للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ أَبَى حَبَسَهُ، وَعَكَسَهُ السَّرَخْسِيُّ وَسَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الْكَنْزِ وَالدُّرَرِ وَاسْتَحْسَنَهُ الزَّيْلَعِيُّ، وَالْأَوَّلُ مُخْتَارُ الْهِدَايَةِ وَالْوِقَايَةِ وَالْمَجْمَعِ، قَالَ فِي الْبَحْرِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَنَا اهـ. قُلْت: وَفِي مُنْيَةٍ لَوْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ يُحْبَسُ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ وَبِالْإِقْرَارِ يُحْبَسُ فِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ دُونَ الْأُولَى فَلْيَكُنْ التَّوْفِيقُ

(وَيُحْبَسُ) الْمَدْيُونُ

ــ

[رد المحتار]

مَعَهُ مَا هُوَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ، كَانَ لِلْقَاضِي أَنْ يَأْخُذَ الْعَيْنَ مِنْهُ وَمَا هُوَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ، وَيَدْفَعُهُ إلَى الْمَالِكِ غَيْرِ مُحْتَاجٍ إلَى أَمْرِهِ بِدَفْعِ مَا عَلَيْهِ، وَقَدْ قَالُوا: إنَّ رَبَّ الدَّيْنِ إذَا ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْمَدْيُونُ فَالْقَاضِي أَوْلَى نَهْرٌ وَتَبِعَهُ الْحَمَوِيُّ وَغَيْرُهُ ط. قُلْت: لَكِنْ كَوْنُهُ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إلَى أَمْرِهِ بِالدَّفْعِ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَتَحَقَّقُ لَهُ وِلَايَةُ أَخْذِ مَالِ الْمَدْيُونِ، وَقَضَاءُ دِينِهِ بِهِ إلَّا بَعْدَ الِامْتِنَاعِ عَنْ فِعْلِ الْمَدْيُونِ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ فَإِنْ أَبَى حَبَسَهُ، فَيُقَالُ إنَّمَا يَحْبِسُهُ إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ الْقَاضِي إلَخْ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ: فَإِنْ أَبَى حَبَسَهُ) فَلَوْ قَالَ أَمْهِلْنِي ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِأَدْفَعَهُ إلَيْك فَإِنَّهُ يُمْهَلُ وَلَمْ يَكُنْ بِهَذَا الْقَوْلِ مُمْتَنِعًا مِنْ الْأَدَاءِ وَلَا يُحْبَسُ شَرْحُ الْوَهْبَانِيَّةِ عَنْ شَرْحِ الْهِدَايَةِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْآتِي، وَلَوْ قَالَ أَبِيعُ عَرْضِي وَأَقْضِي دَيْنِي إلَخْ.

(قَوْلُهُ: وَعَكَسَهُ السَّرَخْسِيُّ) وَهُوَ أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ لَا يَحْبِسُهُ لِأَوَّلِ وَهْلَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَذِرُ بِأَنِّي مَا كُنْت أَعْلَمُ أَنَّ عَلَيَّ دَيْنًا لَهُ بِخِلَافِهِ بِالْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَالِمًا بِالدَّيْنِ وَلَمْ يَقْضِهِ حَتَّى أَحْوَجَهُ إلَى شَكْوَاهُ فَتْحٌ.

(قَوْلُهُ: وَسَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الْكَنْزِ) حَيْثُ قَالَ: وَإِذَا ثَبَتَ الْحَقُّ لِلْمُدَّعِي أَمَرَهُ بِدَفْعِ مَا عَلَيْهِ، فَإِنْ أَبَى حَبَسَهُ وَعِبَارَةُ مَتْنِ الدُّرَرِ أَصْرَحُ: وَهِيَ وَإِذَا ثَبَتَ الْحَقُّ عَلَى الْخَصْمِ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِبَيِّنَتِهِ أَمَرَهُ بِدَفْعِهِ إلَخْ، وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ وَلَا يُحْبَسُ الْغَرِيمُ فِي أَوَّلِ مَا يُقَدِّمُهُ إلَى الْقَاضِي، وَلَكِنْ يَقُولُ لَهُ قُمْ فَارْضِهِ فَإِنْ عَادَ بِهِ إلَيْهِ حَبَسَهُ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَاسْتَحْسَنَهُ الزَّيْلَعِيُّ) حَيْثُ قَالَ وَالْأَحْسَنُ مَا ذَكَرَهُ هُنَا أَيْ فِي الْكَنْزِ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِالْإِيفَاءِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُوَفِّيَ فَلَا يُعَجِّلُ بِحَبْسِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ حَالُهُ بِالْأَمْرِ وَالْمُطَالَبَةِ.

(قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَنَا) صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ، وَقَالَ إنَّ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا رِوَايَةٌ. قُلْت: لَكِنْ سَمِعْت عِبَارَةَ كَافِي الْحَاكِمِ، وَهُوَ الْجَامِعُ لِكُتُبِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إلَّا أَنَّ عِبَارَتَهُ ظَاهِرُهَا التَّسْوِيَةُ، فَيُمْكِنُ إرْجَاعُهَا إلَى مَا فِي الْهِدَايَةِ فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: فَلْيَكُنْ التَّوْفِيقُ) لَمْ يَظْهَرْ لَنَا وَجْهُهُ عَلَى أَنَّ مَا نَقَلَهُ عَنْ مُنْيَةِ الْمُفْتِي لَمْ أَجِدْهُ فِيهَا، بَلْ عِبَارَتُهَا هَكَذَا وَلَا يَحْبِسُهُ فِي أَوَّلِ مَا يَتَقَدَّمُ إلَيْهِ وَيَقُولُ لَهُ قُمْ فَارْضِهِ فَإِنْ عَادَ إلَيْهِ حَبَسَهُ اهـ. وَهِيَ عِبَارَةُ الْكَافِي الْمَارَّةِ ثُمَّ رَأَيْت بَعْضُهُمْ نَبَّهَ عَلَى مَا ذَكَرْته

(قَوْلُهُ: وَيُحْبَسُ الْمَدْيُونُ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْمُدَّعِيَ إذَا ادَّعَى دَيْنًا وَأَثْبَتَهُ يُؤْمَرُ الْمَدْيُونُ بِدَفْعِهِ، فَإِنْ أَبَى وَطَلَبَ الْمُدَّعِي حَبْسَهُ وَهُوَ غَنِيٌّ يُحْبَسُ، ثُمَّ إنْ كَانَ الدَّيْنُ ثَمَنًا وَنَحْوَهُ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ، فِي الْمَتْنِ وَادَّعَى الْمَدْيُونُ الْفَقْرَ لَا يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى الشِّرَاءِ وَنَحْوِهِ مِمَّا ذَكَرَ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ فَقْرِهِ، فَيُحْبَسُ إلَّا إذَا كَانَ فَقْرُهُ ظَاهِرًا كَمَا سَيَأْتِي وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ غَيْرَ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ وَادَّعَى الْفَقْرَ فَالْقَوْلُ لَهُ، وَلَا يُحْبَسُ إلَى آخِرِ مَا سَيَجِيءُ.

[تَنْبِيهٌ] أَطْلَقَ الْمَدْيُونَ فَشَمِلَ الْمُكَاتَبَ وَالْعَبْدَ الْمَأْذُونَ وَالصَّبِيَّ الْمَحْجُورَ فَإِنَّهُمْ يُحْبَسُونَ، لَكِنَّ الصَّبِيَّ لَا يُحْبَسُ بِدَيْنِ اسْتِهْلَاكٍ بَلْ يُحْبَسُ وَالِدُهُ أَوْ وَصِيُّهُ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا أَمَرَ الْقَاضِي رَجُلًا بِبَيْعِ مَالِهِ فِي دَيْنِهِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ بَحْرٌ. قُلْت: وَحُبِسَ وَالِدُهُ أَوْ وَصِيُّهُ بِدَيْنِ الِاسْتِهْلَاكِ إنَّمَا هُوَ حَيْثُ كَانَ لِلصَّبِيِّ مَالٌ وَامْتَنَعَ الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ مِنْ بَيْعِهِ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَلَا حَبْسَ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ آخِرِ الْعِبَارَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَالْقَوْلُ لَهُ إنَّهُ فَقِيرٌ؛ لِأَنَّ دَيْنَ الِاسْتِهْلَاكِ مِمَّا لَا يُحْبَسُ بِهِ إذَا ادَّعَى الْفَقْرَ كَمَا يَأْتِي وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ آخِرَ الْبَابِ نَظْمًا مَنْ لَا يُحْبَسُ وَفِيهِ تَفْصِيلٌ لِلثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورِينَ

<<  <  ج: ص:  >  >>