للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمُتَظَاهِرٍ بِقَبِيحٍ وَلِمُصَاهَرَةٍ وَلِسُوءِ اعْتِقَادٍ تَحْذِيرًا مِنْهُ، وَلِشَكْوَى ظِلَامَتِهِ لِلْحَاكِمِ شَرْحُ وَهْبَانِيَّةٍ (وَكَمَا تَكُونُ الْغِيبَةُ بِاللِّسَانِ) صَرِيحًا (تَكُونُ) أَيْضًا

ــ

[رد المحتار]

مَيْتًا إذْ هُوَ أَقْبَحُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ وَمِنْ الْحَيِّ، فَكَمَا يَحْرُمُ لَحْمُهُ يَحْرُمُ عِرْضُهُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " «كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ» ؛ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ، فَلَا تَحِلُّ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ بِقَدْرِهَا كَهَذِهِ الْمَوَاضِعِ.

وَفِي تَنْبِيهِ الْغَافِلِينَ لِلْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ: الْغِيبَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: فِي وَجْهٍ هِيَ كُفْرٌ بِأَنْ قِيلَ لَهُ لَا تَغْتَبْ فَيَقُولُ: لَيْسَ هَذَا غِيبَةً، لِأَنِّي صَادِقٌ فِيهِ فَقَدْ اسْتَحَلَّ مَا حُرِّمَ بِالْأَدِلَّةِ الْقَطْعِيَّةِ، وَهُوَ كُفْرٌ، وَفِي وَجْهٍ: هِيَ نِفَاقٌ بِأَنْ يَغْتَابَ مَنْ لَا يُسَمِّيهِ عِنْدَ مَنْ يَعْرِفُهُ، فَهُوَ مُغْتَابٌ، وَيَرَى مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ مُتَوَرِّعٌ، فَهَذَا هُوَ النِّفَاقُ، وَفِي وَجْهٍ: هِيَ مَعْصِيَةٌ وَهُوَ أَنْ يَغْتَابَ مُعَيَّنًا وَيَعْلَمُ أَنَّهَا مَعْصِيَةٌ فَعَلَيْهِ التَّوْبَةُ، وَفِي وَجْهٍ: هِيَ مُبَاحٌ وَهُوَ أَنْ يَغْتَابَ مُعْلِنًا بِفِسْقِهِ أَوْ صَاحِبَ بِدْعَةٍ وَإِنْ اغْتَابَ الْفَاسِقَ لِيَحْذَرَهُ النَّاسُ يُثَابُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مِنْ النَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ اهـ.

أَقُولُ: وَالْإِبَاحَةُ لَا تُنَافِي الْوُجُوبَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ الْآتِيَةِ (قَوْلُهُ وَمُتَظَاهِرٍ بِقَبِيحٍ) وَهُوَ الَّذِي لَا يَسْتَتِرُ عَنْهُ وَلَا يُؤَثِّرُ عِنْدَهُ إذَا قِيلَ عَنْهُ إنَّهُ يَفْعَلُ كَذَا اهـ ابْنُ الشِّحْنَةِ قَالَ فِي تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ: فَيَجُوزُ ذِكْرُهُ بِمَا يُجَاهِرُ بِهِ لَا غَيْرِهِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَلْقَى جِلْبَابَ الْحَيَاءِ عَنْ وَجْهِهِ فَلَا غِيبَةَ لَهُ» وَأَمَّا إذَا كَانَ مُسْتَتِرًا فَلَا تَجُوزُ غِيبَتُهُ اهـ.

قُلْت: وَمَا اُشْتُهِرَ بَيْنَ الْعَوَّامِ مِنْ أَنَّهُ لَا غِيبَةَ لِتَارِكِ الصَّلَاةِ إنْ أُرِيدَ بِهِ ذِكْرُهُ بِذَلِكَ وَكَانَ مُتَجَاهِرًا فَهُوَ صَحِيحٌ وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ وَلِمُصَاهَرَةٍ) الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالْمَشُورَةِ: أَيْ فِي نِكَاحٍ وَسَفَرٍ وَشَرِكَةٍ وَمُجَاوَرَةٍ وَإِيدَاعِ أَمَانَةٍ وَنَحْوِهَا فَلَهُ أَنْ يَذْكُرَ مَا يَعْرِفُهُ عَلَى قَصْدِ النُّصْحِ (قَوْلُهُ وَلِسُوءِ اعْتِقَادٍ تَحْذِيرًا مِنْهُ) أَيْ بِأَنْ كَانَ صَاحِبَ بِدْعَةٍ يُخْفِيهَا وَيُلْقِيهَا لِمَنْ ظَفِرَ بِهِ أَمَّا لَوْ تَجَاهَرَ بِهَا فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْمُتَجَاهِرِ تَأَمَّلْ.

وَالْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالتَّحْذِيرِ، لِيَشْمَلَ التَّحْذِيرَ مِنْ سُوءِ الِاعْتِقَادِ وَلِمَا مَرَّ مَتْنًا مِمَّنْ يُصَلِّي وَيَصُومُ وَيَضُرُّ النَّاسَ (قَوْلُهُ وَلِشَكْوَى ظِلَامَتِهِ لِلْحَاكِمِ) فَيَقُولُ ظَلَمَنِي فُلَانٌ بِكَذَا لِيُنْصِفَهُ مِنْهُ.

[تَتِمَّةٌ]

يُزَادُ عَلَى هَذِهِ الْخَمْسَةِ سِتَّةٌ أُخْرَى مَرَّ مِنْهَا فِي الْمَتْنِ ثِنْتَانِ، الْأُولَى: الِاسْتِعَانَةُ بِمَنْ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى زَجْرِهِ، الثَّانِيَةُ: ذِكْرُهُ عَلَى وَجْهِ الِاهْتِمَامِ، الثَّالِثَةُ: الِاسْتِفْتَاءُ قَالَ فِي تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ: بِأَنْ يَقُولَ لِلْمُفْتِي ظَلَمَنِي فُلَانٌ كَذَا وَكَذَا وَمَا طَرِيقُ الْخَلَاصِ، وَالْأَسْلَمُ أَنْ يَقُولَ مَا قَوْلُك فِي رَجُلٍ ظَلَمَهُ أَبُوهُ أَوْ ابْنُهُ أَوْ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ كَذَا وَكَذَا وَلَكِنَّ التَّصْرِيحَ مُبَاحٌ بِهَذَا الْقَدْرِ اهـ لِأَنَّ الْمُفْتِيَ قَدْ يُدْرِكُ مَعَ تَعْيِينِهِ مَا لَا يُدْرِكُ مَعَ إبْهَامِهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ أَنَّ هِنْدَ امْرَأَةَ أَبِي سُفْيَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قَالَتْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي إلَّا مَا أَخَذْتُ مِنْهُ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ قَالَ خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ» الرَّابِعَةُ: بَيَانُ الْعَيْبِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ عَبْدًا، وَهُوَ سَارِقٌ أَوْ زَانٍ فَيَذْكُرُهُ لِلْمُشْتَرِي، وَكَذَا لَوْ رَأَى الْمُشْتَرِي يُعْطِي الْبَائِعَ دَرَاهِمَ مَغْشُوشَةً فَيَقُولُ: احْتَرِزْ مِنْهُ بِكَذَا، الْخَامِسَةُ: قَصْدُ التَّعْرِيفِ كَأَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا بِلَقَبِهِ كَالْأَعْرَجِ وَالْأَعْمَشِ وَالْأَحْوَلِ، السَّادِسَةُ: جُرْحُ الْمَجْرُوحِينَ مِنْ الرُّوَاةِ وَالشُّهُودِ وَالْمُصَنِّفِينَ فَهُوَ جَائِزٌ بَلْ وَاجِبٌ صَوْنًا لِلشَّرِيعَةِ فَالْمَجْمُوعُ إحْدَى عَشَرَةَ جَمَعْتهَا بِقَوْلِي:

بِمَا يَكْرَهُ الْإِنْسَانُ يَحْرُمُ ذِكْرُهُ ... سِوَى عَشْرَةٍ حَلَّتْ أَتَتْ تِلْوَ وَاحِدِ

تَظَلَّمْ وَشِرْ وَاجْرَحْ وَبَيِّنْ مُجَاهِرًا ... بِفِسْقٍ وَمَجْهُولًا وَغِشًّا لِقَاصِدِ

وَعَرِّفْ كَذَا اسْتَفْتِ اسْتَعِنْ عِنْدَ زَاجِرٍ ... كَذَاكَ اهْتَمِمْ حَذِّرْ فُجُورَ مُعَانِدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>