للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

صَوْتُ اللَّهْوِ وَالْغِنَاءِ يُنْبِتُ النِّفَاقَ فِي الْقَلْبِ كَمَا يُنْبِتُ الْمَاءُ النَّبَاتَ. قُلْت: وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ اسْتِمَاعُ صَوْتِ الْمَلَاهِي كَضَرْبِ قَصَبٍ وَنَحْوِهِ حَرَامٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اسْتِمَاعُ الْمَلَاهِي مَعْصِيَةٌ وَالْجُلُوسُ عَلَيْهَا فِسْقٌ وَالتَّلَذُّذُ بِهَا كُفْرٌ» أَيْ بِالنِّعْمَةِ فَصَرْفُ الْجَوَارِحِ إلَى غَيْرِ مَا خُلِقَ لِأَجْلِهِ كُفْرٌ بِالنِّعْمَةِ لَا شُكْرٌ فَالْوَاجِبُ كُلُّ الْوَاجِبِ أَنْ يَجْتَنِبَ كَيْ لَا يَسْمَعَ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَدْخَلَ أُصْبُعَهُ فِي أُذُنِهِ عِنْدَ سَمَاعِهِ» وَأَشْعَارُ الْعَرَبِ لَوْ فِيهَا ذِكْرُ الْفِسْقِ

ــ

[رد المحتار]

أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ عِنْدَ عُلَمَائِنَا. وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى - {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان: ٦]- الْآيَةَ جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ: أَنَّ الْمُرَادَ الْغِنَاءُ وَحَمَلَ مَا وَقَعَ مِنْ الصَّحَابَةِ عَلَى إنْشَاءِ الشِّعْرِ الْمُبَاحِ الَّذِي فِيهِ الْحِكَمُ وَالْمَوَاعِظُ، فَإِنَّ لَفْظَ الْغِنَاءِ كَمَا يُطْلَقُ عَلَى الْمَعْرُوفِ يُطْلَقُ عَلَى غَيْرِهِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ «مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ فَلَيْسَ مِنَّا» وَتَمَامُهُ فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا. [تَنْبِيهٌ]

عَرَّفَ الْقُهُسْتَانِيُّ الْغِنَاءَ بِأَنَّهُ تَرْدِيدُ الصَّوْتِ بِالْأَلْحَانِ فِي الشِّعْرِ مَعَ انْضِمَامِ التَّصْفِيقِ الْمُنَاسِبِ لَهَا قَالَ فَإِنْ فُقِدَ قَيْدٌ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْغِنَاءُ اهـ قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: وَقَدْ تُعُقِّبَ بِأَنَّ تَعْرِيفَهُ هَكَذَا لَمْ يُعْرَفْ فِي كُتُبِنَا فَتَدَبَّرْ اهـ. أَقُولُ: وَفِي شَهَادَاتِ فَتْحِ الْقَدِيرِ بَعْدَ كَلَامٍ عَرَفْنَا مِنْ هَذَا أَنَّ التَّغَنِّيَ الْمُحَرَّمَ مَا كَانَ فِي اللَّفْظِ مَا لَا يَحِلُّ كَصِفَةِ الذُّكُورِ وَالْمَرْأَةِ الْمُعَيَّنَةِ الْحَيَّةِ وَوَصْفِ الْخَمْرِ الْمُهَيِّجِ إلَيْهَا وَالْحَانَاتِ وَالْهِجَاءِ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ إذَا أَرَادَ الْمُتَكَلِّمُ هِجَاءَهُ لَا إذَا أَرَادَ إنْشَادَهُ لِلِاسْتِشْهَادِ بِهِ أَوْ لِيَعْلَمَ فَصَاحَتَهُ وَبَلَاغَتَهُ، وَكَانَ فِيهِ وَصْفُ امْرَأَةٍ لَيْسَتْ كَذَلِكَ أَوْ الزَّهْرِيَّاتُ الْمُتَضَمِّنَةُ وَصْفَ الرَّيَاحِينِ وَالْأَزْهَارِ وَالْمِيَاهِ فَلَا وَجْهَ لِمَنْعِهِ عَلَى هَذَا، نَعَمْ إذَا قِيلَ ذَلِكَ عَلَى الْمَلَاهِي امْتَنَعَ وَإِنْ كَانَ مَوَاعِظَ وَحِكَمًا لِلْآلَاتِ نَفْسِهَا لَا لِذَلِكَ التَّغَنِّي اهـ مُلَخَّصًا وَتَمَامُهُ فِيهِ فَرَاجِعْهُ، وَفِي الْمُلْتَقَى وَعَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَرِهَ رَفْعَ الصَّوْتِ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالْجِنَازَةِ وَالزَّحْفِ وَالتَّذْكِيرِ، فَمَا ظَنُّك بِهِ عِنْدَ الْغِنَاءِ الَّذِي يُسَمُّونَهُ وَجْدًا وَمَحَبَّةً فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ لَا أَصْلَ لَهُ فِي الدِّينِ. قَالَ الشَّارِحُ: زَادَ فِي الْجَوْهَرَةِ: وَمَا يَفْعَلُهُ مُتَصَوِّفَةُ زَمَانِنَا حَرَامٌ لَا يَجُوزُ الْقَصْدُ وَالْجُلُوسُ إلَيْهِ وَمَنْ قَبْلَهُمْ لَمْ يَفْعَلْ كَذَلِكَ، وَمَا نُقِلَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَمِعَ الشِّعْرَ لَمْ يَدُلَّ عَلَى إبَاحَةِ الْغِنَاءِ. وَيَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى الشِّعْرِ الْمُبَاحِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْحِكْمَةِ وَالْوَعْظِ، وَحَدِيثُ تَوَاجُدِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَصِحَّ، وَكَانَ النصرآباذي يَسْمَعُ فَعُوتِبَ فَقَالَ: إنَّهُ خَيْرٌ مِنْ الْغِيبَةِ فَقِيلَ لَهُ هَيْهَاتَ بَلْ زَلَّةُ السَّمَاعِ شَرٌّ مِنْ كَذَا وَكَذَا سَنَةً يَغْتَابُ النَّاسَ، وَقَالَ السِّرِّيُّ: شَرْطُ الْوَاجِدِ فِي غِيبَتِهِ أَنْ يَبْلُغَ إلَى حَدٍّ لَوْ ضُرِبَ وَجْهُهُ بِالسَّيْفِ لَا يَشْعُرُ فِيهِ بِوَجَعٍ اهـ. قُلْت: وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْعُيُونِ إنْ كَانَ السَّمَاعُ سَمَاعَ الْقُرْآنِ وَالْمَوْعِظَةِ يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ سَمَاعَ غِنَاءٍ فَهُوَ حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ وَمَنْ أَبَاحَهُ مِنْ الصُّوفِيَّةِ، فَلِمَنْ تَخَلَّى عَنْ اللَّهْوِ، وَتَحَلَّى بِالتَّقْوَى، وَاحْتَاجَ إلَى ذَلِكَ احْتِيَاجَ الْمَرِيضِ إلَى الدَّوَاءِ. وَلَهُ شَرَائِطُ سِتَّةٌ: أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِمْ أَمْرَدُ، وَأَنْ تَكُونَ جَمَاعَتُهُمْ مِنْ جِنْسِهِمْ، وَأَنْ تَكُونَ نِيَّةُ الْقَوْلِ الْإِخْلَاصَ لَا أَخْذَ الْأَجْرِ وَالطَّعَامِ، وَأَنْ لَا يَجْتَمِعُوا لِأَجْلِ طَعَامٍ أَوْ فُتُوحٍ، وَأَنْ لَا يَقُومُوا إلَّا مَغْلُوبِينَ وَأَنْ لَا يُظْهِرُوا وَجْدًا إلَّا صَادِقِينَ.

وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ لَا رُخْصَةَ فِي السَّمَاعِ فِي زَمَانِنَا لِأَنَّ الْجُنَيْدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى تَابَ عَنْ السَّمَاعِ فِي زَمَانِهِ اهـ وَانْظُرْ مَا فِي الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ (قَوْلُهُ يُنْبِتُ النِّفَاقَ) أَيْ الْعَمَلِيَّ (قَوْلُهُ كَضَرْبِ قَصَبٍ) الَّذِي رَأَيْته فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَضِيبٍ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُثَنَّاةِ بَعْدَهَا (قَوْلُهُ فِسْقٌ) أَيْ خُرُوجٌ عَنْ الطَّاعَةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ فِي الْجُلُوسِ عَلَيْهَا اسْتِمَاعًا لَهَا وَالِاسْتِمَاعُ مَعْصِيَةٌ فَهُمَا مَعْصِيَتَانِ (قَوْلُهُ فَصَرْفُ الْجَوَارِحِ إلَخْ) سَاقَهُ تَعْلِيلًا لِبَيَانِ صِحَّةِ إطْلَاقِ الْكُفْرِ عَلَى كُفْرَانِ النِّعْمَةِ ط (قَوْلُهُ فَالْوَاجِبُ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ اسْتِمَاعُ الْمَلَاهِي مَعْصِيَةٌ ط (قَوْلُهُ أَدْخَلَ أُصْبُعَهُ فِي أُذُنِهِ) الَّذِي رَأَيْته فِي الْبَزَّازِيَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>