للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الدَّالُ عَلَى التَّرَاضِي) قُيِّدَ بِهِ اقْتِدَاءً بِالْآيَةِ وَبَيَانًا لِلْبَيْعِ الشَّرْعِيِّ، وَلِذَا لَمْ يَلْزَمْ بَيْعُ الْمُكْرَهِ وَإِنْ انْعَقَدَ، وَلَمْ يَنْعَقِدْ مَعَ الْهَزْلِ لِعَدَمِ الرِّضَا بِحُكْمِهِ مَعَهُ.

ــ

[رد المحتار]

مَطْلَبٌ الْقَبُولُ قَدْ يَكُونُ بِالْفِعْلِ وَلَيْسَ مِنْ صُوَرِ التَّعَاطِي وَكَذَا إذَا قَالَ: بِعْتُكَهُ بِأَلْفٍ فَقَبَضَهُ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا كَانَ قَبْضُهُ قَبُولًا، بِخِلَافِ بَيْعِ التَّعَاطِي، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إيجَابٌ بَلْ قَبْضٌ بَعْدَ مَعْرِفَةِ الثَّمَنِ فَقَطْ، فَفِي جَعْلِ الْأَخِيرَةِ مِنْ صُوَرِ التَّعَاطِي كَمَا فَعَلَ بَعْضُهُمْ نَظَرٌ. اهـ.

وَذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ الْقَبْضَ يَقُومُ مَقَامَ الْقَبُولِ، وَعَلَيْهِ فَتَعْرِيفُ الْقَبُولِ بِالْقَوْلِ لِكَوْنِهِ الْأَصْلَ. (قَوْلُهُ: الدَّالُّ عَلَى التَّرَاضِي) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ الرِّضَا كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ؛ لِأَنَّ التَّرَاضِيَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْإِيجَابُ وَحْدُهُ بَلْ هُوَ مَعَ الْقَبُولِ أَفَادَهُ ح. (قَوْلُهُ: قُيِّدَ بِهِ اقْتِدَاءً بِالْآيَةِ) وَهِيَ قَوْله تَعَالَى - {إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: ٢٩]-. (قَوْلُهُ: وَبَيَانًا لِلْبَيْعِ الشَّرْعِيِّ) اسْتَظْهَرَ فِي الْفَتْحِ أَنَّ التَّرَاضِيَ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي الْبَيْعِ اللُّغَوِيِّ أَيْضًا، فَإِنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِنْ بَاعَ زَيْدٌ عَبْدَهُ لُغَةً إلَّا أَنَّهُ اسْتَبْدَلَهُ بِالتَّرَاضِي. اهـ. وَنَقَلَ مِثْلَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ عَنْ الْكِفَايَةِ وَالْكَرْمَانِيِّ وَقَالَ: وَعَلَيْهِ يَدُلُّ كَلَامُ الرَّاغِبِ خِلَافًا لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ. (قَوْلُهُ: وَلِذَا لَمْ يَلْزَمْ بَيْعُ الْمُكْرَهِ) قَدَّمْنَا أَنَّ بَيْعَ الْمُكْرَهِ فَاسِدٌ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْبَائِعِ، وَأَنَّ الْبَيْعَ الْمُعَرَّفَ يَشْمَلُ سَائِرَ أَنْوَاعِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَأَنَّ قَوْلَ الْكَنْزِ: الْبَيْعُ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ بِالتَّرَاضِي غَيْرُ مَرْضِيٍّ؛ لِأَنَّهُ يُخْرِجُ بَيْعَ الْمُكْرَهِ مَعَ أَنَّهُ دَاخِلٌ.

وَأُجِيبَ عَنْهُ بِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بِأَنَّهُ قُيِّدَ بِهِ اقْتِدَاءً بِالْآيَةِ: أَيْ لَا لِلِاحْتِرَازِ، لَكِنَّ قَوْلَهُ وَبَيَانًا لِلْبَيْعِ الشَّرْعِيِّ إنْ أَرَادَ بِهِ الْبَيْعَ الْمُقَابِلَ لِلُّغَوِيِّ يَرِدُ عَلَيْهِ مَا عَلِمْتَهُ مِنْ اعْتِبَارِ التَّرَاضِي فِي الْبَيْعِ اللُّغَوِيِّ، وَأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِي الْبَيْعِ الشَّرْعِيِّ، إذْ لَوْ كَانَ جُزْءُ مَفْهُومِهِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ بَيْعُ الْمُكْرَهِ بَاطِلًا لَا فَاسِدًا، بَلْ التَّرَاضِي شَرْطٌ لِثُبُوتِ حُكْمِهِ شَرْعًا، وَهُوَ الْمِلْكُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ، وَإِنْ أَرَادَ بِالشَّرْعِيِّ الْخَالِيَ عَنْ الْفَسَادِ فَالتَّقْيِيدُ بِالتَّرَاضِي لَا يُخْرِجُ بَقِيَّةَ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ، بَلْ التَّعْرِيفُ شَامِلٌ لَهَا، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا كُلَّهُ إنَّمَا يَتَأَتَّى فِي عِبَارَةِ الْكَنْزِ حَيْثُ جَعَلَ فِيهَا التَّرَاضِيَ قَيْدًا فِي التَّعْرِيفِ. أَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الدَّالُّ عَلَى التَّرَاضِي فَلَا لِكَوْنِهِ ذَكَرَهُ صِفَةً لِلْإِيجَابِ، فَهُوَ بَيَانٌ لِلْوَاقِعِ، فَإِنَّ الْأَصْلَ فِيهِ أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا عَلَى الرِّضَا وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ وُجُودُ الرِّضَا حَقِيقَةً فَلَا يَخْرُجُ بِهِ بَيْعُ الْمُكْرَهِ تَأَمَّلْ.

مَطْلَبٌ فِي حُكْمِ الْبَيْعِ مَعَ الْهَزْلِ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَنْعَقِدْ مَعَ الْهَزْلِ إلَخْ) الْهَزْلُ فِي اللُّغَةِ: اللَّعِبُ. وَفِي الِاصْطِلَاحِ: هُوَ أَنْ يُرَادَ بِالشَّيْءِ مَا لَمْ يَوْضَعْ لَهُ، وَلَا مَا صَحَّ لَهُ اللَّفْظُ اسْتِعَارَةً، وَالْهَازِلُ يَتَكَلَّمُ بِصِيغَةِ الْعَقْدِ مَثَلًا بِاخْتِيَارِهِ وَرِضَاهُ، لَكِنْ لَا يَخْتَارُ ثُبُوتَ الْحُكْمِ وَلَا يَرْضَاهُ. وَالِاخْتِيَارُ: هُوَ الْقَصْدُ إلَى الشَّيْءِ وَإِرَادَتُهُ. الرِّضَا: هُوَ إيثَارُهُ وَاسْتِحْسَانُهُ، فَالْمُكْرِهُ عَلَى الشَّيْءِ يَخْتَارُهُ وَلَا يَرْضَاهُ، وَمِنْ هُنَا قَالُوا: إنَّ الْمَعَاصِيَ وَالْقَبَائِحَ بِإِرَادَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - لَا بِرِضَاهُ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ كَذَا فِي التَّلْوِيحِ. وَشَرْطُهُ: أَيْ شَرْطُ تَحَقُّقِ الْهَزْلِ وَاعْتِبَارُهُ فِي التَّصَرُّفَاتِ أَنْ يَكُونَ صَرِيحًا بِاللِّسَانِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ إنِّي أَبِيعُ هَازِلًا، وَلَا يَكْتَفِي بِدَلَالَةِ الْحَالِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُهُ فِي الْعَقْدِ، فَيَكْفِي أَنْ تَكُونَ الْمُوَاضَعَةُ سَابِقَةً عَلَى الْعَقْدِ، فَإِنْ تَوَاضَعَا عَلَى الْهَزْلِ بِأَصْلِ الْبَيْعِ: أَيْ تَوَافَقَا عَلَى أَنَّهُمَا يَتَكَلَّمَانِ بِلَفْظِ الْبَيْعِ عِنْدَ النَّاسِ وَلَا يُرِيدَانِهِ وَاتَّفَقَا عَلَى الْبِنَاءِ: أَيْ عَلَى أَنَّهُمَا لَمْ يَرْفَعَا الْهَزْلَ وَلَمْ يَرْجِعَا عَنْهُ فَالْبَيْعُ مُنْعَقِدٌ لِصُدُورِهِ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ، لَكِنْ يَفْسُدُ الْبَيْعُ لِعَدَمِ الرِّضَا بِحُكْمِهِ فَصَارَ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ أَبَدًا، لَكِنَّهُ لَا يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ لِعَدَمِ الرِّضَا بِالْحُكْمِ؛ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي لَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ هَكَذَا ذَكَرُوا. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ بَاطِلًا لِوُجُودِ حُكْمِهِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ.

وَأَمَّا الْفَاسِدُ

<<  <  ج: ص:  >  >>