رَأْسَهُ أَوْ أَدْخَلَهُ فِي مَوْضِعِ الْغُبَارِ بِنِيَّةِ التَّيَمُّمِ جَازَ وَالشَّرْطُ وُجُودُ الْفِعْلِ مِنْهُ (وَلَوْ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا) طَهُرَتْ لِعَادَتِهَا (أَوْ نُفَسَاءَ بِمُطَهِّرٍ
ــ
[رد المحتار]
انْهَدَمَ الْحَائِطُ وَظَهَرَ الْغُبَارُ فَحَرَّكَ رَأْسَهُ وَنَوَى التَّيَمُّمَ جَازَ.
وَالشَّرْطُ وُجُودُ الْفِعْلِ مِنْهُ. اهـ: أَيْ الشَّرْطُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وُجُودُ الْفِعْلِ مِنْهُ وَهُوَ الْمَسْحُ أَوْ التَّحْرِيكُ وَقَدْ وُجِدَ، فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الضَّرْبَ غَيْرُ لَازِمٍ كَمَا مَرَّ، وَفِعْلُ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ قَائِمٌ مَقَامَ فِعْلِهِ فَهُوَ مِنْهُ فِي الْمَعْنَى فَافْهَمْ
(قَوْلُهُ طَهُرَتْ لِعَادَتِهَا) اعْلَمْ أَنَّهُ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَكَمَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِلْجُنُبِ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْعِيدِ فَكَذَلِكَ يَجُوزُ لِلْحَائِضِ إذَا طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ إذَا كَانَ أَيَّامُ حَيْضِهَا عَشْرًا، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ فَلَا. اهـ.
وَقَالَ فِي الْبَحْرِ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ غَيْرُ صَحِيحٍ، بِدَلِيلِ مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ إذَا انْقَطَعَ لِأَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ فَتَيَمَّمَتْ لِعَدَمِ الْمَاءِ وَصَلَّتْ جَازَ لِلزَّوْجِ وَطْؤُهَا إلَخْ.
وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ بِحَمْلِ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ عَلَى مَا إذَا انْقَطَعَ لِأَقَلَّ مِنْ عَادَتِهَا، لِمَا سَيَأْتِي فِي الْحَيْضِ مِنْ أَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَحِلُّ قُرْبَانُهَا وَإِنْ اغْتَسَلَتْ فَضْلًا عَنْ التَّيَمُّمِ. اهـ.
أَقُولُ: لَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَ الظَّهِيرِيَّةِ إذَا كَانَ أَيَّامُ حَيْضِهَا عَشْرًا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ ذَلِكَ عَادَتُهَا، فَهَذَا الْحَمْلُ بَعِيدٌ، ثُمَّ ظَهَرَ لِي بِتَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّ كَلَامَ الظَّهِيرِيَّةِ صَحِيحٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ.
وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ التَّيَمُّمَ لِخَوْفِ فَوْتِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَوْ الْعِيدِ يَصِحُّ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ؛ لِأَنَّهَا تَفُوتُ لَا إلَى خَلَفٍ كَمَا يَأْتِي، وَهَذَا فِي الْمُحْدِثِ ظَاهِرٌ، وَكَذَا فِي الْجُنُبِ.
وَأَمَّا الْحَائِضُ فَإِذَا طَهُرَتْ لِتَمَامِ الْعَشَرَةِ فَقَدْ خَرَجَتْ مِنْ الْحَيْضِ وَلَمْ يَبْقَ مَعَهَا سِوَى الْجَنَابَةِ فَهِيَ كَالْجُنُبِ. وَأَمَّا إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا لِدُونِ الْعَشَرَةِ فَلَا تَخْرُجُ مِنْ الْحَيْضِ مَا لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهَا بِأَحْكَامِ الطَّاهِرَاتِ، بِأَنْ تَصِيرَ الصَّلَاةُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا أَوْ تَغْتَسِلَ أَوْ تَتَيَمَّمَ بِشَرْطِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ، وَقَوْلُهُمْ أَوْ تَتَيَمَّمَ بِشَرْطِهِ أَرَادُوا بِهِ التَّيَمُّمَ الْكَامِلَ الْمُبِيحَ لِصَلَاةِ الْفَرَائِضِ، وَهُوَ مَا يَكُونُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ.
وَأَمَّا التَّيَمُّمُ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَوْ عِيدٍ خِيفَ فَوْتُهَا فَغَيْرُ كَامِلٍ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مَعَ حُضُورِ الْمَاءِ، لِهَذَا لَا تَصِحُّ صَلَاةُ الْفَرْضِ بِهِ وَلَا صَلَاةُ جِنَازَةٍ حَضَرَتْ بَعْدَهُ، فَعَلِمْنَا بِذَلِكَ أَنَّهَا لَوْ تَيَمَّمَتْ لِذَلِكَ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ التَّيَمُّمَ غَيْرُ كَامِلٍ. وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ التَّيَمُّمُ لِقِيَامِ الْمُنَافِي بَعْدُ وَهُوَ الْحَيْضُ وَعَدَمُ وُجُودِ شَرْطِهِ وَهُوَ فَقْدُ الْمَاءِ، نَعَمْ لَوْ تَيَمَّمَتْ لِذَلِكَ مَعَ فَقْدِ الْمَاءِ حُكِمَ عَلَيْهَا بِالطَّهَارَةِ وَجَازَتْ صَلَاتُهَا بِهِ مِنْ الْفَرَائِضِ وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ تَيَمُّمٌ كَامِلٌ؛ وَمُرَادُ الظَّهِيرِيَّةِ التَّيَمُّمُ النَّاقِصُ، وَهُوَ مَا يَكُونُ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ، فَالتَّفْصِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْحَائِضِ صَحِيحٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ، كَأَنَّهُ فِي الْبَحْرِ ظَنَّ أَنَّ مُرَادَهُ التَّيَمُّمُ الْكَامِلُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا لَا يَخْفَى.
بَقِيَ الْكَلَامُ فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ، فَقَوْلُهُ طَهُرَتْ لِعَادَتِهَا فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا مَفْرُوضٌ فِي التَّيَمُّمِ الْكَامِلِ الَّذِي يَكُونُ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ وَالْحَائِضُ يَصِحُّ تَيَمُّمُهَا عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ إذَا طَهُرَتْ لِتَمَامِ الْعَشَرَةِ أَوْ لِدُونِهَا، وَيَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَغْتَسِلَ أَوْ تَتَيَمَّمَ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ سَوَاءٌ انْقَطَعَ لِتَمَامِ عَادَتِهَا أَوْ لِدُونِ عَادَتِهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ، وَيَأْتِي فِيهِ أَنَّهُ إذَا انْقَطَعَ لِتَمَامِ الْعَادَةِ يَحِلُّ لِزَوْجِهَا قُرْبَانُهَا كَمَا لَوْ انْقَطَعَ لِتَمَامِ الْعَشَرَةِ، وَإِنْ لِدُونِ عَادَتِهَا لَا يَحِلُّ لَهُ قُرْبَانُهَا، فَالتَّقْيِيدُ بِالْعَادَةِ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ إنَّمَا يُفِيدُ بِالنَّظَرِ إلَى الْقُرْبَانِ فَقَطْ، فَكَانَ الْوَاجِبُ إسْقَاطَهُ لِإِيهَامِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِدُونِ الْعَادَةِ لَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهَا مَعَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا إذَا فَقَدَتْ الْمَاءَ لِوُجُودِ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا كَمَا عَلِمْت. وَاَلَّذِي أَوْقَعَهُ عِبَارَةُ النَّهْرِ الْمَبْنِيَّةُ عَلَى مَا فَهِمَهُ صَاحِبُ النَّهْرِ مِنْ كَلَامِ الظَّهِيرِيَّةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بِمُطَهَّرٍ) مُتَعَلِّقٌ بِتَيَمَّمَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِمُسْتَوْعِبًا، وَجَعَلَهُ الْعَيْنِيُّ صِفَةً لِضَرْبَتَيْنِ فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ: أَيْ مُلْتَصِقَتَيْنِ بِمُطَهِّرٍ نَهْرٌ.