بِدَلِيلِ {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} [يوسف: ٢٠] وَهُوَ مِنْ الْأَضْدَادِ، وَيُسْتَعْمَلُ مُتَعَدِّيًا وَبِمِنْ لِلتَّأْكِيدِ وَبِاللَّامِ، يُقَالُ: بِعْتُكَ الشَّيْءَ وَبِعْتُ لَكَ فَهِيَ زَائِدَةٌ قَالَهُ ابْنُ الْقَطَّاعِ، وَبَاعَ عَلَيْهِ الْقَاضِي: أَيْ بِلَا رِضَاهُ. وَشَرْعًا: (مُبَادَلَةُ شَيْءٍ مَرْغُوبٍ فِيهِ بِمِثْلِهِ) خَرَجَ غَيْرُ الْمَرْغُوبِ كَتُرَابٍ وَمَيْتَةٍ وَدَمٍ
ــ
[رد المحتار]
الْقُدْرَةُ عَلَى الْمَبِيعِ دُونَ الثَّمَنِ وَيَنْفَسِخُ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ دُونَ الثَّمَنِ. اهـ.
وَفِي التَّلْوِيحِ أَيْضًا مِنْ بَحْثِ الْقَضَاءِ: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْمَنْفَعَةَ مِلْكٌ لَا مَالٌ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُتَصَرَّفَ فِيهِ بِوَصْفِ الِاخْتِصَاصِ، وَالْمَالَ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُدَّخَرَ لِلِانْتِفَاعِ وَقْتَ الْحَاجَةِ، وَالتَّقْوِيمُ يَسْتَلْزِمُ الْمَالِيَّةَ عِنْدَ الْإِمَامِ وَالْمِلْكَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ: الْمَالُ اسْمٌ لِغَيْرِ الْآدَمِيِّ، خُلِقَ لِمَصَالِحِ الْآدَمِيِّ وَأُمْكِنَ إحْرَازُهُ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ عَلَى وَجْهِ الِاخْتِيَارِ، وَالْعَبْدُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَعْنَى الْمَالِيَّةِ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ حَقِيقَةً حَتَّى لَا يَجُوزَ قَتْلُهُ وَإِهْلَاكُهُ. اهـ.
قُلْتُ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمَالَ الْمُنْتَفَعَ بِهِ فِي التَّصَرُّفِ عَلَى وَجْهِ الِاخْتِيَارِ، وَالْقَتْلُ وَالْإِهْلَاكُ لَيْسَ بِانْتِفَاعٍ؛ وَلِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْمَالِ يُعْتَبَرُ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِمَا يَصْلُحُ لَهُ، وَلَا يَجُوزُ إهْلَاكُ شَيْءٍ مِنْ الْمَالِ بِلَا انْتِفَاعٍ أَصْلًا كَقَتْلِ الدَّابَّةِ بِلَا سَبَبٍ مُوجِبٍ (قَوْلُهُ: بِدَلِيلِ {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} [يوسف: ٢٠] أَيْ بَاعُوهُ: أَيْ إخْوَةُ يُوسُفَ بِثَمَنٍ نَاقِصٍ، وَقِيلَ: بَاعُوهُ بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا، فَالْآيَةُ عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَلْزَمُ كَوْنُ الْمَبِيعِ فِيهِ مَالًا؛ لِأَنَّ الْحُرَّ لَا يُمْلَكُ. قُلْتُ: وَفِيهِ أَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَسْتَرِقُّونَ الْأَحْرَارَ وَيَبِيعُونَهُمْ، فَلَا تَدُلُّ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ لُغَةً لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْمَالِيَّةُ، عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْحُرَّ يُمْلَكُ قَبْلَ شَرْعِنَا، بِدَلِيلِ - {قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ} [يوسف: ٧٥]- ثُمَّ رَأَيْتُ ذَلِكَ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ مِنْ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ حَيْثُ قَالَ: إنَّ الْحُرَّ كَانَ مَالًا فِي شَرِيعَةِ يَعْقُوبَ - عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَتَّى اُسْتُرِقَّ السَّارِقُ كَمَا فِي شَرْحِ التَّأْوِيلَاتِ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَالًا عِنْدَ أَحَدٍ. اهـ. فَالْأَوْلَى الِاسْتِدْلَال بِمِثْلِ - {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ} [التوبة: ١١١]- {فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ} [التوبة: ١١١]- {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى} [البقرة: ١٦]- وَنَحْوَهُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ دَعْوَى الْمَجَازِ فِي ذَلِكَ خِلَافُ الْأَصْلِ فَافْهَمْ، وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ تَعْرِيفَهُ لُغَةً بِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلْمُحِيطِ أَوْلَى مِمَّا فِي الْفَتْحِ عَنْ فَخْرِ الْإِسْلَامِ مِنْ أَنَّ الْبَيْعَ لُغَةً مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ، لَكِنْ يَرِدُ عَلَى الْأَوَّلِ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ النِّكَاحُ، إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْمُقَابَلَةِ مَا يَكُونُ عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ حَقِيقَةً تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ مِنْ الْأَضْدَادِ) أَيْ مِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تُطْلَقُ عَلَى الشَّيْءِ وَعَلَى ضِدِّهِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى - {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ} [الكهف: ٧٩]- أَيْ قُدَّامَهُمْ. قَالَ: فِي الْفَتْحِ: يُقَالُ بَاعَهُ إذَا أَخْرَجَ الْعَيْنَ مِنْ مِلْكِهِ إلَيْهِ، وَبَاعَهُ أَيْ اشْتَرَاهُ. اهـ. وَكَذَا الشِّرَاءُ بِدَلِيلِ - {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} [يوسف: ٢٠]- فَيُطْلَقُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ. وَفِي الْمِصْبَاحِ: وَالْبَيْعُ مِنْ الْأَضْدَادِ مِثْلُ الشِّرَاءِ وَيُطْلَقُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَنَّهُ بَائِعٌ، لَكِنْ إذَا أُطْلِقَ الْبَائِعُ فَالْمُتَبَادَرُ إلَى الذِّهْنِ بَاذِلُ السِّلْعَةِ (قَوْلُهُ: وَيُسْتَعْمَلُ مُتَعَدِّيًا) أَيْ بِنَفْسِهِ إلَى مَفْعُولَيْنِ (قَوْلُهُ: وَبِمِنْ لِلتَّأْكِيدِ) كَبِعْتُ مِنْ زَيْدٍ الدَّارَ، وَظَاهِرُ الْفَتْحِ أَنَّهَا لِلتَّعْدِيَةِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: وَيَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ وَبِالْحَرْفِ (قَوْلُهُ: وَبِاللَّامِ) أَيْ قَلِيلًا. وَعِبَارَةُ ابْنِ الْقَطَّاعِ عَلَى مَا فِي الْمِصْبَاحِ: وَرُبَّمَا دَخَلَتْ اللَّامُ مَكَانَ مِنْ، تَقُولُ: بِعْتُكَ الشَّيْءَ وَبِعْتُ لَكَ فَهِيَ زَائِدَةٌ. اهـ.
(قَوْلُهُ: يُقَالُ بِعْتُكَ الشَّيْءَ) مِثَالٌ لِلْمُتَعَدِّي بِنَفْسِهِ وَتَرَكَ مِثَالَ التَّعَدِّي بِمِنْ (قَوْلُهُ: وَبَاعَ عَلَيْهِ الْقَاضِي) أَفَادَ أَنَّهُ يَتَعَدَّى بِعَلَى أَيْضًا فِي مَقَامِ الْإِجْبَارِ وَالْإِلْزَامِ (قَوْلُهُ: مُبَادَلَةُ شَيْءٍ) مَصْدَرٌ مُضَافٌ إلَى مَفْعُولِهِ الْأَوَّلِ وَالْفَاعِلُ مَحْذُوفٌ، وَالْأَصْلُ أَنْ يَتَبَادَلَ الْمُتَبَايِعَانِ شَيْئًا مَرْغُوبًا فِيهِ بِمِثْلِهِ، فَشَيْئًا مَفْعُولٌ أَوَّلٌ وَبِمِثْلِهِ مَفْعُولٌ ثَانٍ بِوَاسِطَةِ الْحَرْفِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: مَرْغُوبٍ فِيهِ) أَيْ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ تَرْغَبَ إلَيْهِ النَّفْسُ وَهُوَ الْمَالُ؛ وَلِذَا احْتَرَزَ بِهِ الشَّارِحُ عَنْ التُّرَابِ وَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِمَالٍ، فَرَجَعَ إلَى قَوْلِ الْكَنْزِ وَالْمُلْتَقَى: مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ؛ وَلِذَا فَسَّرَ الشَّارِحُ كَلَامَ الْمُلْتَقَى فِي شَرْحِهِ بِقَوْلِهِ: أَيْ تَمْلِيكُ شَيْءٍ مَرْغُوبٍ فِيهِ بِشَيْءٍ مَرْغُوبٍ فِيهِ، فَقَدْ تَسَاوَى التَّعْرِيفَانِ فَافْهَمْ، نَعَمْ زَادَ فِي الْكَنْزِ بِالتَّرَاضِي.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute