للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(حَلَّ) الْفِعْلُ بَلْ فُرِضَ (فَإِنْ صَبَرَ فَقُتِلَ أَثِمَ) إلَّا إذَا أَرَادَ مُغَايَظَةَ الْكُفَّارِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَعْلَمْ الْإِبَاحَةَ بِالْإِكْرَاهِ لَا يَأْثَمُ لِخَفَائِهِ فَيُعْذَرُ بِالْجَهْلِ، كَالْجَهْلِ بِالْخِطَابِ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ (كَمَا فِي الْمَخْمَصَةِ) كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْحَجِّ.

(وَ) إنْ أُكْرِهَ (عَلَى الْكُفْرِ) بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ سَبِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَجْمَعٌ، وَقُدُورِيٌّ (بِقَطْعٍ أَوْ قَتْلٍ رُخِّصَ لَهُ أَنْ يُظْهِرَ مَا أُمِرَ بِهِ) عَلَى لِسَانِهِ، وَيُوَرِّي (وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ) ثُمَّ إنْ وَرَّى لَا يُكَفَّرُ وَبَانَتْ امْرَأَتُهُ قَضَاءً لَا دِيَانَةً وَإِنْ خَطَرَ بِبَالِهِ التَّوْرِيَةُ وَلَوْ يُوَرِّ كُفِّرَ، وَبَانَتْ دِيَانَةً وَقَضَاءً، نَوَازِلُ، وَجَلَالِيَّةٌ

ــ

[رد المحتار]

قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَيُحْكَى عَنْ جَلَّادِ مِصْرَ أَنَّهُ يُقْتَلُ الْإِنْسَانُ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ بِسَوْطِهِ الَّذِي عَلَّقَ عَلَيْهِ الْكَعْبَ. (قَوْلُهُ: حَلَّ الْفِعْلُ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مُسْتَثْنَاةٌ عَنْ الْحُرْمَةِ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ عَنْ الْحُرْمَةِ حِلٌّ ابْنُ كَمَالٍ. (قَوْلُهُ: أَثِمَ) لِأَنَّ هَلَاكَ النَّفْسِ أَوْ الْعُضْوِ بِالِامْتِنَاعِ عَنْ الْمُبَاحِ حَرَامٌ زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا أَرَادَ مُغَايَظَةَ الْكُفَّارِ) لَمْ يَعْزُ الشَّارِحُ هَذَا لِأَحَدٍ وَقَدْ رَاجَعْت كُتُبًا كَثِيرَةً مِنْ كُتُبِ الْفُرُوعِ وَالْأُصُولِ فَلَمْ أَجِدْهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ثُمَّ رَأَيْته بَعْدَ حِينٍ وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ فِي كِتَابِ مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ. (قَوْلُهُ: فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ) أَيْ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتْقَانِيٌّ: يَعْنِي قَبْلَ انْتِشَارِ الْأَحْكَامِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَوَّلَ إسْلَامِ الْمُخَاطَبِ لِمَا قَالُوا: تَجِبُ الْأَحْكَامُ بِالْعِلْمِ بِالْوُجُوبِ أَوْ الْكَوْنِ فِي دَارِنَا، وَعَلَيْهِ فَمَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِنَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا تَرَكَ مِنْ نَحْوِ صَوْمٍ وَصَلَاةٍ قَبْلَ تَعَلُّمِهِ، وَإِنْ كَانَ جَهْلُهُ عُذْرًا فِي رَفْعِ الْإِثْمِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ) أَيْ فِي حَقِّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِهَا فِيهَا. (قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْمَخْمَصَةِ) أَيْ الْمَجَاعَةِ الشَّدِيدَةِ فَإِنَّهُ إنْ صَبَرَ أَثِمَ وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ قَوْله تَعَالَى - {إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: ١١٩]- يَشْمَلُ الْإِكْرَاهَ الْمُلْجِئَ لِأَنَّهُ مِنْ الضَّرُورَةِ وَإِنْ خُصَّ بِالْمَخْمَصَةِ فَالْإِكْرَاهُ ثَابِتٌ بِدَلَالَةِ النَّصِّ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي حَاشِيَتِنَا عَلَى شَرْحِ الْمَنَارِ لِلشَّارِحِ.

(قَوْلُهُ: مَجْمَعٌ وَقُدُورِيٌّ) أَيْ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ السَّبِّ فِي الْمَجْمَعِ وَمُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: بِقَطْعٍ أَوْ قَتْلٍ) أَيْ بِمَا يُخْشَى مِنْهُ التَّلَفُ. (قَوْلُهُ: وَيُوَرِّي) التَّوْرِيَةُ أَنْ يُظْهِرَ خِلَافَ مَا أَضْمَرَ فِي قَلْبِهِ أَتْقَانِيٌّ. قَالَ فِي الْعِنَايَةِ فَجَازَ أَنْ يُرَادَ بِهَا هُنَا اطْمِئْنَانُ الْقَلْبِ وَأَنْ يُرَادَ الْإِتْيَانُ بِلَفْظٍ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ اهـ وَفِيهِ أَنَّهُ قَدْ يُكْرَهُ عَلَى السُّجُودِ لِلصَّنَمِ أَوْ الصَّلِيبِ وَلَا لَفْظٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا إضْمَارُ خِلَافِ مَا أَظْهَرَ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، لِأَنَّهَا بِمَعْنَى الْإِخْفَاءِ فَهِيَ مِنْ عَمَلِ الْقَلْبِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ إنْ وَرَّى لَا يُكَفَّرُ) كَمَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى السُّجُودِ لِلصَّلِيبِ أَوْ سَبِّ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَفَعَلَ وَقَالَ نَوَيْت بِهِ الصَّلَاةَ لِلَّهِ تَعَالَى، وَمُحَمَّدًا آخَرَ غَيْرَ النَّبِيِّ. (قَوْلُهُ: وَبَانَتْ امْرَأَتُهُ قَضَاءً لَا دِيَانَةً) لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ طَائِعٌ بِإِتْيَانِ مَا لَمْ يُكْرَهْ عَلَيْهِ وَحُكْمُ هَذَا الطَّائِعِ مَا ذَكَرْنَا هِدَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ خَطَرَ بِبَالِهِ التَّوْرِيَةُ إلَخْ) أَيْ إنْ خَطَرَ بِبَالِهِ الصَّلَاةُ لِلَّهِ تَعَالَى وَسَبُّ غَيْرِ النَّبِيِّ وَلَمْ يُوَرِّ كُفِّرَ، لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ دَفْعُ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ عَنْ نَفْسِهِ وَوَجَدَ مَخْرَجًا عَمَّا اُبْتُلِيَ بِهِ، ثُمَّ لَمَّا تَرَكَ مَا خَطَرَ عَلَى بَالِهِ، وَشَتَمَ مُحَمَّدًا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ كَافِرًا، وَإِنْ وَافَقَ الْمُكْرِهَ فِيمَا أَكْرَهَهُ، لِأَنَّهُ وَافَقَهُ بَعْدَمَا وَجَدَ مَخْرَجًا عَمَّا اُبْتُلِيَ، فَكَانَ غَيْرَ مُضْطَرٍّ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ السُّجُودَ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ كُفْرٌ كِفَايَةٌ: وَبَقِيَ قِسْمٌ ثَالِثٌ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: وَإِنْ لَمْ يَخْطِرْ بِبَالِهِ شَيْءٌ وَصَلَّى لِلصَّلِيبِ أَوْ سَبَّ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ لَمْ تَبِنْ مَنْكُوحَتُهُ لَا قَضَاءً وَلَا دِيَانَةً لِأَنَّهُ فَعَلَ مُكْرَهًا لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ دَفْعُهُ عَنْ نَفْسِهِ إذَا لَمْ يَخْطِرْ بِبَالِهِ غَيْرُهُ اهـ.

وَظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ التَّوْرِيَةَ إنَّمَا تَلْزَمُ عِنْدَ خُطُورِهَا فَإِذَا خَطَرَتْ لَزِمَتْهُ وَبَقِيَ مُؤْمِنًا دِيَانَةً، وَظَهَرَ أَنَّ التَّوْرِيَةَ لَيْسَتْ الِاطْمِئْنَانَ لِفَقْدِهَا فِي الثَّالِثِ، مَعَ وُجُودِهِ فِيهِ خِلَافًا لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْعِنَايَةِ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الثَّالِثَ هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي " وَلَا رِدَّتُهُ " فَلَا تَبِينُ زَوْجَتُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ فَلَا تُنَافِي مَا هُنَا كَمَا خَفِيَ عَلَى الشَّارِحِ كَمَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: نَوَازِلُ وَجَلَالِيَّةٌ) الْأَقْرَبُ عَزْوُهُ إلَى الْهِدَايَةِ فَإِنَّهَا مِنْ الْمَشَاهِيرِ الْمُتَدَاوَلَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>