مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ نَقْعٌ) أَيْ غُبَارٌ، فَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ بَيْنَ أَصَابِعِهِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى ضَرْبَةٍ ثَالِثَةٍ لِلتَّخَلُّلِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ يَحْتَاجُ إلَيْهَا، نَعَمْ لَوْ يَمَّمَ غَيْرَهُ يَضْرِبُ ثَلَاثًا لِلْوَجْهِ وَالْيُمْنَى وَالْيُسْرَى قُهُسْتَانِيٌّ (وَبِهِ مُطْلَقًا) عَجَزَ عَنْ التُّرَابِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ تُرَابٌ رَقِيقٌ.
(فَلَا يَجُوزُ) بِلُؤْلُؤٍ وَلَوْ مَسْحُوقًا لِتَوَلُّدِهِ مِنْ حَيَوَانِ الْبَحْرِ، وَلَا بِمَرْجَانَ
ــ
[رد المحتار]
قُلْت: وَالْأَخِيرُ أَوْلَى، لِئَلَّا يَلْزَمَ تَعَلُّقُ حَرْفَيْ جَرٍّ بِمَعْنًى وَاحِدٍ بِمُتَعَلِّقٍ وَاحِدٍ، إلَّا أَنْ نَجْعَلَ الْبَاءَ فِي بِضَرْبَتَيْنِ لِلتَّعْدِيَةِ وَفِي بِمُطَهِّرٍ لِلْمُلَابَسَةِ أَوْ بِالْعَكْسِ تَأَمَّلْ. وَتَعْبِيرُهُ بِمُطَهَّرٍ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِهِمْ بِطَاهِرٍ، لِإِخْرَاجِ الْأَرْضِ الْمُتَنَجِّسَةِ إذَا جَفَّتْ كَمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ.
وَأَمَّا إذَا تَيَمَّمَ جَمَاعَةٌ مِنْ مَحَلٍّ وَاحِدٍ فَيَجُوزُ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْفُرُوعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مُسْتَعْمَلًا، إذْ التَّيَمُّمُ إنَّمَا يَتَأَدَّى بِمَا الْتَزَقَ بِيَدِهِ لَا بِمَا فَضَلَ كَالْمَاءِ الْفَاضِلِ فِي الْإِنَاءِ بَعْدَ وُضُوءِ الْأَوَّلِ، وَإِذَا كَانَ عَلَى حَجَرٍ أَمْلَسَ فَيَجُوزُ بِالْأَوْلَى نَهْرٌ (قَوْلُهُ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ) الْفَارِقُ بَيْنَ جِنْسِ الْأَرْضِ وَغَيْرِهِ أَنَّ كُلَّ مَا يَحْتَرِقُ بِالنَّارِ فَيَصِيرُ رَمَادًا كَالشَّجَرِ وَالْحَشِيشِ أَوْ يَنْطَبِعُ وَيَلِينُ كَالْحَدِيدِ وَالصُّفْرِ وَالذَّهَبِ وَالزُّجَاجِ وَنَحْوِهَا فَلَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ ابْنُ كَمَالٍ عَنْ التُّحْفَةِ (قَوْلُهُ نَقْعٌ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٌ كَمَا قَالَ تَعَالَى {فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا} [العاديات: ٤] (قَوْلُهُ لَمْ يَحْتَجْ إلَخْ) أَيْ بَلْ يُخَلِّلُ مِنْ غَيْرِ ضَرْبَةٍ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يُخَلِّلُ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الِاسْتِيعَابَ مِنْ تَمَامِ الْحَقِيقَةِ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَيَجِبُ تَخْلِيلُ الْأَصَابِعِ إذَا لَمْ يَدْخُلْ بَيْنَهَا غُبَارٌ. وَفِي الْهِنْدِيَّةِ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَمْسَحُ الْكَفَّ وَضَرْبُهَا يَكْفِي. أَفَادَهُ ط.
أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا تَحْتَ الْخَاتَمِ الْوَاسِعِ إنْ أَصَابَهُ الْغُبَارُ لَا يَلْزَمُ تَحْرِيكُهُ وَإِلَّا لَزِمَ كَالتَّخْلِيلِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ يَحْتَاجُ إلَيْهَا) ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِلَا غُبَارٍ فَحَيْثُ لَمْ يَدْخُلْ بَيْنَ الْأَصَابِعِ لَا بُدَّ مِنْهَا عَلَى قَوْلِهِ (قَوْلُهُ وَهُوَ) أَيْ الْغَيْرُ (قَوْلُهُ يَضْرِبُ ثَلَاثًا) أَيْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَعْضَاءِ ضَرْبَةٌ، وَهَذَا نَقَلَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ عَنْ الْعُمَانِيِّ وَهُوَ كِتَابٌ غَرِيبٌ، وَالْمَشْهُورُ فِي الْكُتُبِ الْمُتَدَاوَلَةِ الْإِطْلَاقُ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلْحَدِيثِ الشَّرِيفِ «التَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ» إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ إذَا مَسَحَ يَدَ الْمَرِيضِ بِكِلْتَا يَدَيْهِ، فَحِينَئِذٍ لَا شُبْهَةَ فِي أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى ضَرْبَةٍ ثَالِثَةٍ يَمْسَحُ بِهَا يَدَهُ الْأُخْرَى (قَوْلُهُ وَبِهِ مُطْلَقًا) أَيْ وَيَتَيَمَّمُ بِالنَّقْعِ مُطْلَقًا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ؛ فَعِنْدَهُ لَا يَتَيَمَّمُ بِهِ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ بَحْرٌ، وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُ إلَّا التُّرَابُ وَالرَّمْلُ نَهْرٌ، وَمَا فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ مِنْ أَنَّهُ هُوَ الْمُخْتَارُ غَرِيبٌ مُخَالِفٌ لِمَا اعْتَمَدَهُ أَصْحَابُ الْمُتُونِ رَمْلِيٌّ.
(قَوْلُهُ فَلَا يَجُوزُ بِلُؤْلُؤٍ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ (قَوْلُهُ لِتَوَلُّدِهِ مِنْ حَيَوَانِ الْبَحْرِ) قَالَ الشَّيْخُ دَاوُد الطَّبِيبُ فِي تَذْكِرَتِهِ: أَصْلُهُ دُودٌ يَخْرُجُ فِي نَيْسَانَ فَاتِحًا فَمَهُ لِلْمَطَرِ حَتَّى إذَا سَقَطَ فِيهِ انْطَبَقَ وَغَاصَ حَتَّى يَبْلُغَ آخِرَهُ (قَوْلُهُ وَلَا بِمَرْجَانَ إلَخْ) كَذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ، وَجَزَمَ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ بِأَنَّهُ سَهْوٌ، وَأَنَّ الصَّوَابَ الْجَوَازُ بِهِ كَمَا فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ.
وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي مِنَحِهِ: أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِسَهْوٍ لِأَنَّهُ إنَّمَا مُنِعَ جَوَازُ التَّيَمُّمِ بِهِ، لِمَا قَامَ عِنْدَهُ مِنْ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ مِنْ الْمَاءِ كَاللُّؤْلُؤِ؛ فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَلَا خِلَافَ فِي مَنْعِ الْجَوَازِ، وَالْقَائِلُ بِالْجَوَازِ إنَّمَا قَالَ بِهِ لِمَا قَامَ عِنْدَهُ مِنْ أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَلَا كَلَامَ فِي الْجَوَازِ.
وَاَلَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِالْجَوَاهِرِ أَنَّ لَهُ شَبَهَيْنِ: شَبَهًا بِالنَّبَاتِ، وَشَبَهًا بِالْمَعَادِنِ، وَبِهِ أَفْصَحَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فَقَالَ: إنَّهُ مُتَوَسِّطٌ بَيْنَ عَالَمَيْ النَّبَاتِ وَالْجَمَادِ، فَيُشْبِهُ الْجَمَادَ بِتَحَجُّرِهِ، وَيُشْبِهُ النَّبَاتَ بِكَوْنِهِ أَشْجَارًا نَابِتًا فِي قَعْرِ الْبَحْرِ ذَوَاتَ عُرُوقٍ وَأَغْصَانٍ خُضْرٍ مُتَشَعِّبَةٍ قَائِمَةٍ. اهـ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute