للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَيُؤْجَرُ لَوْ صَبَرَ) لِتَرْكِهِ الْإِجْرَاءَ الْمُحَرَّمَ وَمِثْلُهُ سَائِرُ حُقُوقِهِ تَعَالَى كَإِفْسَادِ صَوْمٍ وَصَلَاةٍ وَقَتْلِ صَيْدِ حَرَمٍ أَوْ فِي إحْرَامٍ وَكُلُّ مَا ثَبَتَتْ فَرْضِيَّتُهُ بِالْكِتَابِ اخْتِيَارٌ (وَلَمْ يُرَخَّصْ) الْإِجْرَاءُ (بِغَيْرِهِمَا) بِغَيْرِ الْقَطْعِ وَالْقَتْلِ يَعْنِي بِغَيْرِ الْمُلْجِئِ ابْنُ كَمَالٍ إذْ التَّكَلُّمُ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ لَا يَحِلُّ أَبَدًا.

(وَرُخِّصَ لَهُ إتْلَافُ مَالِ مُسْلِمٍ) أَوْ ذِمِّيٍّ اخْتِيَارٌ (بِقَتْلٍ أَوْ قَطْعٍ) وَيُؤْجَرُ لَوْ صَبَرَ ابْنُ مَالِكٍ (وَضَمَّنَ رَبُّ الْمَالِ الْمُكْرِهَ) بِالْكَسْرِ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ - بِالْفَتْحِ - كَالْآلَةِ (لَا) يُرَخَّصُ (قَتْلُهُ)

ــ

[رد المحتار]

قَوْلُهُ: وَيُؤْجَرُ لَوْ صَبَرَ) أَيْ يُؤْجَرُ أَجْرَ الشُّهَدَاءِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ خُبَيْبًا وَعَمَّارًا اُبْتُلِيَا بِذَلِكَ فَصَبَرَ خُبَيْبِ حَتَّى قُتِلَ فَسَمَّاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَيِّدَ الشُّهَدَاءِ وَأَظْهَرَ عَمَّارٌ وَكَانَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنًّا بِالْإِيمَانِ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ عَادُوا فَعُدْ» أَيْ إنْ عَادَ الْكُفَّارُ إلَى الْإِكْرَاهِ فَعُدْ أَنْتَ إلَى مِثْلِ مَا أَتَيْت بِهِ أَوَّلًا مِنْ إجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ عَلَى اللِّسَانِ، وَقَلْبُك مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ابْنُ كَمَالٍ وَقِصَّتُهُمَا شَهِيرَةٌ. (قَوْلُهُ: لِتَرْكِهِ الْإِجْرَاءَ الْمُحَرَّمَ) أَتَى بِلَفْظِ الْمُحَرَّمِ لِيُفِيدَ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهُ، فَإِنَّ ذَاكَ زَالَتْ حُرْمَتُهُ فَلِذَا يَأْثَمُ لَوْ صَبَرَ. فَإِنْ قِيلَ: كَمَا اسْتَثْنَى حَالَةَ الضَّرُورَةِ فِي الْمَيْتَةِ اسْتَثْنَى حَالَةَ الْإِكْرَاهِ هُنَا. قُلْنَا: ثَمَّةَ اسْتَثْنَى مِنْ الْحُرْمَةِ فَكَانَ إبَاحَةً فَلَمْ يَكُنْ رُخْصَةً وَهُنَا مِنْ الْغَضَبِ، فَيَنْتَفِي الْغَضَبُ فِي الْمُسْتَثْنَى، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَائِهِ انْتِفَاءُ الْحُرْمَةِ فَكَانَ رُخْصَةً وَذَكَرَ فِي الْكَشَّافِ " مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ " شَرْطٌ مُبْتَدَأٌ وَجَوَابُهُ مَحْذُوفٌ، لِأَنَّ جَوَابَ " مَنْ شَرَحَ " دَالٌّ عَلَيْهِ كَأَنَّهُ قِيلَ مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ إلَّا مَنْ أُكْرِهَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ غَضَبٌ، وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ كِفَايَةٌ. (قَوْلُهُ: كَإِفْسَادِ صَوْمٍ) أَيْ مِنْ مُقِيمٍ صَحِيحٍ بَالِغٍ فَلَوْ مُسَافِرًا أَوْ مَرِيضًا يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ، فَلَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ، وَعَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ يَسَعُهُ يَكُونُ آثِمًا كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ.

(قَوْلُهُ: وَصَلَاةٍ) عِبَارَةُ غَايَةِ الْبَيَانِ وَكَذَلِكَ الْمُكْرَهُ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ فِي الْوَقْتِ إذَا صَبَرَ حَتَّى قُتِلَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ يَسَعُهُ كَانَ مَأْجُورًا اهـ وَهَذَا ظَاهِرٌ أَمَّا إفْسَادُهَا فَقَدْ ذَكَرُوا جَوَازَ قَطْعِهَا لِدِرْهَمٍ، وَلَوْ لِغَيْرِهِ تَأَمَّلْ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْأَجْرِ عَلَى الصَّبْرِ لِأَخْذِهِ بِالْعَزِيمَةِ وَإِنْ جَازَ الْأَخْذُ بِالرُّخْصَةِ. (قَوْلُهُ: وَقَتْلِ صَيْدِ حَرَمٍ) بِإِضَافَةِ صَيْدِ إلَى حَرَمٍ وَقَوْلُهُ: أَوْ فِي إحْرَامٍ عُطِفَ عَلَى " حَرَمٍ "، وَقَدَّمْنَا عَنْ الْهِنْدِيَّةِ الْكَلَامَ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَكُلُّ مَا ثَبَتَتْ فَرْضِيَّتُهُ بِالْكِتَابِ) زَادَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَمْ يَرِدْ نَصٌّ بِإِبَاحَتِهِ حَالَةَ الضَّرُورَةِ، وَفِيهِ أَنَّهُ وَرَدَ النَّصُّ بِإِبَاحَةِ تَرْكِ الصَّوْمِ لِأَقَلَّ مِنْ الضَّرُورَةِ، وَهُوَ السَّفَرُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَأْثَمَ لَوْ صَبَرَ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْكَلَامُ فِي الْإِفْسَادِ بَعْدَ الشُّرُوعِ وَالْوَارِدُ إبَاحَتُهُ الْإِفْطَارُ قَبْلَهُ تَأَمَّلْ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ اُضْطُرَّ إلَى الْمَيْتَةِ، وَهُوَ مُحْرِمٌ وَقَدَرَ عَلَى صَيْدٍ لَا يَقْتُلُهُ وَيَأْكُلُ الْمَيْتَةَ. (قَوْلُهُ: يَعْنِي بِغَيْرِ الْمُلْجِئِ) أَشَارَ بِهَذِهِ الْعِنَايَةِ إلَى أَنَّ الْقَتْلَ وَالْقَطْعَ لَيْسَا قَيْدًا، بَلْ مَا كَانَ مُلْجِئًا فَهُوَ فِي حُكْمِهِمَا كَالضَّرْبِ عَلَى الْعَيْنِ وَالذَّكَرِ وَحَبْسِ هَذَا الزَّمَانِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ أَهْلِ بَلْخٍ وَالتَّهْدِيدُ بِأَخْذِ كُلِّ الْمَالِ كَمَا بَحَثَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ ط وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ نَقَلَهُ عَنْ الزَّاهِدِيِّ لَا أَنَّهُ بَحْثٌ مِنْهُ. (قَوْلُهُ: إذْ التَّكَلُّمُ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ لَا يَحِلُّ أَبَدًا) هَذَا إنَّمَا يَصْلُحُ عِلَّةً لِقَوْلِهِ سَابِقًا لِتَرْكِ الْإِجْرَاءِ الْمُحَرَّمِ فَالْأَوْلَى ذِكْرُ ذَلِكَ بِلَصْقِهِ ط.

(قَوْلُهُ: وَيُؤْجَرُ لَوْ صَبَرَ) لِأَخْذِهِ بِالْعَزِيمَةِ لِأَنَّ أَخْذَ مَالِ الْغَيْرِ مِنْ الْمَظَالِمِ وَحُرْمَةُ الظُّلْمِ لَا تَنْكَشِفُ، وَلَا تُبَاحُ بِحَالٍ كَالْكُفْرِ أَتْقَانِيٌّ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ تَرْكَ الْإِتْلَافِ أَفْضَلُ وَلِذَا قَالُوا: إنَّ تَنَاوُلَ مَالِ الْغَيْرِ أَشَدُّ حُرْمَةً مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْكَرْمَانِيِّ وَقَدَّمْنَا عَنْ الْخَانِيَّةِ أَنَّ الْفِعْلَ وَالتَّرْكَ سَوَاءٌ وَفِي الْخَانِيَّةِ اُضْطُرَّ حَالَ الْمَخْمَصَةِ وَأَرَادَ أَخْذَ مَالَ الْغَيْرِ فَمَنَعَهُ صَاحِبُهُ، وَلَمْ يَأْخُذْ حَتَّى مَاتَ يَأْثَمُ اهـ وَنَقَلَ الْأَتْقَانِيُّ أَنَّهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْإِكْرَاهِ وَأَنَّ الْفَقِيهَ أَبَا إِسْحَاقَ الْحَافِظَ كَانَ يَقُولُ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ بِتَأْوِيلِ مَا فِي الْمَخْمَصَةِ عَلَى مَا إذَا كَانَ صَاحِبُهُ يُعْطِيهِ بِالْقِيمَةِ، فَلَمْ يَأْخُذْ حَتَّى مَاتَ يَأْثَمُ وَكَذَا فِي الْإِكْرَاهِ لَوْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ يُعْطِيهِ بِالْقِيمَةِ يَأْثَمُ. (قَوْلُهُ: كَالْآلَةِ) وَذَلِكَ لِأَنَّ فِعْلَ الْمُكْرَهِ آلَةٌ لِلْمُكْرِهِ يُنْقَلُ إلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>