّحَادِ اللَّازِمِ فِيهِمَا، وَهُوَ بُطْلَانُ السَّهْمَيْنِ الْمَنْصُوصَيْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute