للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(لَا) يَتَيَمَّمُ (لِفَوْتِ جُمُعَةٍ وَوَقْتٍ) وَلَوْ وِتْرًا لِفَوَاتِهَا إلَى بَدَلٍ، وَقِيلَ يَتَيَمَّمُ لِفَوَاتِ الْوَقْتِ. قَالَ الْحَلَبِيُّ: فَالْأَحْوَطُ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيُصَلِّيَ ثُمَّ يُعِيدَهُ. (وَيَجِبُ) أَيْ يُفْتَرَضُ (طَلَبُهُ) وَلَوْ بِرَسُولِهِ (قَدْرَ غَلْوَةٍ) ثَلَثِمِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ.

ــ

[رد المحتار]

قَوْلُهُ لِفَوَاتِهَا) أَيْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ إلَى بَدَلٍ؛ فَبَدَلُ الْوَقْتِيَّاتِ وَالْوِتْرِ الْقَضَاءُ، وَبَدَلُ الْجُمُعَةِ الظُّهْرُ فَهُوَ بَدَلُهَا صُورَةً عِنْدَ الْفَوَاتِ وَإِنْ كَانَ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ هُوَ الْأَصْلَ، وَالْجُمُعَةُ خَلَفٌ عَنْهُ خِلَافًا لِزُفَرَ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ يَتَيَمَّمُ إلَخْ) هُوَ قَوْلُ زُفَرَ. وَفِي الْقُنْيَةِ أَنَّهُ رِوَايَةٌ عَنْ مَشَايِخِنَا بَحْرٌ، وَقَدَّمْنَا ثَمَرَةَ الْخِلَافِ (قَوْلُهُ قَالَ الْحَلَبِيُّ) أَيْ الْبُرْهَانُ إبْرَاهِيمُ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِهِ عَنْ الْمُنْيَةِ، وَذَكَرَ مِثْلَهُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ الْحَلَبِيُّ فِي الْحِلْيَةِ شَرْحِ الْمُنْيَةِ حَيْثُ ذَكَرَ فُرُوعًا عَنْ الْمَشَايِخِ، ثُمَّ قَالَ مَا حَاصِلُهُ: وَلَعَلَّ هَذَا مِنْ هَؤُلَاءِ الْمَشَايِخِ اخْتِيَارٌ لِقَوْلِ زُفَرَ لِقُوَّةِ دَلِيلِهِ، وَهُوَ أَنَّ التَّيَمُّمَ إنَّمَا شُرِعَ لِلْحَاجَةِ إلَى أَدَاءِ الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ فَيَتَيَمَّمُ عِنْدَ خَوْفِ فَوْتِهِ. قَالَ شَيْخُنَا ابْنُ الْهُمَامِ وَلَمْ يَتَّجِهْ لَهُمْ عَلَيْهِ سِوَى أَنَّ التَّقْصِيرَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ فَلَا يُوجِبُ التَّرْخِيصَ عَلَيْهِ، وَهُوَ إنَّمَا يَتِمُّ إذَا أَخَّرَ لَا لِعُذْرٍ. اهـ. وَأَقُولُ: إذَا أَخَّرَ لَا لِعُذْرٍ فَهُوَ عَاصٍ. وَالْمَذْهَبُ عِنْدَنَا أَنَّهُ كَالْمُطِيعِ فِي الرُّخَصِ، نَعَمْ تَأْخِيرُهُ إلَى هَذَا الْحَدِّ عُذْرٌ جَاءَ مِنْ قِبَلِ غَيْرِ صَاحِبِ الْحَقِّ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي ثُمَّ يُعِيدُ الْوُضُوءَ كَمَنْ عَجَزَ بِعُذْرٍ مِنْ قِبَلِ الْعِبَادِ، وَقَدْ نَقَلَ الزَّاهِدِيُّ فِي شَرْحِهِ هَذَا الْحُكْمَ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ خِلِّكَانَ أَنَّهُ كَانَ حَنَفِيَّ الْمَذْهَبِ، وَكَذَا ذَكَرَهُ فِي [الْجَوَاهِرِ الْمُضِيئَةِ فِي طَبَقَاتِ الْحَنَفِيَّةِ] . اهـ مَا فِي الْحِلْيَةِ.

قُلْت: وَهَذَا قَوْلٌ مُتَوَسِّطٌ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ، وَفِيهِ الْخُرُوجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ فَلِذَا أَقَرَّهُ الشَّارِحُ، ثُمَّ رَأَيْته مَنْقُولًا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ أَبِي نَصْرِ بْنِ سَلَّامٍ وَهُوَ مِنْ كِبَارِ الْأَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ قَطْعًا، فَيَنْبَغِي الْعَمَلُ بِهِ احْتِيَاطًا وَلَا سِيَّمَا وَكَلَامُ ابْنِ الْهُمَامِ يَمِيلُ إلَى تَرْجِيحِ قَوْلِ زُفَرَ كَمَا عَلِمْته، بَلْ قَدْ عَلِمْت مِنْ كَلَامِ الْقُنْيَةِ أَنَّهُ رِوَايَةٌ عَنْ مَشَايِخِنَا الثَّلَاثَةِ، وَنَظِيرُ هَذَا مَسْأَلَةُ الضَّيْفِ الَّذِي خَافَ رِيبَةً فَإِنَّهُمْ قَالُوا يُصَلِّي ثُمَّ يُعِيدُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَيَجِبُ) أَيْ عَلَى الْمُسَافِرِ؛ لِأَنَّ طَلَبَ الْمَاءِ فِي الْعُمْرَانَاتِ أَوْ فِي قُرْبِهَا وَاجِبٌ مُطْلَقًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ طَلَبُهُ) أَيْ الْمَاءِ (قَوْلُهُ وَلَوْ بِرَسُولِهِ) وَكَذَا لَوْ أَخْبَرَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُرْسِلَهُ بَحْرٌ عَنْ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ ثَلَثِمِائَةِ ذِرَاعٍ) أَيْ إلَى أَرْبَعِمِائَةٍ دُرَرٌ وَكَافِي وَسِرَاجٌ وَمُبْتَغًى.

مَطْلَبٌ فِي تَقْدِيرِ الْغَلْوَةِ (قَوْلُهُ ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ) أَيْ الْبُرْهَانُ إبْرَاهِيمُ. وَعِبَارَتُهُ فِي شَرْحَيْهِ عَلَى الْمُنْيَةِ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ: فَيَطْلُبُ يَمِينًا وَيَسَارًا قَدْرَ غَلْوَةٍ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَهِيَ ثَلَاثُمِائَةِ خُطْوَةٍ إلَى أَرْبَعِمِائَةٍ، وَقِيلَ قَدْرُ رَمْيَةِ سَهْمٍ. اهـ. وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا عَزَاهُ إلَيْهِ الشَّارِحُ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ تَفْسِيرُ الْغَلْوَةِ بِالْخُطَا لَا بِالْأَذْرُعِ. وَالثَّانِي الِاكْتِفَاءُ بِالطَّلَبِ يَمِينًا وَيَسَارًا، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِقَوْلِ الْخَانِيَّةِ يُفْرَضُ الطَّلَبُ يَمِينًا وَيَسَارًا قَدْرَ غَلْوَةٍ، وَظَاهِرُهُ كَمَا فِي الشَّيْخِ إسْمَاعِيلِ عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي جَانِبِ الْخَلْفِ وَالْقُدَّامِ، نَعَمْ فِي الْحَقَائِقِ يَنْظُرُ يَمِينَهُ وَشِمَالَهُ وَأَمَامَهُ وَوَرَاءَهُ غَلْوَةً.

قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ بَلْ يَكْفِيهِ النَّظَرُ فِي هَذِهِ الْجِهَاتِ وَهُوَ فِي مَكَانِهِ إذَا كَانَ حَوَالَيْهِ لَا يَسْتَتِرُ عَنْهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>