للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[رد المحتار]

مَطْلَبٌ مُهِمٌّ فِي حُكْمِ الشِّرَاءِ بِالْقُرُوشِ فِي زَمَانِنَا قُلْتُ: وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى بِدِرْهَمٍ فَلَهُ دَفْعُ دِرْهَمٍ كَامِلٍ أَوْ دَفْعُ دِرْهَمٍ مُكَسَّرٍ قِطْعَتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةٍ حَيْثُ تَسَاوَى الْكُلُّ فِي الْمَالِيَّةِ وَالرَّوَاجِ، وَمِثْلُهُ فِي زَمَانِنَا الذَّهَبُ يَكُونُ كَامِلًا وَنِصْفَيْنِ وَأَرْبَعَةَ أَرْبَاعٍ، وَكُلُّهَا سَوَاءٌ فِي الْمَالِيَّةِ وَالرَّوَاجِ، بَلْ ذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ فِي بَابِ الْمُتَعَارَفِ بَيْنَ التُّجَّارِ كَالْمَشْرُوطِ بِرَمْزِ عت: بَاعَ شَيْئًا بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَاسْتَقَرَّتْ الْعَادَةُ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ أَنَّهُمْ يُعْطُونَ كُلَّ خَمْسَةِ أَسْدَاسٍ مَكَانَ الدِّينَارِ، وَاشْتَهَرَتْ بَيْنَهُمْ فَالْعَقْدُ يَنْصَرِفُ إلَى مَا تَعَارَفَهُ النَّاسُ فِيمَا بَيْنَهُمْ فِي تِلْكَ التِّجَارَةِ، ثُمَّ رَمْزُ فك: جَرَتْ الْعَادَةُ فِيمَا بَيْنَ أَهْلِ خُوَارِزْمَ أَنَّهُمْ يَشْتَرُونَ سِلْعَةً بِدِينَارٍ ثُمَّ يَنْقُدُونَ ثُلُثَيْ دِينَارٍ مَحْمُودِيَّةٍ أَوْ ثُلُثَيْ دِينَارٍ وَطُسُوجٍ نَيْسَابُورِيَّةٍ قَالَ: يَجْرِي عَلَى الْمُوَاضَعَةِ وَلَا تَبْقَى الزِّيَادَةُ دَيْنًا عَلَيْهِمْ. اهـ.

وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة، وَمِنْهُ يُعْلَمُ حُكْمُ مَا تُعُورِفَ فِي زَمَانِنَا مِنْ الشِّرَاءِ بِالْقُرُوشِ، فَإِنَّ الْقِرْشَ فِي الْأَصْلِ قِطْعَةٌ مَضْرُوبَةٌ مِنْ الْفِضَّةِ تُقَوَّمُ بِأَرْبَعِينَ قِطْعَةً مِنْ الْقِطَعِ الْمِصْرِيَّةِ الْمُسَمَّاةِ فِي مِصْرَ نِصْفًا ثُمَّ إنَّ أَنْوَاعَ الْعُمْلَةِ الْمَضْرُوبَةِ تُقَوَّمُ بِالْقِرْشِ، فَمِنْهَا مَا يُسَاوِي عَشَرَةَ قُرُوشٍ، وَمِنْهَا أَقَلُّ وَمِنْهَا أَكْثَرُ، فَإِذَا اشْتَرَى بِمِائَةِ قِرْشٍ فَالْعَادَةُ أَنَّهُ يَدْفَعُ مَا أَرَادَ إمَّا مِنْ الْقُرُوشِ أَوْ مِمَّا يُسَاوِيهَا مِنْ بَقِيَّةِ أَنْوَاعِ الْعُمْلَةِ مِنْ رِيَالٍ أَوْ ذَهَبٍ، وَلَا يَفْهَمُ أَحَدٌ أَنَّ الشِّرَاءَ وَقَعَ بِنَفْسِ الْقِطْعَةِ الْمُسَمَّاةِ قِرْشًا، بَلْ هِيَ أَوْ مَا يُسَاوِيهَا مِنْ أَنْوَاعِ الْعُمْلَةِ الْمُتَسَاوِيَةِ فِي الرَّوَاجِ الْمُخْتَلِفَةِ فِي الْمَالِيَّةِ، وَلَا يَرِدُ أَنَّ صُورَةَ الِاخْتِلَافِ فِي الْمَالِيَّةِ مَعَ التَّسَاوِي فِي الرَّوَاجِ: هِيَ صُورَةُ الْفَسَادِ مِنْ الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ؛ لِأَنَّهُ هُنَا لَمْ يَحْصُلْ اخْتِلَافُ مَالِيَّةِ الثَّمَنِ حَيْثُ قُدِّرَ بِالْقُرُوشِ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الِاخْتِلَافُ إذَا لَمْ يُقَدَّرْ بِهَا كَمَا لَوْ اشْتَرَى بِمِائَةِ ذَهَبٍ وَكَانَ الذَّهَبُ أَنْوَاعًا كُلُّهَا رَائِجَةٌ، مَعَ اخْتِلَافِ مَالِيَّتِهَا، فَقَدْ صَارَ التَّقْدِيرُ بِالْقُرُوشِ فِي حُكْمِ مَا إذَا اسْتَوَتْ فِي الْمَالِيَّةِ وَالرَّوَاجِ وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يُخَيَّرُ فِي دَفْعِ أَيِّهِمَا شَاءَ قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَلَوْ طَلَبَ الْبَائِعُ أَحَدَهُمَا لِلْمُشْتَرِي دَفْعُ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الْبَائِعِ مِنْ قَبُولِ مَا دَفَعَهُ الْمُشْتَرِي وَلَا فَضْلَ تَعَنُّتٌ. اهـ.

بَقِيَ هُنَا شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّا قَدَّمْنَا أَنَّهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْمُفْتَى بِهِ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الْكَسَادِ وَالِانْقِطَاعِ وَالرُّخْصِ وَالْغَلَاءِ فِي أَنَّهُ تَجِبُ قِيمَتُهَا يَوْمَ وَقَعَ الْبَيْعُ أَوْ الْقَرْضُ إذَا كَانَتْ فُلُوسًا أَوْ غَالِبَةَ الْغِشِّ، وَإِنْ كَانَ فِضَّةً خَالِصَةً أَوْ مَغْلُوبَةَ الْغِشِّ تَجِبُ قِيمَتُهَا مِنْ الذَّهَبِ، يَوْمَ الْبَيْعِ عَلَى مَا قَالَهُ الشَّارِحُ، أَوْ مِثْلُهَا عَلَى مَا بَحَثْنَاهُ وَهَذَا إذَا اشْتَرَى بِالرِّيَالِ أَوْ الذَّهَبِ، مِمَّا يُرَادُ نَفْسُهُ، أَمَّا إذَا اشْتَرَى بِالْقُرُوشِ الْمُرَادِ بِهَا مَا يَعُمُّ الْكُلَّ كَمَا قَرَّرْنَاهُ، ثُمَّ رَخُصَ بَعْضُ أَنْوَاعِ الْعُمْلَةِ أَوْ كُلُّهَا وَاخْتَلَفَتْ فِي الرُّخْصِ، كَمَا وَقَعَ مِرَارًا فِي زَمَانِنَا فَفِيهِ اشْتِبَاهٌ فَإِنَّهَا إذَا كَانَتْ غَالِبَةَ الْغِشِّ، وَقُلْنَا: تَجِبُ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْبَيْعِ، فَهُنَا لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْقُرُوشِ نَوْعًا مُعَيَّنًا مِنْ الْعُمْلَةِ حَتَّى نُوجِبَ قِيمَتَهُ.

وَإِذَا قُلْنَا: إنَّ الْخِيَارَ لِلْمُشْتَرِي فِي تَعْيِينِ نَوْعٍ مِنْهَا كَمَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُ قَبْلَ أَنْ تَرْخُصَ، فَإِنَّهُ كَانَ مُخَيَّرًا فِي دَفْعِ أَيِّ نَوْعٍ أَرَادَ، فَإِبْقَاءُ الْخِيَارِ لَهُ بَعْدَ الرُّخْصِ يُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ وَالضَّرَرِ فَإِنَّ خِيَارَهُ قَبْلَ الرُّخْصِ لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْبَائِعِ أَمَّا بَعْدَهُ فَفِيهِ ضَرَرٌ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَنْظُرُ إلَى الْأَنْفَعِ لَهُ وَالْأَضَرِّ عَلَى الْبَائِعِ فَيَخْتَارُهُ، فَإِنَّ مَا كَانَ يُسَاوِي عَشَرَةً إذَا صَارَ نَوْعٌ مِنْهُ بِثَمَانِيَةٍ وَنَوْعٌ مِنْهُ بِثَمَانِيَةٍ وَنِصْفٍ، يَخْتَارُ مَا صَارَ بِثَمَانِيَةٍ فَيَدْفَعُهُ لِلْبَائِعِ، وَيَحْسِبُهُ عَلَيْهِ بِعَشَرَةٍ كَمَا كَانَ يَوْمَ الْبَيْعِ، وَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ دَفْعُ مِثْلِ مَا كَانَ يَوْمَ الْبَيْعِ لَا قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ كُلِّ نَوْعٍ تُعْتَبَرُ بِغَيْرِهِ، فَحَيْثُ لَمْ يُمْكِنْ دَفْعُ الْقِيمَةِ لِمَا قُلْنَا وَلَزِمَ مِنْ إبْقَاءِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي، لُزُومُ الضَّرَرِ لِلْبَائِعِ حَصَلَ الِاشْتِبَاهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>